توقع خبراء الاقتصاد حدوث موجة من الارتفاعات فى أسعار السلع والخدمات خلال الأيام المقبلة متبوعة بهبوط قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار، ما يرفع معدل التضخم ليسجل أكثر من 12.5%، ويرفع فاتورة استيراد السلع والخدمات بالموازنة العامة للدولة بنحو 2 إلى 2.5 مليار، ليصل إجمالى الفاتورة إلى 32 مليار جنيه، ويقلص المكاسب الناتجة عن انخفاض أسعار النفط بنحو 5 مليارات جنيه، مؤكدين أن قيام البنك المركزى برفع سعر الدولار بنحو 10 قروش أرسل رسالة سلبية مفادها أن هناك ندرة فى الدولار تتبعه زيادات فى أسعاره الأيام المقبلة.
وأرجع الدكتور فخرى الفقى، المستشار السابق لصندوق النقد الدولى، رفع سعر الدولار إلى ندرته، إضافة لتوصيات مسئولى صندوق النقد الدولى خلال زيارتهم الأخيرة لمصر، حيث طلب البنك من الحكومة الالتزام بتطبيق المادة 8 من الاتفاقية المنظمة للدول الأعضاء بالصندوق، التى تنص على ضرورة المرونة فى سعر الصرف مع توحيده، بعد أن وجد أن مصر بها أكثر من سعر، إلا أن رفع البنك المركزى سعر الدولار فى السوق الرسمية كان له بالغ الأثر السلبى؛ لأنه أعطى انطباعاً سلبياً بأن الدولة لديها ندرة فى السيولة المتاحة من الدولار يترتب عليه أن الفترة المقبلة ستشهد ارتفاعات فى سعره.
وحذر «الفقى» من أن خطورة هبوط سعر الجنيه أمام الدولار هى فى الموجة المتوقعة فى الارتفاعات المقبلة فى أسعار السلع والخدمات، ما يرفع معدلات التضخم لتتجاوز 12.5% وقد تصل إلى 13%، وقال إن الارتفاعات فى أسعار الدولار ستنتج عنها زيادة قيمة مخصصات الواردات السلعية بالموازنة العامة للدولة بنحو 2 إلى 2.5 مليار جنيه لتصل إلى 32.5 مليار، كما أن الوفورات التى كان متوقعاً أن تحققها الخزانة العامة فى قيمة دعم المواد البترولية نتيجة انخفاض سعر النفط عالمياً ستتقلص بنحو 5 مليارات جنيه.
وقال الدكتور عبدالمنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، إن ارتفاع أسعار سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال اليومين الماضيين سيكون له بالغ الأثر على زيادة فاتورة الواردات المصرية بشكل عام، خاصة الحكومية، المخصص لها نحو 30 ملياراً للسلع الغذائية بالموازنة العامة للدولة، ما ينتج عنه زيادة عجز الموازنة وزيادة عمليات الاقتراض محلياً وخارجياً لنصل فى النهاية إلى زيادة الخطر الذى يواجه الاقتصاد المصرى، وهو تفاقم الدين العام.
وأضاف أن قرار محافظ البنك المركزى لم يكن موفقاً، ولم يراع الآثار المترتبة عليه من ارتفاعات متوقعة فى معدلات الأسعار العام والتضخم بشكل كبير، ما يزيد العبء على المواطن العادى، كما أنه أفقد مصر الميزة النسبية خلال العام المالى الحالى والمتمثلة فى الانخفاض المتوقع بقيمة 25 مليار جنيه من فاتورة دعم المواد البترولية للعام الحالى والمقدرة بنحو 100 مليار جنيه، حيث إن ارتفاع أسعار الدولار سيؤدى تلقائياً إلى تخفيض الوفر المتوقع فى فاتورة الدعم، خاصة أن الدولار مرشح للارتفاع.
وأكد مصدر بالمجموعة الاقتصادية -فضل عدم ذكر اسمه- أن ارتفاع أسعار الدولار له تأثير سلبى يُسأل عنه المسئول عن ضبط أسعار الصرف وهو البنك المركزى، موضحاً أن تأثير التغيرات الأخيرة وهبوط سعر الجنيه سلبى على الموازنة العامة للدولة، خاصة عجز الموازنة. وقال المصدر إن الارتفاع فى سعر صرف الدولار مقابل الجنيه سيرفع بلا شك فاتورة الإنفاق على استيراد السلع الأساسية التى توفرها الدولة، كما أنها تخفض من قيمة الوفورات المالية المتوقعة من انخفاض أسعار برميل البترول عالمياً، مشيراً إلى أن قيمة هذه الوفورات لم تحدد بشكل دقيق نتيجة التغيرات التى حدثت وتحدث محلياً ودولياً.
وأكدت الخبيرة المصرفية الدكتورة بسنت فهمى، أن سعر الدولار سيواصل رحلة الصعود خلال الشهور الأربعة المقبلة، وقالت إن البنك المركزى لم يعد قادراً على السيطرة على أسعاره، متوقعة تجاوز سعر الدولار 8 جنيهات خلال وقت قريب، وأرجعت أسباب الارتفاع إلى ما سمته بـ«سياسات البنك المركزى الفاشلة».
وأضافت «بسنت»: كان يتوجب على فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى السابق، الإعلان عن خفض قيمة الجنيه رسمياً بقيمة 20 إلى 30%، عقب ثورة يناير، بدلاً من انتهاج سياسة دعم الجنيه الخاطئة، التى لا يزال يتبعها المحافظ الحالى هشام رامز، فضلاً عن قراره الأخير بشأن خفض سعر الفائدة، مشيرة إلى أن تلك القرارات تسببت فى معاناة الفقراء والتيسير على الأغنياء، محذرة من أن استمرار العمل بتلك السياسات من شأنه تهديد الاستثمارات المرتقبة فى مؤتمر مارس الاقتصادى. وتابعت: ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه لا يصاحبه بالضرورة ارتفاع التضخم، إذ إن العدالة الاجتماعية تتطلب توجيه الدعم للسلع الأساسية كالقمح والأرز والزيت والسكر وغيرها، بدلاً من دعم الجنيه لمجرد تيسير إجراءات استيراد السلع الكمالية غير الضرورية كالسيارات الفارهة والكافيار وغيرهما على حساب رغيف الخبز، وقالت إن الارتفاع الحالى يرجع إلى ارتفاع الطلب الموسمى على شراء المواد الخام اللازمة للصناعة، وكذلك السلع الغذائية، إضافة إلى تسوية المديونيات لدى الشركات، وركود السياحة نتيجة للتهديدات التى تشهدها البلاد، لم يقابلها ارتفاع فى الاحتياطى النقدى من الدولار.
وأوضحت «بسنت» أنه «من ضمن السياسات الخاطئة إتاحة سعرين للدولار فى البنوك؛ أحدهما للكميات الكبيرة، وآخر للمحدودة والصغيرة، فضلاً عن سعره بالسوق السوداء، وهذا أخطر ما يقلق المستثمرين»، مشيرة إلى أن دعم الجنيه تسبب فى ضرب الصناعة الوطنية بعدما أمكن استيراد مثيلاتها من الخارج بأسعار أزهد وأرخص، فضلاً عن دعم الدول للصادرات بقيمة 4 مليارات جنيه، ورفع الدعم عن الفلاح.
وعن القيمة المقدر تخفيضها بالجنيه، قالت: بالإمكان حسابها من خلال رصد نسبة العجز بين الإيرادات الموجهة للاستيراد وفاتورة الاستيراد الحقيقية وقسمتها على إجمالى قيمة فاتورة الاستيراد. وطالبت البنك المركزى بالإعلان رسمياً عن تخفيض قيمة الجنيه ورفع سعر الفائدة، وعددت نتائج ذلك بين «تشجيع للسياحة والاستثمار وزيادة الصادرات ويقضى على السوق السوداء»، ما يعزز فى النهاية الاحتياطى النقدى من العملة الصعبة، مشيرة إلى أن النموذجين الصينى والتركى وخفضهما لقيمة عملاتهما ما أدى إلى قوتهما بعد ذلك.