انطوان حداد
إن نصارى الشرق ولا سيما الأقباط، بدافع غريزة البقاء، سيضطرون الى طرح الخط الوطني الانساني، - لكل بلد من بلدان خرائط سايكس - بيكو الذي يؤمن الحياة والمساواة لانسان الشرق، للأقليات وللأكثرية، التي تسمح لكل الأطراف بحرية التعبد، دون فرض مسار واحد يضطهد الآخرين، ويذلهم أجيالاً، كما حل "بالاقليات بشرعة فرض الجزية، التي اكرهت بطاركة الموارنة على التخفي أجيالاً
في جبل لبنان ووادي الدموع – وادي قاديشا – عقب انهاء الوجود العسكري للحملات الصليبية. إن الخط الوطني الانساني الذي يؤمن التحالفات الواقعية بين الاقليات وقوى اسلام العصر، هو الخط الذي يعطي امكان نمو النظام الانساني الجديد، الذي يعطي اسلام العصر المكانة اللائقة تحت الشمس، كسائر الامم الكبرى.
وان نازيي السنة الذين دخلوا معلولا، وسائر القرى النصرانية، الذين يقومون بالاعمال الثأرية من السلطة المذهبية التي دمرت السنة – عقوداً - وقتلت مئات الألوف، وهجرت "ملايين الخونة" – وفقاً لادعاءاتها – الذين يموتون غرقاً في عبارات الموت، ان هذه المآسي، تدفع نصارى الشرق، الى ان يطرحوا الخط الوطني الانساني الذي يجنبهم الاعمال الثأرية، لردود فعل القوى الاسلامية وصراعاتها على السلطة التي تؤدي الى تدمير كنائس مصر وسوريا، اليوم والتي أدت الى إبادة راهبات طور سينا، عقب حملة بونابرت والى إبادات لنصارى الشرق، عقب الغزوات البيزنطية والصليبية والاوروبية بعد 1860 عصر الحملات الاستعمارية.
حول وضع اهل الذمة، في الولايات العربية وجبل لبنان، يقول يوسف ابراهيم يزبك: لم يكن للمسيحيين حق المساواة بالمسلمين: فلم يكن لهم ان يلبسوا لبسهم، ولا ان يركبوا الخيل، ولا ان يتقلدوا السلاح مثلهم. وما كانت شهادتهم مقبولة لدى المحاكم. واذا شاءت احدى الملل المسيحية بناء كنيسة او معبد، او ترميمها، كان عليها ان تستحصل على فرمان سلطاني. أما في لبنان فلم يكن شيء من هذا...
فلم يكن لاحدى الملل ميزة على أخرى بلبسها، ولا في سوى ذلك من الاختصاصات التي لمسلمي الولايات العثمانية. ويروي يزبك ان العديد من المسيحيين الذين عاشوا في الولايات العثمانية خارج جبل لبنان لاقوا المضايقات والذل والشتم، ولكن كان الضمير الاسلامي النقي يثور دائماً على تلك الاعمال الشائنة، ويعترض ويؤنب الذين يقترفون التبليص والتسخير وانتهاك الاعراض... إلا أن إغفاء الحكام عليها، ان لم يكونوا المحرّضين على ارتكابها، صار يزيد من همجية الغوغاء. إن خط المجازر، التي تخوضها قوى المشرق العربي بكامل كتلها التاريخية المذهبية، تحت الوية دينية متعددة تضع الكتل البشرية: السنية – الشيعية / العلوية – المسيحية/ الدرزية – الاكراد امام خطين:
- خط الاستمرار في الصراع الذي يقودها الى مضاعفة عدد الارامل والايتام – خط بيع اناث هذه الكتل في اسواق النخاسة في العالم، كما حدث لنساء الكتل التاريخية القومية والدينية في يوغوسلافيا، حين دمرت هذه الدولة.
- خط تعاون الكتل التاريخية المذهبية – داخل كل قطر – او وطن – او اقليم – لإنشاء وطن يضم الجميع – دون كتل وأحزاب ومقاومات مذهبية. وطن يوحد المقاومات في مقاومة وطنية واحدة، تنسق مع جيش وطني واحد، يعمل لمصلحة كل كتل الوطن.
إن الكتل التاريخية المذهبية في المشرق العربي، التي دفعت، والتي ستدفع اثمان الصراعات المذهبية للفوضى الخلاقة، ستضطر – آجلاً أو عاجلاً - بدافع غريزة البقاء، الى التحول الى بناء خط وطني ينهي هذه الصراعات، ويجمع كل مكونات خرائط سايكس بيكو الحالية، تمهيداً لسير هذه الكيانات في خط وحدة تدريجية، يتوازى مع الخط الأوروبي الذي سلكته الكيانات الاوروبية بعد حروبها العالمية الأولى والثانية.