الأقباط متحدون - شيماء الصباغ شهيدة مصر
أخر تحديث ٠٣:٤٧ | الاربعاء ٢٨ يناير ٢٠١٥ | ٢٠ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٦٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

شيماء الصباغ شهيدة مصر

 د. أحمد الخميسي
أمتار معدودة في ميدان طلعت حرب كانت تفصل بين الرصاصة وبين شيماء الصباغ ذات الثمانية والعشرين ربيعا. جاءت من الإسكندرية إلي القاهرة صباح السبت 24 يناير لتقدم باقة ورد لروح الشهداء.

نشأت في أسرة متوسطة الحال. بذلت كل جهودها في مناصرة قضايا العمال المفصولين. ساهمت في تأسيس النقابات العمالية. ومع انتفاضة يناير لم تفارق الميدان منذ أيامه الأولى. تعرضت للضرب والسحل وكتبت على صفحتها في فيس بوك:" البلد دي بقت بتوجع.. يارب يكون ترابها براح".

برزت بين الحشود الضخمة أمام قصر الاتحادية في 30 يونيو تطالب برحيل محمد مرسي. أصبحت إحدى قيادات شباب الثورة وأمينة العمل الجماهيري بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي. هي أيضا شيماء أم بلال الصغير بسنواته الست.

تشبثت بالحرية ولم تدع شيئا يخمد لهب ذلك الشعور الغالي، وكتبت تقول" أنا لم أتجاوز إلي الآن أيام الثورة الثمانية عشر". عندما ظهرت الدعوة لتقديم باقات الورد لذكرى الشهداء كتبت تقول" أنا نازلة القاهرة للمشاركة ومش مهتمة بأي كلام يهد عزيمتي". يوم السبت وصلت إلي القاهرة.

التقت بزملائها في شارع هدى شعراوى. تحركت بينهم إلي ميدان طلعت حرب وبين يديها باقة ورد وطفلها الصغير في خيالها، وفي خيالها أنها عائدة إليه. لكن تراب الوطن الذي تمنته فسيحا رحبا اتسع ليضمها ضمة عاشق يعلم أن الحب قد يكون جرحا وأحيانا يكون ضمة للأبد. رحلت واحدة من" ألطف الكائنات"الحنونين الطيبين اللواتي"همهم خدمة بلدهم زيهم زي البنين".

المسافة القصيرة بين الرصاصة وشيماء امتلأت بحرس شرف يستقبل العروس الجديدة بالزهور والأهازيج. طابور من مكافحات وبطلات يبدأ بشفيقة محمد شهيدة ثورة 19، ويستمر حتى شهيدات يناير: رحمة محسن ، وزكية محمد ، ومريم مكرم ، ومهير خليل زكي، وهدى صابر، وسالى مجدي زهران، والطفلة هدير سليمان، وأميرة اسماعيل، ورشا جنيدي.

 في المسافة القصيرة بين الرصاصة وشيماء سقط الوهم بأن الواقع قد تبدل. في  المسافة القصيرة احتشد أمل آخر مختلف. وفي المسافة القصيرة وقف الكثيرون – بين الرصاصة والدم – يبررون ويفسرون ويحللون ويلتفون حول الحقيقة ويحكون القصة على طريقتهم. إنهم لا يستطيعون تغيير الحقائق، لكنهم يقومون بإعادة ترتيبها، بحيث يقللون من شأن أمور ويضخمون أشياء أخرى، ويحكون القصة بحيث تبرر في النهاية قتل شيماء. يتساءلون : " أكان ذهابها إلي الميدان ضروريا؟ هل كنا بحاجة للاحتفال بذكرى الشهداء الآن؟. ما مصلحة الشرطة في قتلها؟ إلي آخر تلك التساؤلات التي تقلل من وزن التضحية ومن حق الناس في التظاهر السلمي، بحيث يصبح القتل في نهاية المطاف أمرا مبررا أو مقبولا كحد أدنى.

في المسافة القصيرة بين الرصاصة والدم يقف عدد كبير من المحللين، والمفسرين، والمثقفين الحكوميين، وغيرهم. أنا لا أستغرب أن يبنى الطغاة السجون، ولا أستغرب أن يفتحوا النار على الناس، لكني أستغرب أولئك الذين حين يجدون سجنا يدارونه بكلمة " حديقة "! أولئك الذين حين تنطلق الرصاصة يشمرون عن أذرعتهم ويطلون الرصاصة بلون الورد! وبالرغم من كل ذلك الكذب، ستبقى قصة شيماء، ويوما ما سيحكيها للناس منشد لامع الصوت يجوب بالحقيقة كل قرية، يردد على ربابته صيحة القلب الجسور: " أنا مش مهتمة بأي كلام يهد عزيمتي".

مسافة قصيرة احتشد فيها أطول تاريخ للكفاح والأمل.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter