الأقباط متحدون - محطات للتزود بالوقود!
أخر تحديث ٠٢:٠٥ | الاربعاء ١٤ يناير ٢٠١٥ | ٦ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٤٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

محطات للتزود بالوقود!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كتب : مفيد فوزي

لا أظن أن الهدف من كتابة مقال فى مناسبة الاحتفال بميلاد «الصبوحة» هو ملء لصفحتين و«سد خانة»، ولا أظن أنه الاستفادة باسمى بين كتابات الزملاء باعتبارى - بحكم السن 

- أجلس فى «بنوار» الصحافة، والأمر ليس بالطبع مجاملة للشاعر جمال بخيت رئيس التحرير، فالرجل لديه خاصية مهمة وهى تقدير من سبقوه فى التجربة، وأيضا لا يفرض رأيا ويترك للكاتب حرية التحليق، وما يهمنى فى السطور القادمة هو استخراج التجارب التى عشتها لأن «لحم أكتافى فى المهنة من تربية صباح الخير»!
 
لا أفضل أن أطلق على ما أكتبه دروسا لأننى مازلت أتعلم، ولهذا يروق لى كلمة تجارب لأنها بالفعل «معايشة للواقع» الذى كان.
 
1- كنت قبل الالتحاق بصباح الخير كصحفى تحت التمرين، قد عشت تجربة فى أخبار اليوم بدعوة من كامل الشناوى رئيس تحرير «آخر ساعة» حينذاك، وكنت أكتب أخبارا أحصل عليها من مصادرها، مرة بالإلحاح على المصدر نفسه، ومرة بالمعرفة بالصدفة، لكنى سمعت عبارة من كامل الشناوى أهم مكتشفى المواهب يقول بصوته الأجش الحنون:

إذا أردت أن تحمل لقب صحفى، فمن المهم توسيع دائرة معارفك وكتابة أرقام تليفوناتهم فى نوتة صغيرة لا تفارق جيبك «كان هذا فى زمن ما قبل المحمول»،

ونفذت النصيحة لأن الاستعلاء على النصائح معناه الفشل المدوى، وتعلمت أن كل بنى آدم هو «مصدر» للصحفى، وكنت مدمنا لباب «ساعات» الذى يكتبه كامل الشناوى وأهتز من داخلى أمام عباراته النثرية المكحلة بالشعر، ذات مرة كتبت خبرا بصيغة شاعرية فاستدعانى وقال: «الخبر هو معلومات لا تحتمل هذه الصيغة»، وفهمت أن الخبر هو الخبر، والشاعرية هى المقال والخاطرة والتأملات.
 
الشىء المهم فى إقامتى القصيرة فى أخبار اليوم هو تعرفى على الكاتب العظيم سلامة موسى، ومنه عرفت سحر العبارة القصيرة المكثفة،

وعرفت أن المحسنات البديعية فى اللغة لا تكون على حساب المضمون، وقد أتاح الاقتراب من سلامة موسى قراءة كتبه النادرة سهلة الأسلوب عميقة المعانى ولا أخفى بالطبع ولعى وهيامى وجنونى بأسلوب محمد حسنين هيكل الذى وقعت فى غرام المهنة منذ قرأت لأول مرة كتابه «إيران فوق بركان» الذى رصد فيه عبر زيارته لإيران خلال حكم مصدق التجربة الإيرانية بدءا من تعليق سائق تاكسى استقله الأستاذ من المطار عقب وصوله طهران العاصمة حتى أحداث البلد ودور بترولها، كان الكتاب سيناريو مذهلا استولى على مشاعرى أسلوبا ووصفا وتحليلا.

 
2- حين كان رئيس التحرير «أحمد بهاء الدين» كلفنى بالسفر إلى أسوان وكتابة تحقيق صحفى بمناسبة عامين على بناء السد العالى، وعدت من أسوان «أدبج» التحقيق واستغرقت كتابة المقدمة وحدها ساعتين ونصف الساعة وبعد أن قدمت «الموضوع» للأستاذ بهاء استدعانى وقال لى: «اشطب المقدمة بقلمك» وكدت أقع من طولى وأصابنى شبه هذيان فقلت له بصوت منخفض نصفه توسل: ليه؟ وانفجر «بهاء» فى وجهى يقول: مفيش غير هيكل واحد بس فى مصر، فـ «كن نفسك»، وحين ذهبت أشكو قسوة بهاء إلى لويس جريس، قال لى بلهجة صادقة: طبيعى يقولك كده، أنت بالك لو مش حريص عليك يسيبك، لكن هو عايزك أنت بالك تكون مفيد فوزى مش تقليد لهيكل!
 
فيما بعد عندما اقتربت من الأستاذ هيكل رويت له الحدوتة فقال لى: التقليد مرحلة يمر بها الصحفى حتى يتفرد بأسلوبه، وأثمر لقائى بهيكل عن كتاب «هيكل الآخر» الذى ضم أطول حوار صحفى أجراه صحفى فى حياته.
 
