الأقباط متحدون - ماتت جنينة وسط القمامة
أخر تحديث ٠١:١٧ | الخميس ١٥ يناير ٢٠١٥ | ٧ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٤٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ماتت جنينة وسط القمامة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بقلم - ماجدة سيدهم                   
انحناء القامة يشبهها جدا ، وتقوس الكتفين يكاد يسقط عن تهدل أكمام رقع  العزلة ، مع بواكير كل صبح تجاهد بقدمين نحيلين في حذاء رجالي يابس وصلب، تثبُ خطواتها كأنفاس متقطعة ومتلاحقة ، تحمل جسدها العتيق تفتش في ما تبقى من حكايا الأمس عن الساقط من بقايا موائد الزحام .

جنينة .. ذات الأحداق الضئيلة ،الناتئة في وخز ملامح الشرود الطاعن بنحولها  والمتقرحة  أيضا لكثرة احتكاك محاولات البحث عن فتات تحد  من شكات لجوع مزمن .. وربما ترتطم بمن يتعثر بها ويجدها فتزاحم القطط بين متسعات القمامة  المستريحة في شوارع القيئ ومآذن التقوى ، تأنسها القطط  في احتفالية فض المُحكم والمتهرئ من مخرجات البيوت المتلاصقة بالغبار حيث  تختلط خشونة البقايا بكومات عطن الفضلات لتتحول إلى المصطلح الفعلي للقذارة مميزة التحلل ، تركض القطط بعبث التنقيب ، فالفائض  وفير يكفي للشبع واللهو والتناسل والتبرز  يتركون لها  أيضا ما تبقي من عفن

تنحني أكثر ، تجذب من خرق  التصريحات وروث الصور ورقة  فتضع ما التقطته بعناء من ثمرة لطماطم وبضعة أعواد لأخضر عث وهزيل ، ربما لبقدونس أو بصل أو تجاعيد متآكلة   بعدما عثرت  يديها على كنز ثمين مخبوء في كومة مجعدة من لفائف  الألومنيوم ، فكتها بمهارة مذلة الجائع والفائز ببقايا تحمل توقعا مختلفا ،جاهدت بإصبعها  تلتقط شيئا تمضغه بتعب ،ثم تواصل البحث عن كسرة خبز.. وحظيت بها أيضا كما كسرة النفس.

"جنينة "..اسمها - ياللمفارقة – تقتات وترقد وتحتمي بين كومات القمامة (الزبالة ) ، نادرا ما  تأكل  طعاما  سخيا ، نظيفا فتلتهمه عنها القطط وأما هي فلا تغضب  .
مع مطلع بواكير الصبح تنهض  "جنينة "على كومات القمامة قبل مرور عمال النظافة لتأخذ نصيبها  في الفطور لتعاود التنقيب مرة أخرى عن حصة الظهيرة  وترقد عشيتها حتى صبيحة باكر آخر.

 مرت  جفاف أيامها بعدد سنوات ممتلئة بمؤتمرات وتصريحات ووعود لرفع معاناة الفقراء - وليست "جنينة "منهم بالطبع -    "جنينة "من فصيلة التعساء وهي الفصيلة الأسوأ والأحط قدرا وحالا من الفقراء لذا لا يخضعون للإحصاء ولا يشكلون هما أو اهتماما أو حتى خطرا  لأنهم ليسوا بموجودين ، سنوات  ما كلت اقتراحات الميديا  عن حل معضلة  القمامة والتي تسفر دوما عن تضاعف تلالها 

  بل وتتسع وتتناثر المساحات لتبتلع معها كل الجنائن ، في عين هذا الصباح رفع عامل النظافة الكومات جميعها ولم ينتبه أن ضمن الفضلات المرفوعة كانت "جنينة " التي اعتلتها القطط وعليها قضت الحاجة  ، تـُرى إلى أين تذهب عربات القمامة  بينما تتطاير وينتشر  أغلبها مجددا في طرق رخيصة وكلها ميتة..! ، يقال في مستودع المخلفات  يعاد تدوير الكثير منها   فما شأن "جنينة"  إذا ..! وكيف ستصنف ..! أعظم  أم قـُرح  أم تعويذة أم سخرية أم  بصقة أم رقم أم صراع أم إله أم .....!!

في كل الأحوال لسنا بحاجة لتدوير إنسان ، فلتمت "جنينة"  كما عاشت ، فالمزيد إذا من  انعقاد القمم المعنية و هل ثمة أعلى من قمة القمامة ، هنا  رقدت "جنينة " على رجاء الاطمئنان  ولا عزاء للقطط والجرذان ..

* في  المدن البليدة  تتصاعد  حدة الاندفاع والدفاع والمأثورات والمنظمات و المناضلين  والقوانين والأحكام الرادعة عن  ازدراء الأديان والتي جل فحوى نصوصها وعين طلسمها هو ازدراء الإنسان ، فلتذهب الأديان إلى جحيم الخرافة  وليغرب  الإله العقيم المولع بشهوة نفير الصلوات والتعطر بدسم التمائم والبخور على جثة  الإنسان ، هكذا تظل جنينة إحدى المؤدات على ضفاف الحلم ومضجع الانكفاء  .
 كدت أنسى عنوان المقال  : ماتت "جنينة " في شوارع  القمامة.
ولم ينته بعد ..


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter