في المملكة المتحدة؛ يقدر الباحثون أن الخسائر التي تتكبدها المؤسسات والشركات جراء إصابة العاملين فيها بـ "دوار الخمر" خلال موسم العطلات في نهاية كل عام، تبلغ نحو 260 مليون جنيه استرليني (409 ملايين دولار).
وأظهر استطلاع، شمل 1.500 شخص وأُجري لحسب موقع lastminute.com الإلكتروني للسفريات، أن نحو 25 في المئة من الموظفين يعملون لفترة لا تتجاوز أربع ساعات في اليوم التالي لاحتفال شركاتهم ومؤسساتهم بحلول عيد الميلاد.
وأشار الاستطلاع إلى أن 20 في المئة آخرين يتصلون عقب الاحتفال للحصول على إجازة مرضية في اليوم التالي.
وقد أجرى مركز الإدمان والصحة النفسية، ومقره مدينة تورنتو الكندية، مراجعة للدراسات الطبية التي أجريت في هذا الموضوع.
وتقول هذه المراجعة، التي جرت لحساب المفوضية الأوروبية، إن "هناك كذلك الكثير من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن آثار (معاقرة) الخمور، التي تقع على عاتق الأفراد والأسر وأماكن العمل، والمجتمع ككل".
وتضيف المراجعة:"هذه الآثار تُضاف إلى عدد مذهل من التكاليف الاجتماعية التي تُعزى إلى تناول الخمور، والتي يمكن تقدير حجمها السنوي في أوروبا بما يصل إلى 155.8 مليار يورو".
ويقول يوريس فرستر، الأستاذ بمعهد علوم الصيدلة في جامعة أوتريخت، إنه لا يوجد في الوقت الحاضر علاج فعال متاح للإفراط في تناول الكحول، أو "دوار الخمر".
ويضيف فرستر، الذي أعد من قبل عددا كبيرا من الأوراق البحثية التي تناولت استكشاف السبل الممكنة لعلاج الإفراط في تناول الكحول، أن الاعتدال هو السبيل الوحيد للحيلولة دون حدوث تلك الآثار.
ويتبنى هذه الرؤية أيضا المعهد الوطني لمواجهة الإفراط في تناول الخمور وإدمانها، التابع للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة. ويقول جورج كوْب، مدير هذا المعهد: "المعاهد الوطنية للصحة لا تكرس أموالا لمعالجة دوار الخمر، وما نحاول القيام به هو منع الناس من الإفراط في الشراب إلى الحد الذي يصيبهم بهذه الحالة".
وحتى هذه اللحظة، يوصي العاملون في صناعة الخمور باحتساء كميات كبيرة من المياه، ليس فقط في وقت النوم، وإنما خلال عملية الشرب نفسها، وذلك إتباعا لقاعدة تقول إن احتساء كوب من الماء مع كل كأس من النبيذ يقود إلى تجنب الإصابة بـ دوار الخمر.
وتعتبر كريستي كانتربري، وهي واحدة من بين 300 شخص فقط في العالم حصلوا على درجة ماجستير شرفية في النبيذ، أن الإفراط في الكحول يشكل خطرا مهنيا، نجحت هي في تجنبه عبر "التناوب على احتساء كؤوس من أي مشروب أتناوله مع شرب أكواب من الماء."
وتضيف: "بطبيعة الحال، عندما يحتسي المرء النبيذ؛ يتطلب الأمر تذوقه، وهو ما يعقبه عادة الإقدام على بصق بعضٍ منه، وهو ما لا يحدث بذات القدر عند تناول المشروبات الروحية القوية. ومن ثم فإن تناول المرء كوبا من الماء بعد احتساء كأس نبيذ يؤدي إلى تهدئته بالفعل، وإلى ملء بطنه كذلك، وتنظيف سقف حلقه، وإبعاد خطر دوار الخمر عنه".
رغم ذلك، يقول فرستر إن شرب كميات كبيرة من الماء لا يمثل الحل السهل للمشكلة. ويضيف: "المعاناة من "آثار الثمالة جراء الإفراط في تناول الكحول ليست مجرد إصابة بالجفاف، ولهذا فإن شرب المياه، لا يساعد على التخفيف من هذه الحالة.
ويتابع: "مثل هذا الأمر ربما يقلل من (المعاناة من) جفاف الفم أو العطش أو الصداع، ولكن الإحساس بوجود حالة عامة من البؤس والتعاسة، وهو ذاك الذي يميز المعاناة من دوار الخمر، يبقى قائما. ومن المرجح أن يكون لجهاز المناعة دور في استثارة الإحساس بـدوار الخمر جراء الإفراط في معاقرة الخمور."
مشكلة عبر العصور
بدأت البشرية في السعي من أجل العثور على علاج لدوار الخمر بعد وقت قصير من اكتشاف عملية التخمير، التي تُستخدم لصنع المشروبات الكحولية.
فالبشر طالما سعوا لإيجاد ترياق لذاك الشعور الذي يصيبهم غداة إفراطهم في تناول الخمور؛ وهو بحث بدأ منذ الأشوريين الذين مزجوا مجروش منقار طائر السنونو مع زيت شجر المر للتخفيف من الصداع المبرح، وحتى الإغريق الذين قاموا بسلق أوراق الكرنب لتقليل حدة الألم.
ووصولا إلى أهل منغوليا ممن أعدوا وجبة خاصة من حساء الطماطم المركزة للتغلب على الشعور بالدوار.
وفي الوقت الحاضر، تعرض شركات الأدوية وخبراء العلاج بالأعشاب المستحضرات والتراكيب التي خلصوا إليها، من قبيل مزج مادة الكافيين بالعقاقير المسكنة للألم؛ بهدف علاج هذه الحالة.
وتشمل تلك المستحضرات كل شيء تقريبا، بداية من الحبوب الدوائية الفوارة التي تحتوي على مادتي الأسبرين والكافيين، إلى تلك المستحضرات التي تحتوي على جرعات كبيرة من فيتامين "ب".
كما يقدم علم الطب الحديث حلا يقوم على ضخ العلاج مباشرة في أوردة المصاب بدوار الخمر، وذلك من خلال عيادات متخصصة في تعويض السوائل؛ لا تتطلب حجزا مسبقا من قبل المترددين عليها.
وتنتشر هذه العيادات في مدن مثل لندن وشيكاغو ونيويورك ولاس فيغاس، وغيرها من المدن.
وفي هذه الحالة، يمكن للمصاب أن يدفع مبلغ يتراوح ما بين 150 إلى 250 دولارا، نظير أن يتولى طبيب تركيب أنبوب في وريده، لكي يُضخ من خلاله محلول ملحي ممزوجٌ بمكملات فيتامين "ب".
ويقول الطبيب آدم نادلسون، الذي توفر شركته خدمة القيام بزيارات منزلية لعملائها، على نحو يتسم بالدقة: "عادة بعد أقل من 30 دقيقة (من اتباع هذا الأسلوب العلاجي) يصبح من يعانون من هذه الحالة في وضع يسمح لهم بمغادرة (العيادة).. إذا ما كنت تشعر بتلك الحالة، بمثل هذه الدرجة من السوء؛ لا ينبغي عليك أن تذهب إلى عملك".
ويمثل المصابون بهذه الحالة نحو 50 في المئة من المترددين على نادلسون، أما الباقون فيتمثلون في من يسعون للتغلب على الاضطرابات التي يصابون بها بسبب قيامهم برحلات جوية طويلة، أو أولئك الذين يعانون من الإنفلونزا.
وردا على سؤال حول الأسباب التي تجعل العلاج باستخدام أسلوب "التنقيط الوريدي" أفضل من مجرد شرب لتر من الماء، قال الطبيب إن الأمر يرتبط بمدى قدرة الإنسان على امتصاص السوائل.
وأوضح أن الجسم "لا يستطيع أن يمتص سوى 50 في المئة على الأكثر مما يشربه الإنسان".
غير أن كوب، مدير المعهد الوطني لمواجهة الإفراط في تناول الخمور وإدمانها في الولايات المتحدة، يحذر من أن العيادات التي تقدم خدمة "التنقيط الوريدي"، يمكن أن تساعد على جعل المشكلة الناجمة عن الإفراط في الخمور مشكلة مزمنة ودائمة، وذلك في ضوء أنها توفر حلا سهلا لها.
ويقول كوب: "في أي وقت تضع فيه أنبوب التنقيط الوريدي في جسد شخص ما، هناك إمكانية لحدوث عدوى، كما أن هذا الأسلوب العلاجي مكلف".
فضلا عن ذلك، يعتبر الرجل أن إتباع هذا الأسلوب في العلاج "يشجع الناس على احتساء المزيد،" من المشروبات الكحولية.