بقلم منير بشاى – لوس انجلوس
هذه رسالة تضامن مع الكاتبة اللامعة والانسانة الرائعة فاطمة ناعوت.
أكتبها تزامنا مع مثولها امام القضاء فى يوم 28 يناير 2015 لمحاكمة ضميرها الذى لم يؤذ احد خلائق الله بل كان دائما مدافعا عن الضعيف والمظلوم من الانسان بل وحتى الحيوان. ونحن نبتهل الى الله اعدل العادلين ان يلهم قضائنا العادل الرأى السديد فيبرىء ساحتها ويرد كيد الكائدين.
رسالتى تقول لفاطمة ناعوت انت لست وحدك، فنحن جميعا معك، نقف الى جوارك، ونساندك فى هذه المحنة. ولكن ربما هناك فائده تعود على كاتب الرسالة. فهى تعطيه الفرصة ليقدم كلمة وفاء تأخرت كثيرا، تليق بإنسانة عظيمة وهى تمر بهذه الاختبار الصعب. بهذه الرسالة يستطيع الكاتب ان ينظر وجهه فى المرآة ولا يخجل مما يراه.
أولا اشكرك. لأنك وضعت على عاتقك مسئولية الدفاع عن المضطهدين والمستضعفين فى مصر ومن هؤلاء اقباط مصر. لم تفعلى هذا رغبة فى مكسب او سعيا نحو شهرة او ابتغاء لمنفعة. ولكن كان هدفك ارضاء ضميرك الحى المرهف حتى وان كلّفك هذا الإتهامات والمضايقات من دعاة الكراهية. كان فى امكانك ان تختارى الطريق السهل الذى يجنبك المتاعب ويحقك لك المنافع. ولكنك كنتى دائما تشعرين بمتاعب الآخر وتؤثرين ان تحملى معهم احمالهم، وتشاركيهم همومهم وآلامهم، وتسيرى معهم فى طريق الأشواك.
كنا نشعر بهذا ونحس بالامتنان لتضحياتك، ولكن ربما قصّرنا فى ان نشكرك بصوت عال اعتقادا منا انك تحسين بكل ما نكنّه لك من حب وعرفان. ولكن اليوم اقولها لك بصوت واضح لعل العالم كله يسمعها واهم من هذا انك انت تسمعينها، وتعرفى اننا جميعا نقدر مساندتك ونشكرك عليها من كل قلوبنا.
ثانيا أقدرك. اقدر شجاعتك وانت امرأة تعيشين فى مجتمع عربى ذكورى. ولكن رغم هذا لم تحسى يوما ان كونك امرأة معناه انك عورة او نقص او عيب. هذا الاقتناع كان اساسه ثقتك بنفسك انك لا تقلي قيمة عن اى رجل وان الله لم يخلقك بجينات تحمل اى نوع من الدونية.
وقد اثبت بتجربتك الحياتية انك ندا مساويا للرجل، لا تقلين عنه فى الكرامة، ولا تنقصين عنه فى القيمة، ولا تعجزين عنه فى الأداء. واذا كانت الرجولة الحقيقية تعنى الشهامة والشجاعة والتمسك بشرف الكلمة وامانة المعاملات، فانت فى هذا المضمار اكثر رجولة من كثير من الرجال. اشباه الرجال يفهمون الرجولة على انها القوة المدمرة والعنف المؤذى والارهاب الدموى الأسود. ولكن الرجل السوى هو من يشعر الغير معه بالأمان لا بالرعب، هو من يسند ولا يهدد، وهو من يصون ولا يبدد.
ثالثا أؤيدك. أؤيد فيك انسانيتك. انت تنتمين الى طراز راقى من الانسانية قبل ان تنتمى الى جنس او عرق او جماعة. وبالتالى انت تقفين دائما فى صف الانسان مهما كانت خلفيته وتعتبرين قضيته هى قضيتك.
واؤيد فيك تقديسك للحرية. لم تسمحى يوما لأحد ان يقيد حريتك فى التعبير عن رأيك وحاربت فى صف كل من حاول الآخرون سلب حريتهم منهم. كان شعارك انك لن تكونى حرة طالما يوجد انسان سلبت حريته على وجه الارض.
واؤيد فيك فهمك لجوهر الدين. الدين الصحيح هو المحبة وليس الكراهية، هو تقديس الحياة وليس ازهاق الحياة. ولقد قال الله فى الكتاب المقدس "اريد رحمة لا ذبيحة" بمعنى ان الله يريد ان يقدم الانسان الرحمة لأخيه الانسان عن تقديم الذبائح له فى عبادة عقيمة. والله لا يضيره ان يتساءل الانسان فى الامور التى تختص بعلاقته بالله. وهو تعالى أكبر من ان يعتبر هذا ازدراء به. لقد اعطانا الله نعمة العقل لنتدبر به أمور الله ونقبلها عن اقتناع وليس عن اجبار.
وايضا اؤيد فيك وطنيتك. الوطنية ليست حب عاطفى لكيان مادى. الوطنية هى الحب العملى للمواطن والعمل على رفعته واسعاده. فاطمة ناعوت لم تفهم الوطن على انه المكان الذى يأخذ فيه فصيل حقوقه بينما يحرم منها الفصيل الآخر. ولم تكن الوطنية عندها ان ينعم البعض بالحياة الكريمة بينما يعيش البعض الآخر على هامش الحياة.
فى خلال ايام ستمثل فاطمة ناعوت امام القضاء ليقرر ما اذا كانت قد ازدرت بالدين لمجرد أنها كتبت عبارة اخذت بعيدا عن سياقها تطالب فيها بمراعاة حق الحيوان فى الرحمة عند ذبح الاضاحى. البعض اعتبر هذا خروجا عن صحيح الدين وطالبوا بمحاكمتها. والغريب ان هؤلاء لم ينزعجوا لما يفعله داعش عندما يقومون بالذبح الذى لا رحمة فيه للطفل والمرأة الحامل والشيخ المسن. ومن الغريب ان هؤلاء يترددون فى تكفير داعش بينما هم يسرعون الى تكفير فاطمة ناعوت.
كثيرون يرون فى قلم فاطمة ناعوت السيف الذى يوخذ ضمائرهم فكرّسوا حياتهم للبحث عن خطأ ينسبوه لها. وسيكونوا سعداء ان استطاعوا ان يوقفوا مسيرة فاطمة التنويرية فيقصفوا قلمها او يسكتوا صوتها، وهدفهم الأكبر سيظل ان يغتالوها معنويا وان امكن حرفيا. ولن يفلحوا.
ولكن المقاومة التى تواجهها فاطمة ناعوت ستجعل نجمها يزداد لمعانا. وهذه المرأة ذات الجسد النحيل ستكبر لتصبح عملاقة اكثر مما هى عليه الآن. وستتحول فاطمة ناعوت الى رمز يكبر فى عيون عشاق الحرية ليصبح تمثال الحرية المصرى الجديد. سيظل أنفها شامخا نحو السماء، ويدها تحمل مشعل التنوير لكشف الظلام والظلاميين، تماما مثلما فعل من قبلها طه حسين وفرج فودة ونصر حامد ابو زيد ونجيب محفوظ ونوال السعداوى وغيرهم.
Mounir.bishay@sbcglobal.net