بقلم: مجدى نجيب وهبة
** قد يتصور أقباط مصر وهم يعيشون فى خدعة كبرى أن حكومات الغرب سوف تتخذ موقف إيجابى وحاسم تجاه الإرهاب الذى يتعرض له الأقباط فى مصر ، بل تخيل البعض أن الوقفات الإحتجاجية والمظاهرات التى تجوب أوروبا قد تكون الوقود لتفاعل الحكومات الغربية مع قضايا الأقباط والضغط على الحكومة المصرية لإحترام عقائد الأخرين والضرب بيد من حديد على كل الخارجين عن القانون والتصدى للإرهاب والتطرف والتميز بين أبناء الوطن ، ولكن حتى لا يصاب البعض بالإحباط أو يتصور البعض منا أن الهدف من الكتابة هو الطعن على موقف هذه الحكومات النبيل والمؤيد لحل مشاكل القضايا القبطية.
ولكن ما دعانى إلى فتح هذا الملف هو ما وصلنى على الإيميل خبر يقول " أمرت السلطات المحلية فى بريطانيا كنيسة بتخفيض عدد المرات التى تعزف فيها الموسيقى أثناء صلوات أيام الأحد بعد أن إشتكى مسلم يقيم بالقرب منها من الضجيج وقالت صحيفة ديلى جراف أن الكنيسة الواقعة فى منطقة وولثمستو شرق لندن لا تستطيع الأن عزف الموسيقى أكثر من 20 دقيقة بعد أن أصدرت لها السلطات المحلية أمراً بتخفيض الضجيج وقد ساهم هذا الإجراء فى إبعاد نحو ثلاثة أرباع المصلين الذين يترددون عليها وأشارت الصحيفة إلى أن رجلاً مسلما يدعى بهاء الدين إشتكى للبلدية من أن الضجيج المنبعث من العزف الموسيقى بالكنيسة جعله غير قادر على إستخدام حديقة منزله أيام الأحد وأقلق راحة طفلته البالغة من العمر عاما واحدا وتساءل صديقى مرسل الخبر ماذا يحدث لو أن الذى قام بإرسال الشكوى رجلا مسيحيا إشتكى فى إحدى الدول المسلمة من أن الضجيج المنبعث من مكبرات الصوت فى الجامع جعله غير قادر على النوم فى منزله جميع أيام الأسبوع ؟!!
** ولذلك فمن خلال مقالنا ندعو صديقنا المسلم بهاء الدين صاحب الشكوى المستاء من العزف الموسيقى أن يبلغنا رأيه بعد قراءة المقال :
** فى فيلم "الإرهاب والكباب" كان الدافع وراء ثورة عادل إمام والمترددين على مجمع التحرير موظفا ملتحيا يتعمد الصلاة فى أوقات العمل الرسمية مهدرا ساعات العمل الطويلة وضاربا بمصالح المواطنين عرض الحائط .
** لقد تحول هذا المشهد السينمائى الساخر إلى ظاهرة عامة وحقيقية فى الأونة الأخيرة وتحولت صلاة الظهر إلى قميص عثمان الذى يستغل فى إضاعة وقت العمل وبدلا من مساجد الهيئات إمتلآت طرقات المصالح بالمصلين فى ظل تنامى الفوضى والتطرف وأسلمة كل ما يقابلهم فى جميع مؤسسات الدولة بل أن البعض يصلون فى كل الأوقات ويعوقون الحركة بين المكاتب فى وسيلة دعائية للمشاهرة بالصلاة أمام الجميع فى الوقت الذى خلت فيه معظم مكاتب الهيئات خلال أوقات الصلاة الرسمية إلا من القليل من الموظفين ، وللأسف إمتد هذا الوضع إلى معظم الأماكن الحيوية ، إنتقلت هذه الظاهرة إلى المحاكم كما شملت بعض السفارات الدبلوماسية وبعض الأماكن السيادية ومعظم أقسام الشرطة والإسعاف والمطافى وسائقى النقل العام ومن اللافت للنظر أن يشارك فى هذه الظاهرة بعض كبار المسئولين سواء بالمسجد أو بالأدوار والطرقات الخاصة بالصلاة حتى يركبوا الموجة على حد قولهم !!!
... ومن الوزارات للنقابات فبعد سيطرة التيار المتأسلم على النقابات فرضوا على جميع العاملين تعطيل العمل فى ساعات الصلاة ومثال ذلك نقابة المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين .. أما عن الأذان فى الجوامع والزوايا فقد طالب السيد وزير الأوقاف إلغاء الأذان من خلال مكبرات الصوت فى المساجد الصغيرة التى تقع أسفل العمارات وأيضا الزوايا التى لا تنطبق عليها صفة المسجد إلا أنه هوجم وإتهم بالكفر وقد رأى الكثير أن القرار يوجد به إجتراء على شعيرة مهمة تنبه الناس لحلول موعد الصلاة دون مراعات ما تسببه هذه المكبرات من أذى لمريض أو إزعاج لإنسان رغم محاولات الوزير التى طالب فيها أن يكون الأذان بالقدر الذى يسمعه الإنسان لا مبالغة فيه سواء كان ذلك بمكبرات الصوت أو عن طريق الإذاعة والتليفزيون ، وصرح أحد شيوخ المساجد بإحدى حارات منطقة الطالبية بالهرم أننا لن نترك مكبرات الصوت ولن نوقف الأذان فيه وسوف نستخدمه فى الاوقات الخمسة ، هذا بجانب ما تقوم به بعض محلات الكشرى والعصائر من تشغيل محطات الإذاعة للقرأن منذ الخامسة صباحا بدون توقف دون أدنى مراعاة للنائم أو المريض أو الطالب ، هذا بجانب إنطلاق حملة لسماع القرأن بإستخدام سماعات مكبرة للصوت فى الميكروباص وسائقة التاكسى والنقل ، فما رأى صديقنا بهاء الدين ؟!! .
** أما ما فعلته بلدية بريطانيا فليس بالغريب فى دولة تأوى وتحتضن الإرهاب منذ أكثر من ثلاثين عاما فتاريخها الإسود يفضح تلك السياسات المبتذلة فى عاصمة الضباب ... لقد إحتضنت لندن كوادر عديدة من الإرهابيين ومعظمهم مطالبين فى حكوماتهم بالقبض عليهم ومنهم ياسر السرى والشيخ عمر بكرى وعادل عبد المجيد وإبراهيم العيدروسى وأبو خالد الجزائرى وأبو الليث المغربى والإرهابى مصطفى كامل ومعظم هذه الخلايا تعمل بالأنشطة التجارية أو تعيش على إعانات بطالة ومن هذه الكوادر "أبا قتادة" الجزائرى الذى أفتى بأنه يجوز قتل النساء والأطفال.
لقد قدمت المخابرات البريطانية كل الرعايا والتدليل لهم ، ورغم ذلك أفتى بعضهم بقتلهم ، أبا حمزة المصرى أفتى بقتل السياح وعلى رأسهم البريطانيون وقد بارك مذبحة الأقصر التى كان أغلب ضحاياها من السياح البريطانيون ووصفها بأنها عمل شرعى وتمادت السلطات البريطانية فى بسط الحماية لهؤلاء الإرهابيين فقد تورط أبا حمزة المصرى فى أحداث اليمن ، ثم دافعت عنه الحكومة البريطانية بل أن أحد المسئولين البريطانيين ذهب إلى اليمن وطالب بالإفراج عن المتهمين الذين أدينوا فى هذه الأحداث وعلى رأسهم أبا حمزة المصرى وقد برر جريمته ببعض الأيات التى وردت فى القرأن بتبرير قتل السياح فقد عصم الإسلام أموال ودماء الناس بشيئين : عقد أمان أو عقد إيمان وغير ذلك فمال وعرض ودم الإنسان غير معصوم ، إن الله سبحانه وتعالى قال "فإذا إنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وإحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا فهذا عقد الإيمان أن يقول الإنسان " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" هنا يعصم ماله ودمه وهذا يؤيد حديث الرسول "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا منى مالهم ودمائهم ".
أما عقد الأمان فهو أن يستاء منك ويكون ذلك بأحد طريقين إما أن يستاء منك كمسلم بعهد بينك وبينه أو أن تكون بينك وبينه ذمة ويدفع لك الجزية ويستند أبا حمزة المصرى لتبرير الإرهاب الدموى بقوله أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالإرهاب فى الأية " وإعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم ؟ ...
الغريب أنهم يعيشون وسط الذين يكفروهم ويفتون بقتلهم فى الوقت الذى ينعمون فيه بالجنسية والمال والحماية وهو ما جعلهم يرددون " نحن موجودين بأبداننا فقط وليس بقلوبنا وعقولنا فالحكومة البريطانية كافرة وهى تعلم أنها كافرة ورغم التطاول على حكومات ودول الغرب إلا أن الحكومة البريطانية تعمدت أن تغمض العين فى محاولة لمغازلة والتقرب من العالم الإسلامى لأنها ترى أن أمريكا تحتضر فى العالم الإسلامى وهو ما يفسر خطاب أوباما عند زيارته لمصر ومغازلته للإسلام وزيارته لجامع عمرو بن العاص ، إنه صراع الديناصورات للفوز بكعكة الخليج والبترول مرورا بمصر وبلاد الشرق .
** إنها حرب هدفها المعلن ملاحقة الإرهاب الدولى وهدفها الخفى والحقيقى هو الإبقاء على الإرهاب وزرعه وسقوط الضحايا والمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين والتحاور مع الإرهاب وذلك لتمهيد الأرض والوطن للفوضى والضياع بهدف هيمنة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على القيادة المنفردة للنظام الدولى والسيطرة على منابع البترول والحفاظ على أمن إسرائيل وقد ترتب على سلبية أمريكا وترددها فى إستخدام القوة ضد الإرهابيين فى الماضى إلى تشجيع الإرهابيين على العدوان على أمريكا والنظر إليها على أنها أمة ضعيفة ويمكن الإنتصار عليها .
** لقد سخر أوباما من الحرب التى شنتها الولايات المتحدة على العراق وإستنزفت 660 مليار دولار من دافعى الضرائب دون أن يعثروا على أسلحة الدمار الشامل الذى إحتل العراق بحثا عنها ولكنه فى ذات الوقت لا تستطيع فعل شئ كما أن الإطاحة بنظام صدام حسين لم يكن له أدنى علاقة بالإرهاب أو تنظيم القاعدة ولكن الهدف الحقيقى هو السيطرة على بترول العراق ، وإذا كانت أمريكا صادقة فى محاربة الإرهاب فهل نجحت أمريكا بوقف الحرب الدائرة فى جنوب السودان التى تعبر عن سياسة متواصلة للإضطهاد الدينى المسيحى بالتحريض من البشير ورغم ملاحقته قضائيا لتقديمه للمحاكم الدولية إلا أن هذه القرارات حبر على ورق لا تنفذ بمباركة الدول الكبرى ..
** لقد بدأت تسقط الأقنعة الزائفة التى لبستها أمريكا والغرب فهى لم تتدخل فى الجنوب السودانى من أجل محاربة الإرهاب ولكن هو تدخل من أجل البترول واليورانيوم وبعد سقوط ورقة التوت التى تستر عورات هذه الحكومات سقطت معها الحلم الأمريكى والحرية الأمريكية تحولت إلى كابوس دموى وتمثال الحرية أصبح محلاً للسخرية .
** لقد أدى تقاعس الغرب عن مواجهة الإرهاب بإتهام البعض للرئيس الأمريكى أوباما بدعوته للتفاوض مع الإرهابيين ، وتصريحاته الخادعة وأوباما ينفى عن نفسه تلك الإتهامات ، ولم يكتفى الغرب فقط بالتناغم مع الإرهاب بل بدأ يسخر من بعض الشعوب بإطلاق شعارات رنانة بدأنا نسمعها "الفوضى الخلاقة" ، "الديمقراطية البراقة" ، "المعارضة السجينة" .
ففى العراق يقاتلون من منطلقات دينية وفى أفعانستان أصبح الوضع أسوأ مما كان عليه قبل الإحتلال الأمريكى وإنهارت دولة أفغانستان مع زيادة حركة طالبان وفى الصومال أصبحت المحاكم الشرعية تبسط نفوذها على أغلب المناطق حتى بن لادن نفسه مازال ينعم بحرية الحركة بفضل السياسات الأمريكية فقد كان محاصرا فى أحد كهوف تورا بورا خلال شهر ديسمبر 2001 وكان من السهل القبض عليه لولا أن أصدرت تعليمات غير مفهومة من البنتاجون بمنع قيام عناصر القوات البرية المركزية من قطع الطريق على بن لادن ومن معه بل وأجبرت الإدارة الأمريكية بالسماح للحكومة الباكستانية بتوقيع معاهدة هدنة مع المتطرفين الإسلاميين فى إقليم وزير ستان وهى مأوى بن لادن ورفاقه وبعد كل هذا يصبح السؤال أى حرب هذه التى يقودها الغرب ضد الإرهاب ؟ ، وهل الغرب متواطئ مع الإرهاب لتحقيق الهيمنة على العالم ، بل وتحقيق المصالح الأنجلو أمريكية ولا ننسى فرنسا التى شهدت نموا رهيبا فى الحركات الأصولية الإسلامية وخصوصا من المتطرفين الجزائريين وزادت نسبة هؤلاء فى مدينة مارسيليا فظهر "خليفى أحمد على" كمستشار للإرهابى الأصولى "أبو قتادة" زعيم التنظيم السلفى بلندن .
** إنهم مجموعات إرهابية تدعمهم الحكومات الغربية يستهدفون مصر ليتحولوا إلى قتلة مأجورين فى يد تنظيمات إرهابية دولية وذلك بهدف قيام الحكم الإسلامى الوهابى فى مصر والذى لم يتحقق حتى الأن .
** وبعد هذا العرض البسيط لحكومات الغرب وعلاقتها بالإرهاب هل يعتبر صديقى إستجابة بريطانيا لشكوى المواطن المسلم بتخفيض عدد المرات التى تعزف فيها الموسيقى أثناء صلوات أيام الأحد هو من نصوص إحترام الشعائر الدينية بالقطع ستكون الإجابة أن الحكومة البريطانية تغازل الإسلام والمسلمين حتى لو أهدرت حقوق الأخرين .. فهل تكف أقلام الطبل والزمر والشعارات الزائفة بإتهام أقباط مصر بالإستقواء بالغرب وترديد شعارات ماسخة تؤدى إلى سخريتنا من أنفسنا ومن هذه الهرطقات بينما يقف الغرب ويحرض ويناصر ويحتضن الإرهاب .
** علينا أن نكف عن المتاجرة بقضايا أقباط مصر .. علينا أن نكف عن المهاترات والخطب الرنانة والمسيرات الإحتجاجية بينما حكومات هذه الدول تأوى الإرهاب وتدعمهم وترعاهم .. ونتساءل هل يظل أقباط مصر ضحايا الحكومات الغربية والإرهاب؟.