3- فى تجربة بهاء، عرفت بعض عناصر النجاح، عرفت الاستعداد للحوار مع شخصية عامة بالمعلومات وبأشخاص يعرفونه إن أمكن، عرفت كيف أدخل بأهم خبر سمعته من المصدر، ثم أوزع المعلومات على بقية الحوار، عرفت أن أصف المكان الذى يجرى فيه الحوار، عرفت أهمية تسجيل الحوارات والاحتفاظ بها، عرفت أن يكون العنوان من فم المصدر، عرفت أن أختم الحديث بملاحظة ذكية أو معلومة مهمة أو قفشة طريفة، المهم أن أترك انطباعا عند القارئ. كان أحيانا يداعبنى بقوله: «ظبطت لك عبارات هيكلية لكن ماشى»!
 
4- حين جاء الروائى فتحى غانم رئيسا للتحرير كان يرى أن الحوار الصحفى أقرب ما يكون إلى حكاية تشد قارئها من السطر الأول ثم تدخل المعلومات فى سياق مقبول، وكان يقول: الحوار ليس سين وجيم، صماء، إنما هو رواية صغيرة أنت ومصدرك أبطالها، لابد من اهتمام القارئ بما «تحكيه وترويه» وقد مزقت خمس محاولات قبل أن أصل إلى الصيغة التى يحلم بها فتحى غانم وكان حوارا مع عبدالله النجوى بعد 20 عاما مديرا لحدائق الحيوانات بالجيزة، أتذكر أن الحوار كان فيه أكثر من برواز، واحد عن أهم حدائق الحيوان فى العالم، وبرواز عن طيور نادرة من حدائق عالمية للحيوانات، وبرواز عن «كم تتكلف حديقة حيوانات الجيزة»، يومها قال لى فتحى غانم: «مستقبلك فى.. الحوار»، ربما لهذا كتبت سناء البيسى يوما عقب حوار لى مع نزار قبانى.. اسأل لا تكف عن السؤال، لقد ولدت للسؤال..!
 
5- أتذكر أنى طلبت من أحمد بهاء الدين أن يكبر بنط اسمى قليلا فأعطانى درسا فى التمهل وعدم التسرع، وقال لى: أنت كتبت فى «صباح الخير»

4 أحاديث ولم ينشر اسمك وكتبت من مفكرتى والتوقيع مخبر صحفى، فلم التسرع؟ أتذكر هذا عندما أرى هذا الجيل من شباب الصحفيين حين يطلب نشر اسمه على خبر من أربعين سطرا! علمنى العمل مع الكبار أن لكل شىء أوانا، فقد قال بهاء يوما للعزيز الراحل عبدالستار الطويلة إن «أحمد بهجت عنده أسلوب وتنقصه المعلومات ومفيد فوزى عنده المعلومات وينقصه الأسلوب»، وبعد سنين طويلة قابلت أحمد بهاء الدين فى

الكويت، وكان يرأس تحرير مجلة «العربى» وقال لى: عرف رجاء النقاش أن يستثمرك فى إجراء مقابلات فى مجلة الدوحة القطرية بعد أن أصبح لك أسلوبك، واعتبرت العبارة شهادة ميلاد جديدة لى.
 
6- أعتقد أن من أهم عناصر تكوينى كصحفى: السفر، فقد لعب دورا مهما فى رؤية العالم والأفق العريض للحياة + القراءة المستمرة اليومية + الالتصاق بالكتاب وأهم الكتب عندى التراجم الشخصية، أى سير الحياة الذاتية، فهى تجارب حيوات «جمع حياة» + لقاء لا يكف بالشارع، صوت الحياة الحقيقى فى مصر + متابعة عن قرب لكل التجارب الجديدة فى المسرح والسينما والموسيقى والاهتمام بالأساليب الجديدة لشباب يكسر المألوف.
 
7- لم تكن رحلتى الصحفية مجرد نزهة على شط النيل، كانت فيها معارك، فقد فصلت بسبب مقال واتهمت بالإساءة لداعية معروف وهاجمتنى الأقلام يوم ذهبت لأسمع صوتا متهما بإغراق ألف إنسان ولم أقل من الذى تخاذل حقا عن الإنقاذ وأكاد أعرفهم بالاسم ويعرفهم الفريق أحمد شفيق أيضا، وزادتنى هذه المعارك صلابة واعتبرتها «محطات للتزود بالوقود».
 
8- تجربة التليفزيون لم أسع إليها أبدا، واكتفيت بالإعداد باعتباره العمود الفقرى والفكرى للعمل التليفزيونى، ثم إننى كنت أستخدم أدوات الصحافة فى أى لقاء أعده للتليفزيون لسميرة الكيلانى أو ليلى رستم أو لبنى عبدالعزيز حتى جاءت سامية صادق واختارتنى للتقديم، وكانت تجربة مثيرة عشتها كصحفى يقدم صورة، فهمت فى وقت مبكر ما معنى «المعادل البصرى» فى لعبة التليفزيون ومن هنا كان «تلفزة الصحافة» شيئا كنت أخوضه على يد اثنين من مخرجى التليفزيون،

جميل المغازى وسعيد عبادة وسارت بى سفينة التليفزيون قرابة ربع قرن ويزيد، وقدمت «حديث المدينة» لمدة عشرين عاما متواصلة عرفت فيها قضايا وشئون وهموم وشجون المجتمع المصرى مع مخرجين هما «فادية كمال، وأحمد معوض» وخلال الجهد التليفزيونى لم أنقطع عن جهدى المتواضع فى صباح الخير، ماذا وراء ذلك؟ ما الوقود الذى أغدو به؟ إنه الحماس، أما الجانب الآخر فهو نابع من عشقى لتراب هذا البلد وأترجم هذه الأحاسيس بالكلمة صوتية أو مرئية أو مطبوعة.
 
9ــ وأنا رئيس تحرير لهذه المطبوعة كان بعض شبابها يحلمون بالصحافة التليفزيونية منهم محمود سعد ولميس الحديدى ومعتزة مهابة، فقد كان سعد مسئولا عن القسم الفنى فى صباح الخير وكانت لميس تطل على أحداث العالم برؤية تناسب قارئ صباح الخير، البساطة والعمق وكانت
معتزة مهابة وسلاحها اللغة الفرنسية تقدم للقارئ ماذا يدور فى كواليس الدنيا، ولكن أهم درس تعلمته هو حرية الكاتب فى التعبير عن نفسه، فأنا نشأت فى مناخ «التفكير فى الهواء الطلق» يستثنى من ذلك المساس بالأديان أو الأمن القومى أو الثوابت، فأنا والمحرر شريكان فى المسئولية.

 
وقد قدمت تجربتى الصحفية بعد لويس جريس وتعتبر أول تجربة عملية لمحرر صغير بدأ من الصفر يكتب بالقطعة حتى كبر بشكل متدرج وجاءه المنصب يكلل الجهد الطويل، ولهذا قلت فى أول كلمات لى حين جلست على مقعد رئيس التحرير: أقدم رجلا وأؤخر رجلا وأنا أجلس على نفس المقعد الذى جلس عليه يوما أحمد بهاء الدين.

 
10ــ علمتنى المهنة التواضع وأن من يصفق لى يوما قد تضيع ملامحى من رأسه ذات يوم، علمتنى المهنة التواصل معها لأن الناس «تنسى» بسهولة، علمتنى المهنة الاشتباك الدائم باللحم والدم مع الحياة بالكلمة، أو الصورة، ليس بالإلحاح السخيف، إنما لكل وقت أذان، علمتنى المهنة أنه حين يمضى وقتى كرئيس للتحرير، فلابد من احترام منصب رئيس التحرير وأتحول إلى «محرر مطيع» أسير فى السياق الذى يرسمه رئيس

التحرير، وقد عشقت تجارب رؤوف توفيق ورشاد كامل ومحمد عبدالنور ومحمد هيبة وجمال بخيت، وأشهد أن لكل واحد منهم تجربته الخاصة ومذاقها المختلف ولا أنسى رسامى صباح الخير عبدالعال وطراوى وسامى أمين وجمال هلال وإبراهيم عبدالملاك، ورفيق رحلاتى للعالم إيهاب شاكر، ثم الأجيال الشابة الواعدة.
 
11ــ باب سماعى، كان اقتراح رئيس التحرير صلاح جاهين وهو صاحب التسمية ولعله أول باب خواطر فنية يجرؤ على كتابتها كاتب بعد إحسان عبدالقدوس، وباب نادية عابد كان فى عهد رئيس التحرير فتحى غانم، وقد أردت أن «أخترع» نموذجا من البنت المصرية الواعية الذكية القوية وقدمتها على مدى 16 عاما أو يزيد وخرج من المطبعة 3 كتب لها، وحين قامت ثورة يناير انسحبت نادية عابد من ميدان صباح الخير، لم يكن الزمن يسمح برومانسيتها وفى نفس الوقت لم تكن تريد «الناشطة السياسية» مهنة.
 
12ــ أنا مدين لأحمد بهاء الدين بأن علمنى «المنهج الذهنى قبل الافتتان بالأسلوب»، أنا مدين لحسن فؤاد أنه قدمنى لبهاء واكتشف شغفى بالكتابة، أنا مدين لمحمود السعدنى أنه علمنى أن الهجوم على قطة ليس بطولة، يجب أن أختار من أهاجمه، وعندى الحق ليتفاعل معى الناس.
 
أنا مدين للويس جريس أنه كان نعم «الناصح» الأمين فى مشوارى، أنا مدين لفتحى غانم «علمنى كيف أجذب قارئا أو مستمعا أو مشاهدا»، أنا مدين لجمال كامل بأن أعطانى مساحة لحواراتى وهو رئيس تحرير لفترة قصيرة، وأنا مدين لقارئ متابع لرحلتى الطويلة ومحطاتى للتزود بالوقود. •
 
نقلا عن صباح الخير

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع