بقلم منير بشاى
يبدو اننا فى مصر موعودون بالنكسات التى تحطم كل شىء جميل يحدث لنا، خاصة بعد قيام الثورات التى يرجو منها ابناء الشعب تغييرا للأفضل فاذ بها ترجعنا للوراء. ونحن لا ننسى نكسة 1967 والتى انتهت بضياع اراضى عزيزة، تم استرجاع بعضها، والبعض الآخر ما يزال يرزح تحت الاحتلال الاجنبى حتى يومنا هذا.
اما النكسة التى تعانيها مصر حاليا فهى التى حدثت اعقاب ثورة 25 يناير 2011. العدو فى هذه المرة داخلى ولذلك هو اخطىر لأنه غير واضح المعالم. فهو لا يواجهنا من خلال جيش منظم يمكن تحديده وضربه ولكنه يعمل عن طريق حرب العصابات التى يصعب معرفة من اين تأتى والى اين تتجه. ومما
يزيد من خطورة العدو انه يمكن ان يظهر على انه مواطن عادى واحيانا يتنكر فى ثياب الواعظين. وقد يضم اعوانا من المتعاطفين الذين يجتمعون داخل المساجد للصلاة ولكنهم فى حقيقة الامر يهدفون الى تجنيد الاتباع للقتل والتدمير مدّعين انها فى سبيل الله.
كانت قد هبت على منطقة الشرق الاوسط فى خلال تلك الفترة رياح التغيير فيما تم تسميته بالربيع العربى للاطاحة بالحكام الديكتاتوريين الذين يحكمون منطقتنا بقوة الحديد والنار. ووصلت الشرارة الى مصر التى كانت تعانى من آفتين تتمثلان فى الارهاب الدينى والفساد الحكومى. ونجح الشعب فى تغيير النظام الذى كان يتربع فوقه الرئيس محمد حسنى مبارك والذى كان يخطط لتوريث الحكم لابنه جمال مبارك.
ولكن ثورة 25 يناير 2011 لم تعالج مشاكل مصر. كانت فى البداية مجرد مظاهرات من شباب حديث السن بعضهم يعانى البطالة وضياع الحياة الكريمة. وكانت هتافاتهم تطالب بالعيش والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية. وهؤلاء الشباب لم يكن فيهم الكوادر التى تمكنهم من القيادة. وهذا ادى الى تغلغل عناصر اخرى بينهم لم يعملوا لها حسابا.
كانت جماعة الاخوان تقف وتراقب من بعيد. فى البداية اعلنوا انهم لا دخل لهم بما يحدث. ولكن عندما رأوا النظام يهتز وجدوها فرصة ان يركبوا الثورة مدّعين انهم اصحابها. وعندما انتهى الامر بعزل مبارك وتسليم الحكم للقوات المسلحة، كان الاخوان هو الفصيل الاقوى والاكثر تنظيما والذى يكتسب عواطف الشعب على اساس انه المتدين النظيف اليد والذى يحمل الخير لمصر وقد بدت بوادر هذا الخير فى اعمال الخير التى كانوا يقدمونها للشعب الفقير الذى وجد نفسه مطحونا بين الفساد السياسى ونهب ثروات البلاد واهمال المشاكل التى يعانى منها الفقراء.
وسلم الفساد السياسى مقاليد الحكم للتطرف الدينى الذى ما لبث ان اظهر وجهه الحقيقى الذى لا تهمه مصر ولا شعب مصر ولا يهدف الا لتحويل مصر الى دويلة ضمن كيان وهمى وهو الخلافة الاسلامية. وفى السنة التى حكموا فيها مصر تدهورت الامور ووصلت مصر الى حافة الافلاس بينما حكام مصر الجدد لا يهمهم سوى اخونة مفاصل الدولة حتى يحققوا هدفهم، الذى لم يخفوه عن احد، وهو حكم مصر خلال الخمسائة سنة القادمة على الاقل.
هذه كانت النكسة الحقيقية التى من اجلها قامت ثورة 30 يونيو 2013 والتى استطاعت بقوة الجيش ان تسقط حكم الاخوان وتعيد مصر للشعب المصرى. وكان بطلها عبد الفتاح السيسى الذى قام بمثل ما عمله احمس الاول الذى طرد الهكسوس سنة 1525 ق. م.
ولكن من السذاجة ان نعتقد ان الاخوان سيسكتوا وهم الذين انتظروا اكثر من 80 سنة ليحكوموا مصر ليجدوا انفسهم بعد ان امسكوا بهذا الهدف يفلت من بين ايديهم فى لحظة من الزمن. وها نحن نراهم يعاقبون الشعب المصرى وعلى راسه جيشه وشرطته بالعمليات الارهابية واحدة بعد الأخرى. وهم بذلك يحلمون بان يجهضوا الثورة ويعودوا لحكم مصر من جديد. خابت احلامهم!.
لا شك ان ثورة 30 يونيو قامت بأعظم عمل فى تاريخ مصر الحديث ولكن لكى يكتمل نجاح هذه الثورة يجب ان يصحبها ثورة دينية. فالدين المتطرف هو اصل الداء ليس فى مصر وحدها ولكن فى العالم كله. ولقد فطن الرئيس السيسى الى هذه الحقيقة واعلنها مرارا. ولكن يتبقى عمل الخطوات الحقيقية لتحويل هذا من مجرد شعار الى خطوات عملية تأتى بالنتائج المرجوة.
قال الرئيس السيسى فى اكثر من مناسبة ان اصلاح الخطاب الدينى هو معركتنا الحقيقية. ولكن حتى الآن لم نجد التعامل الحقيقى مع هذه المشكلة. كل ما نراه هو الكلام الهادىء من شجب واستنكار مع التمنيات والمناشدات والامل فى تغليب العقل. هذا بينما المجرمون اعداء الله والانسان الذين لا عقل لهم ولا ضمير يمارسون اعمالهم الارهابية من قتل وترويع للمواطنين الآمنين.
وفى مناسبة عيد المولد النبوى الأخير تكلم الرئيس مع مشايخ الازهر وطالبهم ان يقوموا باللازم نحو اصلاح ما علق بالدين من موروثات يستند لها المتطرفون فى القيام بعملياتهم الارهابية. ولكن يبدو ان كلامه وقع على آذان صماء لا ترى حاجة للتغيير اعتقادا منهم ان هذا يتعرض لثوابت الدين التى لا يجب المساس بها.
دعنا نكون صرحاء مع النفس وننسى حكاية الازهر الوسطى. الازهر لن يعالج المشكلة لأنه هو بذاته يعانى من ذات المشكلة. والأمر قد خرج من دائرة التعامل الناعم مع المشكلة ودخل الى مرحلة اخرى تتطلب القيام باجراء خشن قوى. المطلوب ثورة ضد التطرف تبدأها الحكومة مع طاقم جديد من المشايخ الثوريين الشجعان. دعكم من الطيب ومن معه من الطيبين ومن ذوى الأيادى المرتعشة. وضعوا ايديكم مع من يملك الجرأة والشجاعة لمواجهة التطرف.
سيادة الرئيس: لقد وصلنا الى نقطة ان نكون او لا نكون. حان موعد الثورة ضد التطرف لتعالج النكسة التى نعانيها عقب 25 يناير 2011. فابدأ واتكل على الله والشعب كله من وراءك.
Mounir.bishay@sbcglobal.net