الأقباط متحدون - إزاى.. يا حنان؟
أخر تحديث ١٣:٥٠ | السبت ١٠ يناير ٢٠١٥ | ٢ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إزاى.. يا حنان؟

مفيد فوزى
مفيد فوزى

 لم تعد حنان – ابنتى – طفلة وإن كنت مازلت أراها، مهما مضى قطار العمر، طفلة بضفاير، كبرت (حنونة) وصارت صديقتى وحبيبتى ونتعرض أحياناً لعين حسودة، لكن رب العرش (ينجينا).

 
وبعد رحيل آمال العمدة توطدت صداقتنا وصرنا أكثر التصاقاً رغم أعباء حياتها العائلية كزوجة وأم. ولأن الحياة تحتاج الناصح الأمين المنزه عن الهوى، فقد منح كل منا للآخر فرصة النصح الأمين، هي تهمس في أذنى كثيراً بما تراه الصواب، وأنا أغطيها بتجربة عمر أحملها على ظهرى، هي شغوفة بالإصغاء إلى تأملاتى، التي يصفها الراحل الأب متى المسكين (إن التأمل في لغة الإنجيل وسيلة إيمانية عالية)، إن تأملاتى المتواضعة نابعة من وحدة أعيشها لكنها وحدة ثرثارة، فالعقل فيها لا يكف عن السؤال والتساؤل.
 
صحيح تأثرت حنان بمناخ البيت الذي عاشت فيه بين (أم مذيعة وأب صحفى)، وصحيح رأت الكبار في طفولتها، وصحيح مرت عيناها على سطور كتب في مكتبتى، لكنها خرجت من هذه العباءة بطعم آخر ومذاق مختلف وأسلوب يشبهها في السخرية، خط دفاعها الأول في الحياة، ثم فاجأتنى بكتابة الشعر ودخول عالم الأبراج والأحلام، وهى دنيا أجهلها تماماً، فقد عشت مخلصاً للحرف والخبر والتحقيق الصحفى، وأدمنت الحوارات الصحفية وانتزعت الإعجاب من رؤساء تحرير من العيار الثقيل أمثال أحمد بهاء الدين وفتحى غانم وارتبطت بى (تلفزة الصحافة) التي كانت الشموع أمام جيل جاء بعدى من الصحفيين.
 
وكانت حنان قد تربت في الكتابة على أيقونة الكاتبات المصريات سناء البيسى في نص الدنيا حتى صار لها أسلوب خاص بها، ودلفت إلى عالم الكتب في أكثر من دار نشر تهافتت على إنتاجها.
 
في شخصية ابنتى حنان كل ما في شباب جيلها الناضج القارئ الفهمان من صفات، فيها جنون الشباب وتمرده، وفيها اللهفة على النتائج وفيها اللهوجة وفيها العناد والفكرة الثابتة، ولا أدرى إن كانت حنان قد تربت خطأ على المباشرة في زمان مطرز باللوع وتزييف المشاعر، وتربت على الرصانة وسلامة القصد في زمن الأقنعة والنحنحة الأنثوية، وقد استثمرت حنان الوقت جيداً ولم تدعه يفر من بين أصابعها فخرجت بذهن يملك الكتابة بتركيبة مختلفة عن المألوف، ولست من القائلين بتواضع كاذب إن شهادتى مجروحة لأننى أتكلم عن ابنتى: فأنا أتكلم عن موهبة مصرية اعترف المجتمع بها على حد قول أستاذ علم الجمال د. مصطفى سويف. إننى أقرر ما (يضمره) عقلى قبل قلبى، وهو ما لا يقرره الآخرون من باب النفسنة، وتحضرنى عبارة نزار قبانى (سجلت تجربتى في 50 عاماً من الشعر قبل أن أتعرض لمقصلة النقاد)، ونفس الشىء فعلته غادة السمان حين جمعت كل ما كتب عنها وقالت (قبل أن يختزلوا جهد السنين ويجتزئوه بقصاقيص هزيلة ويهشموا عظامى بجهل وقبلية، تسألونى: ما مناسبة الكتابة عن حنان؟ أنا لا أكتب للتبشير بألبوم جديد ولا هي انضمت لفريق تمثيل عادل إمام (أستاذ ورئيس قسم)، لكننى أكتب لأسألها أكثر من سؤال لأعرف رؤية شابة متدينة دون إفراط، قارئة للإنجيل تصوم صيام العذراء؟، لا تتنبأ للأحداث رغم إحاطتها بعلم الفلك ولا تجلس مكان الطبيب النفسى تعالج بالأبراج، رغم دراستها المستفيضة في علم النفس، أردت سؤالها كما أراها على الشاشات واعية بما تقول دون تجهم، وشارحة أفكارها في خمسائة كلمة أو تزيد قليلاً في «المصرى اليوم» ولا تفتح المندل أو تقرأ الفنجان أو تخاطب الجان.
 
أردت أن أسأل حنان، لعلها أكثر تفاؤلاً منى وربما أكثر تحديقاً منى بحكم السن واخضرار السنين، هذا جيل الشباب والثورة على كل شىء، هذا زمن (انسف حمامك القديم)، ومن يدرى ربما تضعنى حنان في بنوار العواجيز أرقب مسرحية الزمن متأملاً بشدة متفاعلاً بحذر.
 
■ أقول: بعض شباب جيلك يرفضون (الوصاية الأبوية) وببساطة وبكلمات محددة يعصون الأهل تحت سمع وبصر الأهل، هل جاءت الثورة الينايرية لتعصف بالقيم التربوية؟ هل الثورة هي العصيان للبيت؟ لقد رأيت في برنامجى (مفاتيح) لقطة قابعة في مخيلتى وهى ابن الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة، وهو المستشار، يقبل يد والدته. هل ذهب هذا الجيل وصار (فعل ماض)؟ كيف يعود زمن طاعة الأبوين. إزاى؟
 
■ أقول: بعض شباب جيلك رأيتهم مع وائل الإبراشى في حالة غيرة وكمد وحسد من محمود بدر، واحد من مؤسسى حركة تمرد التي تبناها المجتمع للخلاص من حكم مرسى ومرشده، كان الشباب ثائراً على (بدر) لأن كتاباً في وزارة التربية والتعليم ذكر اسمه وصورته والطاقة المتمردة التي فجرت ثورة، هل هذه الغيرة طبيعية؟ موضوعية؟ واردة. وإذا كان كذلك، فكيف سيسمح لبعض الشباب بمناصب إدارية ولا يسمح للغير؟ كيف نطفئ النار التي تنشب في قلوبهم نحو شباب متميز؟ إزاى؟
 
■ أقول: بعض شباب جيلك اتجه نحو الإلحاد، الذي انتشر بعد الثورة فهل كان متخفياً في ثياب خجولة، لكنه أفصح عن نفسه فيما بعد؟ أفصح عن وجهه الكريه وصار يظهر على شاشات التليفزيون ويعلن أنه ملحد بكل ثقة وقد هربت منه حمرة الخجل؟ وكنت قد تابعت زيارة رئيس مصر إلى شيخ الأزهر وعبارته الغاضبة (رسالتك أمام الله تغيير الخطاب الدينى)، فهمت بما لا يقبل الشك أن العبارة رسالة إلى الشباب الملحد والشباب المتطرف في الفهم، فهمت أن الرئيس يوصى أكبر مؤسسة دينية بالعودة للإسلام الوسطى، كيف يقوم الأزهر بهذا الدور ويثوب الشباب الملحد ويعود إلى رشده، أسألك: إزاى؟
 
■ أقول لك كمصرية قبطية، حين تقول التعاليم المسيحية (من ضربك على خدك الأيمن فاعدل له الخد الأيسر، هل هي أخلاق سماحة أم ضعف أم قوة القوة؟ وماذا يعنى المسيح حين يقول: (من سخّرك ميلاً واحداً فامش معه اثنين)، و(من طلب منك ثوبك فأعطه غذاءك أيضاً) أين هذه (اليوتوبيا) من أطماع هذا الزمان، وإذا كنا نتلقاها من فهم الكهنة في الكنائس، فماذا نحن فاعلون بها؟.. إزاى؟.
 
■ أقول: حين قرأت منذ أيام كارثة استقبال العام الجديد في شنغهاى بالصين، حين أمطر (مخبول) أوراق نقد مزيفة من أعلى برج، وتدافعت الملايين للفوز بها في الشوارع، وكانت تعبر عن مغنى لا يختلف عليه اثنان، لو حدث نفس الحادث في أي عاصمة من عواصم العالم، لحدث التكالب المجنون وكانت نفس المأساة قبل اكتشاف زيف أوراق العملة، كيف تستقبلين هذا الصرع للمال (أبوكل المفاسد)، رغم الحاجة إليه في زمن أصبح فيه لكل شىء في الحياة ثمن. أظن أن جيلك من الشباب صار يحسب كل شىء بعدد الأصفار، هل نحن بحاجة إلى قيم القناعة والرضا بالمقسوم؟.. إزاى؟
 
■ أقول: عندما أسمع أن فلانة طلبت الطلاق، هذه التي حضرت ليلة زفافها من زوج شاب مليح وملىء، فكيف أفسر الحالة؟ هل هي أزمة منتصف العمر تعصف بالتجربة؟ هل هي النقار التافه يشن حرباً باردة تدمر خلايا العلاقة؟ كيف يحدث بعد 14 شهراً من حياة زوجية، هل هو غباء الزوج؟ هل هو خطأ في الذبذبة على موجة الفهم؟ هل هو سوء اختيار من البداية؟ هل هي مختلفة عن نساء المواقع المحرمة؟ إنها قضية جديرة بالتأمل فليست المسألة (بطيخة ياحمرة ياقرعة)، لكن كيف نصل إلى حافة التفاهم وقبول الآخر ودوام الهناء؟ إزاى؟
 
■ أقول: بعض شباب جيلك من مشجعى الكرة، أصابتهم لوثة العنف غير المسبوق، وصارت مباريات الكرة (حمامات دماء)، وبورسعيد نمط في ذاكرة المصريين، حتى الفاكهة المستديرة التي تأخذنا من الهموم والسموم لحقتها اللعنة، فأصبحت المدرجات خالية، كمسرح خال وممثلين على الخشبة يؤدون أدوارهم ولكن بلا روح، هل صارت مباريات المستطيل الأخضر حالة فيها استحالة، وتعلمين أن الجمهور لاعب فاعل في أي مبارة، هل تبادلت كرة القدم مع المصارعة الحرة المواقع؟ كيف تعود (الأخلاق) للملاعب أم كتب على هذه الملاعب الانحطاط العام والموت الزؤام؟.. إزاى؟
 
■ أقول: كيف وصلنا لما وصلنا إليه من تبادل الاتهامات على المواقع والشاشات على فيس بوك الشباب؟ كيف صرنا نتشاتم بالأب والأم ونتلاسن بالسب ونلقى أكواب الماء في وجوه البعض ونحطم أثاث الأستديو، في معارك لفظية متدنية. لقد عشت أربعين عاماً أقدم البرامج على الشاشة منها 20 عاماً متواصلة في (حديث المدينة) لم أقل كلمة تخدش الحياء، فهل الأمل في عودة الحياء وآداب المخاطبة وارد أم السير في حارة سد؟. وإذا كان هناك أمل، إزاى يا حنان؟
 
■ أقول: لأنك معلمتى الروحيه وكاشفة سلوكياتى بالأبراج ومفسرة أحلامى التي تتكرر وقارئة للإنجيل وحريصة على الصلاة والتناول في الكنيسة، أحد أهم طقوس المسيحية السمحاء، أسألك وأبغى إجابة، فهناك سؤال يلح دائماً على عقلى، السؤال قابع في صدفة التأملات، لم أطرحه على أحد، ربما يتصور رائحة أفكار لكلام الإنجيل ولهذا أحمله في صدرى وأخبئه، السؤال ورد في العهد القديم. يقول السؤال: لماذا يا ربى تُنجِح طريق الأشرار؟
 
■ إزاى.. يا حنان. HOW؟!
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع