بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (520)
مضت الأعياد وفرح المصريون بها وعاشوا بهجتها معا.. أعياد الكريسماس ورأس السنة والمولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد. لم ينقسم المصريون إلي شيع أو شرائح مختلفة تبعا للمناسبة بل لمسنا روح الاحتفال والمشاركة تعم بينهم وهم يتبادلون التهاني والمجاملات التي طالما ربطت بينهم وأضفت المعاني الأصيلة للأعياد.. معاني كانت علي وشك التآكل والاندثار لكن أبدا لم تتآكل أو تندثر لأن المحبة انتصرت علي الكراهية والتآلف تغلب علي الفرز.. وما أحلاها الصورة التي انتشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي تجمع في متجر واحد بين فتاة محجبة تمسك بيديها تمثال بابا نويل راغبة في شرائه وعلي بعد خطوات معدودات منها يقف أب كاهن مسيحي ينتقي حلاوة المولد التي سيشتريها.. التعليقات انهمرت علي الصورة تقول: هي دي مصر.. وما أحلاها وأصدقها من تعليقات.
كما لا يفوتني تسجيل مبادرة الرئيس السيسي التي نزلت كالبلسم في نفوس الأقباط خصوصا والمصريين عموما… وسطرت مجاملة كريمة غير مسبوقة لرؤساء الدولة عندما عاد سيادته إلي مصر من الكويت ليسرع بالذهاب إلي الكاتدرائية المرقسية مساء الثلاثاء ليلة عيد الميلاد ويفجر المفاجأة المفرحة أمام جميع الحضور وسائر المتابعين للاحتفالات والصلوات عبر شاشات التليفزيون بدخوله الباسم البسيط وكلماته العفوية بالغة الدلالة للتهنئة بالعيد… حقا كان السيسي في تلك الليلة بابا نويل المصريين.
هذه المشاهد الجميلة أخرجتنا من الأسف والأسي الذي يعترينا نحن المسيحيين قبل أعيادنا -خاصة في السنوات الثلاث الماضية- حين تتناثر الفتاوي من دعاة الفتاوي لتحرم علي إخوتنا المسلمين تهنئتنا في أعيادنا أو مشاركتنا فرحتنا.. فتاوي مريضة ضلت طريق الإسلام الوسطي السمح وتجردت من وداعة وأصالة المصريين الذين دأبوا علي مشاركة بعضهم البعض صومهم وإفطارهم وأعيادهم وفرحتهم.. فتاوي حاولت أغتيال انصهار المصريين في الوعاء الوطني الذي يجمعهم لتضخ مفاهيم غريبة دخيلة عليهم مدعية -زيفا وبهتانا- أن الإسلام لا يقبل الآخر ولا يعترف بخصوصياته وأن المسلم المخلص لدينه يجب ألا ينزلق في تهنئة المسيحيين بأعيادهم أو مشاركتهم فرحتهم فيها!!.. وفي معرض تبرير تلك الفتاوي المضللة تنطلق الأدبيات المتطرفة لتجرح مشاعر المسيحيين في عقيدتهم وتتطاول عليهم وتستبيح الإساءة لهم.
أما المضحك المبكي فكان عندما حاول البعض رأب ذلك الصدع وتقديم حلول وسط تصوروا أنها قد تجمل فتاوي التطرف والتعصب فأتحفونا بفتوي تصحيحية تقول: يمكنك تهنئة المسيحيين في أعيادهم باستخدام عبارات إسلامية!!.. إنه أمر مضحك لأنه كمن يحاول أن يحمي المسلم من أن يرتكب معصية أو ينجس نفسه أو ينقض وضوءه إذا أقدم علي تهنئة جاره أو زميله أو صديقه المسيحي في عيده فكأن استخدام العبارات الإسلامية هو المصل الذي يقيه النجاسة ويحافظ علي عفته وطهارته!!!.. وفي المقابل هو أمر مبكي لأنه يتنكر للطبيعة السمحة للمصريين وميراثهم الثقافي والاجتماعي في التعايش والود والتآلف ليحول كل تواصل بينهم إلي ما يتفق مع الإسلام أو ما يتعارض معه.
الحقيقة المسكوت عنها في كل ذلك أن مصر بخير وأثبت المصريون أنهم ليسوا في حاجة إطلاقا إلي فتاوي التعصب والتصرف ولم يعيروها أي التفات أو اهتمام, وخرجوا يستمتعون بالأعياد جميعها بغض النظر عن تبعيتها لأي منهم أو ارتباطها بدين هذا أو عقيدة ذاك.. مرت الأعياد وتشارك فيها المصريون جميعا وتبادلوا عبارات التهاني ومشار الفرحة دون تحفظ أو حساسية.. لم نسمع تهنئة مسلم لأخيه المسيحي بعبارات إسلامية, ولا تهنئة مسيحي لأخيه المسلم بعبارات مسيحية.. كلها كانت عبارات مصرية لها نكهة وطنية تفيض فرحا ومحبة ووداعة..
هكذا كانت مصر دوما وكذلك ستكون في كل الأوقات لأنها خرجت من محنتها في 30 يونية وفطمت من مختطفيها إلي الأصولية والتطرف.. ودعوني أذكركم.. صورة الفتاة المحجبة مشترية بابا نويل وبجوارها الأب الكاهن مشتري حلاوة المولد لا تنطوي علي أي مضمون خارق أو عظيم.. ما يجعله كذلك هو مناخ الأزمة فقط.. لكن الحقيقة الأبلغ والأعظم أنه مضمون بسيط عفوي طبيعي.. إنه مسلك مصري أصيل يقول: هي دي مصر…
نقلا عن وطنى