الأقباط متحدون - الأغلبية الخرساء والغول المُتَرَبِّص
أخر تحديث ١٢:٢٠ | الثلاثاء ٢٠ يناير ٢٠١٥ | ١٢ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٥٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الأغلبية الخرساء والغول المُتَرَبِّص

 بقلم : مهندس عزمي إبراهيم

 
عزيزي القارئ، أرجو ألا تطلق في وجهي الأكليشيه السخيف المعتاد، وتتهمني بأني "ضد الإسلام وضد كل ما هو مسلم" لمجرد أني مصري مسيحي يخشى أن يصيب مصر شرّاَ. فأنا لست ضدّ الإسلام أو ضدّ أي دين. فعندما تأتي إلى هَوِيَّتي فأنا مصريُ أؤمن بمصر وأقدس الحرية لي ولكل مصريّ، ولكل إنسان في العالم، من أي دين وعقيدة.
 
وقبل أن أبدأ مقالي أقدم تعريف كلمة "غول " من واقع قاموس المعاني العربي "الغول: تزعم العَربُ أَنه نوعٌ من الشياطين يَظهر للناس في الفلاة، فَيَتَلَوَّن لهم في صور شتَّى ويَغُولهم، أَي يُضلِّلهم ويُهلِكُهُم."
 
سمعنا مراراً أن "الإسلام هو دين السلام". وليس في ذلك القول في حد ذاته ما يدعو للدهشة أو التكذيب، فالمفروض أن تكون "الأديان" أديان سلام. ولكن الملاحظ أن هذا القول يأتي سريعاً صارخاً مدوياً في آذان العالم من المسلمين وقادتهم ودعاتهم وحكامهم وإعلامهم بعد كل مصيبة مريعة إرهابية دموية غير إنسانية تخترق قلب العالم الغير إسلامي (والإسلامي) على يد مسلمين!! هي جملة "دفاعية" ترفع شعار أن "الإرهابيين أقلية لا تمثل الإسلام" وأن الغالبية العظمى من المسلمين "لا يريدون سوى أن يعيشوا في سلام".
 
أقول أن تلك الأقلية الإرهابية التي يدعون أنها لا تمثل الإسلام، هي "قِلـَّـة" فعلا بالنسبة إلى تعداد المسلمين بالعالم. ولكنها فعلا وبلا أدنى شك تمثل الإسلام والمسلمين!!! فمن يدفعهم هم شيوخ الإسلام وأئمته وفقهاؤه ودعاته، يبذرون في عقولهم ما جاء بالنصوص من تعاليم القتال والقتل

والعنف والإرهاب ويبثون النبذ والتمييز والبغضاء في نفوس وقلوب الأطفال والنشأ وطالبي العلم وطالبي الشهرة والمرتزقة الذين لا عمل لهم إلا اتخاذ الإرهاب "مهنة مُربِحة مثرية".

وتمَوّلهم بسخاء دولٌ مسلمة وهابية الفكر والعقيدة بأموال البترول من شبه الجزيرة العربية ودول الخليج.
 
والحقيقة هي أن تلك "القِلـَّـة" الإرهابية الدموية وهي عشرات وعشرات وربما مئات من الجماعات المتطرفة الفكر والعقيدة، مختلفة الأسماء ومتحدة الهدف، ومن خلفهم حكومات ومؤسسات تغذيهم بالفكر والنَّص وتمولهم بالمال والسلاح. هما، معاً، يمثلان القوة الدافعة التي تتحكم في تحركات الإسلام على المسرح العالمي وتبدي صورته وصورة المسلمين في نظر العالم، بل وتقرر مصيره ومصيرهم في المستقبل. ومن يظن أن ذلك يدعو للتفاؤل فهو مُخدَّر واهمٌ فلا مستقبل لإرهاب ولا لإرهابي.
 
هذه القِلـَّـة العنصرية الدموية (تدفعها حكومات ومؤسسات إسلامية بشبه الجزيرة) تقوم بالمذابح الممنهجة والتفجيرات والاغتيالات في العالم المسيحي وغيره من كل بقاع العالم كالصين والهند والفليبين وشرق آسيا وأفريقيا ودول الشرق الإسلامي جميعاً.

هذه القِلـَّـة تنمو وتستشري كالنار تدريجياً يوماً بعد يومٍ، تغتصب مسجداً بعد مسجدٍ، ومنبراً بعد منبرٍ، وفضائية بعد فضائية، وصحيفة بعد صحيفة. تحث أذنابها على التفجير والقتل والرجم وتطبيق الحدود والاستشهاد الانتحاري وإستبدال القانون المدني العادل بأحكام الشريعة العنصرية المتعصبة.

كل ذلك بتغافل أو تضامن الحكام في البلاد الآمنة، وفي غفلة من الأغلبية المسلمة المسالمة التي "لا تريد سوى أن تعيش في سلام".
وبلا شك أن ملايين وملايين من المسلمين لا يريدون سوى أن يعيشوا في سلام. وهم أغلبية المسلمين فعلاً.

هم العاملون في صمت، الشرفاء الكادحون المنتجون الذي يشغلهم "أكل العيش" وتحصيل الرزق وحسن الجوار ورعاية أسراتهم وحماية أوطانهم.

مشغولون بذلك عن التنقيب والتأويل والتمحيص الحَرفي في الدين وتعاليمه وفتاوي دعاته وتبرير السيء والعنيف من نصوصه. فالقول بأن الغالبية العظمى من المسلمين لا يريدون سوى أن يعيشوا في سلام هو قول به من الحقيقة كمٌ وافرٌ، ولكن ما يربطه بالحقيقة فعلاً هو خيط واهٍ لا قوة له ولا فاعلية في تطور الحركات الإسلامية العدوانية الممنهجة على المستوى العام.
 
وإذا نظرنا إلى الحركات التعسفية في العالم الحديث نجد أن الشعوب في غالبيتها مسالمة. فألمانيا، مثلاً، لم تكن نازية بصفة عامة. فئة ضئيلة من الشعب الألماني هي من اعتنقت صحوة النازية القومية حقيقة وهدفاً، ولكن كثيرون اغتنموا الفخر القومي نتاجاً لها. وكثيرون أكثر واكثر لم يهتموا وظنوا أن النازيين عصبة من الحمقى. فالأغلبية الألمانية العظمى اكتفوا بموقف المتفرج حتى فوجئوا بأن النازية تمتلك ألمانيا جميعاً، حكومة وجيشاً وشعباً. وإذ بالعالم كله شعلة من نار تحرق الأخضر واليابس. تحرق الصديق والعدو وحليف كل منهما!!
 
الأغلبيات الساحقة "المُحِبة للسلام" بألمانيا واليابان والصين وروسيا ورواندا وصربيا وأفغانستان والعراق وفلسطين وغزة واليمن والصومال وأفغانستان ونيجيريا والجزائر وغيرها، بالتزامهم الصمت أمام الحركات الإرهابية لم ينقذوا بلادهم منها. بل وقعوا ليس فقط في براثن الأقليات الإرهابية، بل وعانوا معهم من أعداء تلك الأقليات الإرهابية من داخل بلادهم وخارجها.

ودفعوا الثمن باهظاً في حروب داخلية وخارجية مدمرة كلفتهم خسائراً جمة في الأرواح والمنشئات والاقتصاد والاستقرار والكرامة. وفي نهاية الأمر، كما انهارت النازية والشيوعية وكما تهاوى واندثر الهكسوس والمغول والتتار سينهار وسيندثر كل متطرف مغتصب متهور على الأبرياء المسالمين، مهما تستر تحت راية الدين ومهما كبَّر باسم الله مستغلاً له، فالله لا يحب القاتلين الظالمين.
 
في البلاد التي تبغي الحرية والاستقرار والسلام الحقيقي، لن يُجدي مجرد سماع كليشيهات طيبة من الأغلبية المُحِبة للسلام، ذاك الصوت الواهن الخافت المدغدغ للأعصاب والمخدر للنخوة والحيوية.

بل يجب أن نركز انتباهنا لصوت الأقلية الإرهابية العنصرية التي تهدد أمان المواطنين واستقرار الأوطان وسلام البشرية. صوت الأقلية هو الصوت الوحيد الذي بخطورته وسلبياته ونقائصه وخطاياه له اعتبار ووزن يستدعياننا أن نتصدى له وللدول التي تدفعه وتموله. حتى لا يهدد مسيرة البشرية نحو الحياة السمحة المُحِبة للسلام حقاً.
 
للتاريخ، كما أوضحت عاليه، دروسٌ غالبا ما تكون بسيطة وصريحة بشكل لا يصدق، ولكن لقدراتنا على التبرير والتحليل وإيجاد الأسباب والأعذار، فكثيراً ما يغيب عن فكرنا أبسط وأوضح المواقف. لم يتعظ المسلمون المحبون للسلام في بلاد الشرق من دروس التاريخ فجعلوا من أنفسهم غير ذي قيمة فاعلية، بسبب صمتهم واستسلامهم وعدم تدخلهم في أمور بلادهم.

ففي الشرق، وفي مصر خاصة، نبتت خلايا الأخوان المسلمين (ومثلهم السلفيين الوهابيين وغيرهما من الجماعات الإسلامية المتشددة، وهم جميعاً أقلية في تعداد المسلمين. نمت الأخوان المسلمين يوماً بعد يوم في غفلة من الأغلبية المسالمة حتى حكمت مصر.

لولا أن الله حَبَا مصر بشعب واعٍ، فقامت حركة "تمرد" وساندها كل مواطن حر، وكانت السبب المباشر والمحرك الأول لثورة مصر ضد حكم محمد مرسي والأخوان التي انتهت بثورة 25 يونية 2013 العظيمة.
 
لولا حركة تمرد، التي مثَّلت ذراع الأغلبية المسالمة، لوجدت مصر نفسها (ولكان الشرق كله بعدها) لقمة سائغة بل مضغة سهلة في فم الأقلية الإرهابية. تماماً كما صارت ألمانيا نازية وإيطاليا بلشفية وروسيا شيوعية واليابان انتحارية. فحركة "تمرد" المصرية هي مثل عظيم لتحركات الأغلبية المسالمة ضد الإرهاب والإرهابيين.
 
ولكن... لن ينتهي الأمر بذلك.
 
فتلك كانت معركة انتصرت فيها مصر. والعبرة ليست لمن يكسب معركة، بل لمن يكسب الحرب. وحرب الإرهاب الوهابية ضد مصر والعالم الحر بالغرب والشرق دائبة كامنة وقائمة مستمرة ولن يدرأ شرَّها إلا نزع أنيابها وجذورها بتنقية التعاليم الدينية من الشوائب الغير إنسانية والتخلص من كتبها العقيمة وكشف الدافعين لأفكارها والممولين لأعمالها.
 
ولكني أرى أننا بين شقيّ الرَّحَى. وهنا أقتطف فقرة رائعة موجزة من مقال تحليلي حديث للكاتبة الناضجة الأستاذة داليا عبد الحميد عن وضعنا الحالي بالشرق، تقول "فنحن كمنطقة مسلمة مأزومين برجال الدين وجمودهم وبعدهم عن دورهم الإصلاحي. وأيضا نحن محاصرين بالتطرف والإرهاب من جماعات مجرمة ترفع شعار الإسلام، وتتدرج من التقية للوصول للحكم إلي الإرهاب المتبجح والعلني للدولة والمجتمع والفرد ولكل من يقاومها ويخالفها فكرياً وعملياً." وختمت مقالها قائلة " فإذا لم تنتبه البشرية للواقع الحالي، فسيظل التطرف طرف حَيّ، لن نستطيع القضاء عليه. سيختبئ ويختفي وسيعود بوجه القبيح من وقت لأخر من مكان لآخر"
 
فحذار أن تلزم الأغلبية المُحبة للسلام بمصر الصمت فالغول ما زال متربصاً على الأبواب، في حنايا الأجهزة الحكومية والشعبية، وفي النقابات والجامعات، وفي مدرجات ودهاليز الأزهر ومناهجه، وفي السماح بوجود حزب النور السلفي الوهابي في الساحة السياسية بين أحزاب مصر!!!!!
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter