مينا ملاك عازر
بعد صلاة العصر ليوم أمس، أقيمت صلاة الجنازة على ملك السعودية الراحل جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وذلك بحضور الكثير من قادة العالم من المحبين للرجل، والموقرين للمملكة العربية، بالنسبة لي أهم الحضور في هذه الجنازة هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أظنه متوقعاً للوفاة فسافر من الإمارات العربية المتحدة ليلق على الشيخ الجليل نظرة الوداع
صور الرئيس السيسي تملأ الفيسبوك وهو يقبل يد الراحل الكريم وهو لا يخجل من هذا، فأياديه البيضاء على مصر في أوج الخطر تجعله أهلاً لهذا الموقف الإنساني من ابن لأبيه، لذا كان من المفترض أن يصل الرئيس السيسي ليشارك في تشييع الجثمان من مسجد الإمام ترك ابن عبد الله بالسعودية ولكن لظروف لا أحسبها ولا أظنها ظروف جوية كما قيل، منعت الرئيس السيسي عن أداء ذلك الواجب، وهو أهل واجب
ويفهم فيه، وعليه فقد أوفد عوضاً عنه في أداء واجب العزاء وفداً مصرياً رفيع المستوى من رئيس وزراء مصر ولفيف من المسؤولين، ولم يكتفي الرئيس المصري بهذا، بل شارك الكثير رؤساء العالم حدادهم في بلادهم، إذ أعلن الحداد في مصر وتنكيس الأعلام.
وبعيداً عن مراسم الجنازة، ومراسم البيعة التي تمت لولي العهد السابق وجلالة الملك الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز فور وفاة العاهل السعودي السابق، وبعيداً أيضاً عن مراسمي البيعة لولي العهد الحالي الأمير مقرن بن عبد العزيز التي تمت بدءاً من مساء يوم أمس
وعقب صلاة العشاء أستطيع أن أقول أن الملك عبد الله لم يترك السعودية ولا المنطقة مهتزة من بعده، فلقد اختار ولياً لعهده الأمير سلمان ليضمن أن من يأت بعده يسير على نفس خطاه ويكمل مسيرته كما هو أكمل مسيرة سلفه جلالة الملك فهد الذي تولى الحكم في عام 1975 في ظروف عصيبة بمقياس وقتها، ورحل عن عالمنا من عام 2005 وعن الحكم فعلياً من عام 1995 تاركاً إياه لظروف مرضه لخليفته الأمير عبد الله ولي العهد آنذاك إلى أن أصبح ملكاً فعلياً ورسمياً منذ عشر سنوات، ومنذ سنة أو أقل أُختير الملك سلمان ولياً للعهد
وأن يكن من بعده الأمير مقرن في شعور واضح بقرب دنو الأجل، ما يعني أنه يرتب البيت من الداخل، ناهيك عن التعديلات في مناصب رئيس المخابرات والجيش السعودي، ليتخذ إجراءات تأمينية في وقت تعيش فيه المنطقة ظروف عصيبة، ليس خطر داعش فحسب في الشمال وإنما أيضاً خطر الحوثيين في الجنوب، وهو الذي يمثل المد الإيراني في المنطقة، ولقد رحل الملك السابق عن عمر يناهز التسعين عاماً مخلفاً وراءه ملكاً في عمر الثمانين لعله يكون -بإذن الله- خير خلف لخير سلف.
صحيح قد تأثر سعر برميل النفط بوفاة الملك، إذ ارتفع عن السبعة وأربعين دولار التي كان قد وصلها -بزيادة تصل لإثنين بالمئة- ولكن لا أظن أن الترتيبات الأمنية والموقف الإستراتيجي للسعودية لن يتغير بيد أنني كنت أتمنى من جلالة الملك السابق أن ينقل المملكة العربية السعودية نقلة كبيرة في مجال حقوق الإنسان
لألا تكن فرصة وتكؤة لمنظمات حقوق الإنسان لانتقاد المملكة كنت أتمناه أن يعفو على الناشط المصري المحامي الجيزاوي، ولو كان فعلها ما كنت إلا ان أزددت احتراماً له، وتقديراً لشخصه الكريم، ولكن في كل الأحوال ما كنت أتمناه من الملك السابق، أبقى متمنياً إياه من الملك الحالي، كما كنت اتمني أن يبق أطول زمناً لير بعينيه سقوط قطر وتعليم أميرها الأدب، كنت أتمني أن يرى ثمرة دعمه لمصر حين تصل لما نتمناه جميعاً، وتمناه هو أيضاً.
مواقف الملك الراحل تنضح بالجود والكرم، تنضح بتفهم بخطورة الموقف الأمني والسياسي للمنطقة، تعكس مواقفه وآرائه عمق لفهم المنطقة ولظروفها، الملك الراحل وقف بجوار مصر وشعبها ليس عن كرم فحسب ولكن عن فهم لأهمية مصر ولخطورة دورها في الحالة السياسية الراهنة.