الأقباط متحدون - هل تنازلت الكنائس ع التبني ارضاء للازهر ؟
أخر تحديث ١٣:١٠ | الاثنين ٢ فبراير ٢٠١٥ | ٢٥ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٦٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل تنازلت الكنائس ع التبني ارضاء للازهر ؟

الكنيسة
الكنيسة

مينا اسعد كامل
كالعادة يحاول بعض أصحاب المصالح والأجندات – المعروفين بالاسم – أن يستغلوا أول فرصة تتاح للهجوم على الكنيسة و الاتجار بالكتاب المقدس والعقائد المسيحية في نظير التشويه الغير مبرر ظاهريا ومعروفه أبعادة و أجنداته داخليا.

لذا قد جاءت قضية التبني في المسيحية هذه الأيام كي ما يجعلها البعض تطفو على سطح  الخلافات في وقت غير لائق ووسط ارتفاع أصوات معارك أخرى قد يكون من  الأهم حسمها في الوقت الحالي  وفي ادني الأحوال تأجيل حسم قضية التبني بعد انتهاء قضايا الوطن فهي بالفعل كانت مؤجله منذ زمن ولن يضيرها وقتا اخر . ولكن كما يقوم الإخوان بترويج الإشاعات والأكاذيب الملفقة ضد الكنيسة والأقباط يقوم بذات الفعل بعضا ممن هم محسوبين أقباط بعواء في الإعلام مدعين أن الكنيسة تنازلت عن "مبدأ كتابي" و "حق مسيحي أصيل" وغيرها من تلك الشعارات .

وقد يكون من الغريب ان نجد بعضا من هؤلاء يرتدي المنصب القيادي بإحدى الكنائس كمثل حضرة القس رفعت فكري رئيس لجنه الإعلام والنشر بالسنودس الإنجيلي له كل الاحترام لشخصه فيدلي بتصريحات ابعد ما تكون عن الصواب – كعادته – وقد سبق وتشرفت بتوجيه تلك الجملة له شخصيا سابقا – فيردد نفس ما يقوله أصحاب المصالح قائلا "أن  التبني جوهر العقيدة المسيحية و أساس الكتاب المقدس" !! ويقول أيضا "إن الإطاحة بحق التبني للأقباط، جاء برغبة كاملة من الكنائس لمجاملة الدولة علي حساب رعاياها، وكان على الكنائس التمسك بحقوق رعاياها بأن يتضمن القانون الجديد للأحوال الشخصية حق التبني، في المادة 109 من القانون الجديد"
وفي هذا المقال نجيب على التساؤلات : هل "التبني حق أصيل في المسيحية " وهل "باعت الكنائس عقيدتها لإرضاء الدولة "

سنرى
-1-
التبني في الكتاب  المقدس
رغم أن عادة التبني كانت شائعة بين اليونان والرومان ومصر القديمة وغيرهم من شعوب العالم القديم الا انها لم تذكر نطلقا بتفاصيل مُشرعه في التشريع اليهودي ، فقط ثلاثه مواقف يذكرها لنا الكتاب تم فيها  التبني بالعهد القديم الاولى عندما انتشلت ابنه فرعون "موسى النبي" من الماء ولقب بانه "ابن ابنه فرعون" في سفر الخروج 2

وفي سفر ملوك الاول 11 نقرأ عن " جنوبث" الذي تبنته خالته " تحفنيس" زوجه فرعون مصر وتربي بين ابناء فرعون في القصر الملكي.
ثم نجد "استير" تلك الفتاه اليتيمة التي تبناها عمها مردخاي كما وردت القصة في سفر استير.
ثلاث مواقف للتبني لم يحدث أيا منهم في محيط الشعب اليهودي – شعب الله في ذاك الوقت – بل لم يحدث أيضا في فلسطين بل حدثت في البلاد التي كان فيها التبني متاحا "قانونا" ويظهر التنظيم القانوني لعمل التبني في تلك البلاد على سبيل المثال ان موسى لم يتزوج من ابنه فرعون ومردخاي لم يخطب استير.
اذن في العهد القديم ووسط نصوص الشريعة الصارمة وزمرة أنبياء الله الذين تسلموا الشريعة والنص المقدس من الله لم يسلمونا نصا واحدا يأمر بالتبني ، كان التبني حدثا وفعلاً يتم كواقع فيما هو خارج الإطار اليهودي حتى وان كان المتبنى يهودي وينظمه القوانين الداخلية . ولا نجد أمرا يأمر بالتبني فيكون مخالفته خطيئة.

ولابد أن نلفت النظر أن التبني بهذه الصورة يخالف تماما الأمور والوصايا الأخرى كالطلاق الذي وصف بأنه مكرهه لدى الرب .
وننتقل للعهد الجديد لنجد الكلمة اليونانية " هيوسيزيا  " (Huiothesia)تترجم حرفيا " وضعه في موضع الابن " واختصارا "تبناه" أتت خمسه مرات في العهد الجديد وتحديدا في رسائل بولس الرسول ، وتعّرف اصطلاحا بأنها الإجراء القانوني الذي يقوم به أي إنسان بغرض إلحاق ابنا  في عائلته مانحا إياه كل الحقوق القانونية والامتيازات التي يستحقها الابن المولود بالطبيعة "

وقد استخدمها بولس الرسول في العهد الجديد قاصدا التبني بالمعنى الروحي – سنعود إليه لاحقا – وقد استخدم هذه الكلمة  مجازا مقلدا أسلوب المسيح في الأمثال بحكم كونه عارفا بالعادات الرومانية كما انه من خلال نشأته في "طرسوس" ورحلاته التي شملت اغلب شعوب العالم مما جعله يعلم العادات الرومانيه ان الابن الروماني الذي يشتريه أو يفتديه أبوه الذي تبناه من تحت سلطة أبيه الطبيعي. فلم تتغير حالة الابن عملياً بهذا الإِجراء، إنما الذي حدث هو أنه استبدل سلطة أبيه الطبيعي بسلطة أب آخر. فاستخدم هذا التشبيه ليشرح العقيدة المسيحية بان الله خلصنا من عبودية الشيطان وأعطانا هبه بنوته مقدما إلينا وسائل وسلطان سحق الشيطان والخطية.

اما عن قصص التبني في العهد الجديد يجيب القمص عبد المسيح بسيط أستاذ اللاهوت الدفاعي  ساردا امثله قائلا " التبني بمفهومه كتبني رجل أو امرأة لطفل لا توجد نصوص صريحة ومباشرة عنه.. ولكن من خلال مضمون الإنجيل ذاته توجد أمثلة كما في حالة انسيموس الوثني الذي كان عبدا وهرب من سيده المسيحي. فتقابل مع القديس بولس واهتدي إلي المسيحية وصار إبنا للقديس بولس ووصفه بعد ذلك بابنه.
كذلك القديس مرقس الذي وصفه القديس بطرس ب "مرقس ابني".. وقال عنه: "تسلم عليكم التي في بابل المختارة "روما" ومرقس ابني".
كذلك القديس بولس وصف القديس تيموثاؤس بابنه ووصفه بانه الابن الصريح في الإيمان.
تلك كلها أمثلة للتبني الروحي.. وهي واضحة وصريحة للتبني الروحي"
إذن في العهد الجديد أيضا لا نجد "نصا" يأمر بوجوب التبني ، كما انه لم نجد نصا يحرمه.

-2-
من أين يأتي أباحه التبني في المسيحية إن لم يكن هناك نصا ؟
في عظة للسيد المسيح قال: "كنت جوعانا فأطعمتموني عطشانا فسقيتموني كنت غريبا فأويتموني ...الخ فيجيبه الأبرار قائلين يا رب متي رأيناك جائعا فأطعمناك.. الخ فيجيب قائلا الحق أقول لكم بما أنكم فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم " فالتبني هو نوع من أعمال الرحمة وعمل إنساني نبيل.
وفى مثل الابن الضال، يظهر التبني بان يصبح الإنسان مبررا رغم كل ما أخطاءه، وفي التبني تتأكد علاقة الأب بالابن، بوضوح فالتبني لا يعني فقط أن الابن الضال قد عاد إلى بيته مستعداً أن يعترف بأنه ليس مستحقا أن يدعى ابناً، ويرضيه أن يحسب كأحد الأجراء، ولكنه يقابل بالعناق والقبلات، ويرد إلى مركز الابن كما كان قبلاً. فالتبني هنا عمل الأب الكريم وهو يأخذ الابن في حضنه ويمنحه الحرية والامتيازات والميراث.

إن قيام الإيمان المسيحي على مبدأ الرحمة والاحتضان والقبول جعل من أباحه التبني من هذا المنطلق امرا ليس مرفوضا إن ظللته القوانين ، كما انه ليس وصيه في حد ذاته يجب قيامها.

لذا فانه عند سؤال قداسة البابا الراحل مثلث الرحمات البابا شنودة عن وجوب التبني للعاقر أجاب " أما موضوع التبني، فقوانين الدولة المصرية . لا تسمح بها ،  فإذا قمتِ بمثل هذا الأمر، سيكون بطريقة خاطئة، ولا تعرفين ماذا قد تكون نتيجتها، وتأثيرها عليكِ وعلى زوجك وأسرتك، بل وهذا الطفل في المستقبل.."
لقد نفذ قداسة البابا شنودة حرفيا ما تم في الكتاب المقدس قابلا للتبني بشرط قبوله في القانون المصري.

-3-
لماذا يدعون أن التبني "أساس المسيحية" ؟
لن ندخل في الضمائر وان كانت الظواهر تؤكد غرض  فقط انتقاد الكنيسة الأرثوذكسية تحديدا وتعاليم البابا شنودة الراحل خصيصا.
ولكن قولهم هذا إن التبني "أساس المسيحية" مغالطة يقصدون بها إثارة البسطاء وخلق الخلافات فالتبني الذي هو أساس المسيحية وعمادها ما أورده البشير يوحنا في الإنجيل عندما قال على فم المسيح " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه"

و قول المسيح لتلاميذه " متى صلّيتم فقولوا أبانا الذي في السموات.ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك.لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" لو 11:2 ، كما يقول بولس أيضا " لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" غل 26:3.
التبني أساس المسيحية هو التبني الإيماني وليس التبني الجسدي محل الحوار ، لذا عندما يتفضل جناب القس رفعت فكري باعتبار أن التبني في قضية التبني بلائحة الأحوال الشخصية هو ذاته التبني "أساس" المسيحية لنا أن نتعجب ونندهش ونطلب منه إن يبدأ في توفير الوقت لقراءة الكتاب المقدس حتى لا تختلط معه الأوراق بافتراض حسن النية !.

-4-
بين قضيتي التبني والطلاق
يختلف موقف الكتاب المقدس بين قضية الطلاق والتبني اختلافا جوهريا فبينما فعل الطلاق كان سائدا في العهد القديم فجاء التشريع الكاره له والمقيد له دون امر بالطلاق جماء جاء في التثنية 24 مفترضا وقوع الحدث وجاء في سفر ملاخي الاعلان الصريح لكرة الله للطلاق مساويا له كمثل كرهه لعبادة الاوثان وتقديم الاطفال ذبائح للالهه الوثنية كما كان يحدث في شعوب قديمة صمت تماما عن أمر التبني واضعا ميثاق الرحمة والعدل .

وبينما اتى المسيح في العهد الجديد مؤكدا على عدم الطلاق الا لعله الزنى وليس كأمرا بل واضعا امكانية مسامحه المجني عليه للجاني فلا يطلب الطلاق بشرط توبه صادقه للاخير ، لم يذكر على الاطلاق امرا بالتبني ولم ينظمه , بل وضع قواعد الرحمة والرأفة والمحبة والتي يمكن تنفيذها بالاف الوسائل متجاوزا اللفظ القانوني ذاته.

ويأتي بعد الكتاب المقدس الدسقولية التي هي تعاليم الرسل الاثنى عشر ويليها قوانين المجامع واقوال الاباء يهتمون جدا بالتأكيد على وصية الطلاق لعله الزنا فقط نراهم في الغالب يصموت عن التبني القانوني متحدثين عن المحبة والتآلف
الخلاصة ان المصادر القانونية للتشريع المسيحي المتمثلة في الكتاب المقدس والدسقولية بل وحتى قوانين المجامع المعترف بها اقرت صراحة الطلاق لسبب واحد امام تشريع كامل للمحبه في جانب قضية التبني !

فيكون من الطبيعي ان قضية التبني في التشريع وفي لائحة الاحوال الشخصية ليست قضية سلطوية تحتكم الي النص والتشريع مثل قضية الطلاق فيكون من المنطقي ان يتم التغاضى عنها حيال رفض شركاء الوطن لها حسب تشريعهم فلم يتعارض الرفض وان تعارض القبول.

وفي النهاية نجد ان المعارضين والمهاجمين دون سند او دليل ان وفروا جهدهم المبذول في الاعتراض والهجوم المثير للفتنة والطاعن في الكنيسة والمخالف للمجتمع بل ويكاد منبوذا من المجتمع سببه في أن يقدموا اليات لعمل المحبة مع الايتام اعتقد اننا سننفذ الوصية حرفيا.

وكلمه اخيرة ان كان أورد المشرع المصري بأن الأحوال الشخصية تشمل المنازعات والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص.. أو المتعلقة بنظام الأسرة.. كالخطبة.. والزواج.ز وحقوق الزوجين وواجباتهما المتبادلة.. والمهر والدوطة..ونظام الأموال وإنكارها.. والعلاقة بين الأصول والفروع.. والالتزام بالنفقة للاقارب والاصهار.. وتصحيح النسب والتبني.. والولاية والوصاية.. والقوامة.. والحجر.. والاذن بالادارة.. وبالغيبة واعتبار المفقود ميتا.. وكذلك المنازعات المتعلقة بالمواريث والوصايا.. وغيرها من التصرفات المضافة إلي ما بعد الموت.

وكانت المادة الثالثة من الدستور تتحدث عن احقيتنا في الاحتكام الي لوائحنا في الاحوال الشخصية حسب تشريعنا المسيحي فقد يكون التعارض الظاهر بين القضية التبني المسيحي والمادة الثانية هو تعارض ظاهر تحله المادة الثالثة . ولكن في النهاية المحبة تغلب في ظل عدم وجود نص التشريع المسيحي.
مينا اسعد كامل
مدرس اللاهوت الدفاعي


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter