ما حدث مساء أمس 8 فبراير 2015، من سقوط حوالي عشرين قتيلاً من الشباب، أمام بوابة ستاد بالقاهرة، تقام فيه مباراة لكرة القدم، ليس أكثر من حلقة مأساوية، من مسلسل مهازل الفوضى والفشل المصري. نشير هنا إلى فشل شعب بكامله، وليس فقط فشل ذريع لقياداته السياسية، وسائر قيادات مؤسساته. فما حدث ليس عملية إرهابية، تقوم بها عناصر داخلية أو خارجية، من الصعب توقع أو منع حدوثها، كما لابد وأن يترتب عليها ضحايا. فمأساتنا هذه حدثت أثناء ممارسة الحياة الاعتيادية للشعب المصري، بإقامة مباراة لكرة القدم. تلك النوعية من المآسي صارت أيضاً اعتيادية مصرياً، وصرنا نتابعها كما نتابع المسلات التليفزيونية مئوية الحلقات. لذا فتحليل ظروفها وملابساتها، يعد تحليلاً للحالة المصرية الآن بصورة عامة وشاملة.
ترجع مأساة ستاد الدفاع الجوي فيما نرى للعوامل التالية: • طغيان الهدف السياسي المظهري، لأن تبدو البلاد مستقرة، يحضر فيها الآلاف مباريات كرة القدم، على الدواعي الأمنية، التي كانت توجب توقف الدوري، أو إقامته بلا جمهور. بما يشير لافتقاد القيادات لكل من الرؤية السياسية السليمة، والإخلاص للوطن ومصالحه، تجاوزاً للأهداف والمصالح الشخصية. كذا محاولة تحسين الصورة المصرية أمام العالم، دون تحقيق الإنجاز الكافي لتحسين الأصل، أي الحقيقة على أرض الواقع.
• عدم قيام الأجهزة الأمنية بالتعامل القبلي الواجب مع قيادات الأولتراس، المحرضة دوماً على أعمال الشغب، والمستقطبة أو المنتمية لـ"حازمون" أو "خيرت الشاطر"، وهي الحقائق التي يعرفها الجميع. ما قد يرجع إلى تدني كفاءة الأجهزة الموكلة لها المهمة، أو اختراقها من قبل عناصر تستهدف هدم مصر على رؤوس أهلها، بالإضافة إلى ما هو واضح في أداء الدولة عموماً، من تردد وتخوف من المواجهة الحاسمة، لما يتحتم عليها مواجهته. • محاولة وإصرار الآلاف على دخول ملعب المباراة، دون أن تكون حاملة لتذاكر دخول، هو نتيجة لسقوط هيبة الدولة والشرطة لدى الجماهير، نتيجة لعوامل بعضها يرجع لما قبل هوجة 25 يناير. حيث تركت الدولة الشارع المصري، نهباً للبلطجة والعشوائية، يعيث فيه الجميع فساداً، كل على قدر طاقته وإمكانياته. ثم ما بعد 25 يناير، حين تجرأت الجماهير على الأجهزة الأمنية باسم الثورة، حرقاً لمنشآتها وآلياتها وقتلاً لأفرادها. هذا علاوة على سلوكيات الداخلية، التي استعصت على الإصلاح وإعادة الهيكلة والتقويم، والتي فاقمت عداء الشباب والجماهير لها، بعدما أهدرت حالة الانسجام والمصالحة التي صاحبت ثورة 30 يونيو. وطبيعي في جميع الأحوال، أن يكون من غير المجدي تسول الاحترام الشعبي، لأجهزة تفتقد لمقومات الاحترام، في ذاتها وسلوكياتها وأدائها.
• حالة الشد العصبي التي تنتاب الشعب المصري بعامة، والنزعة الصدامية المتفشية بين أغلب الناس، علاوة على حالة عامة من تدني الأخلاقيات، وافتقاد التهذيب والإنسانية. ونحن نرى هذا واضحاً في حياتنا اليومية، في سائر المؤسسات والأسواق، حتى في العلاقات الشخصية بين الأفراد والعائلات. • تدني كفاءة الشرطة قيادات وأفراد، في التعامل الأمني المهني مع التجمعات الجماهيرية. فسواء كان سقوط القتلى نتيجة نيران رجال الشرطة، أم نتيجة تدافع الجماهير لتدهس بعضها بعضاً، أو حتى نتيجة اندساس عناصر مخربة، قامت بهذا القتل لحساب جهة ما، كما توحي إلينا نظرية المؤامرة، التي تفتك بخلايا المخ، لدى كل من المسؤولين والشعب على حد سواء، وتكرس أجهزة الإعلام الداعر جهودها للنفخ في أبواقها، فإن النتيجة الأكيدة لأي من هذه الاحتمالات، هي الفشل الذريع لوزارة، مهمتها حماية الناس وليس قتلهم، أو الوقوف عاجزة وهم يقتلون.
• سوء الحالة الشخصية إدارياً وأخلاقياً لقيادات المؤسسات الرياضية، مما ينعكس تلقائياً على الجماهير مشجعة الكرة وعلى ردود أفعالها. هو الانحطاط الذي يداهم الشعب المصري، في جميع مستوياته الاجتماعية. أو فنلقل هي عدالة توزيع الانحطاط، بين مختلف طبقات الشعب المصري. • استمرارية الحالة المتدهورة في سائر المجالات، لدولة تبدو رخوة مرتعشة الأيدي، في مواجهة ظروف استثنائية، تحتاج أولاً للاستقامة باتجاه الأهداف الوطنية، ولقوة وحزم في الأداء، وهي صفات يتأكد يوماً فيوماً، افتقادها لدى القيادة السياسية، والقيادات الإدارية في المستويات الأدنى. يسندون كل المآسي للإخوان أو لأياد خارجية، ويظنون بهذا أنهم يبرئون أنفسهم، رغم أن هذا لو صح، وهو بالطبع صحيح جزئياً وليس كلياً، سيكون هو أكبر إدانة لهم ولفشلهم، وعدم صلاحياتهم لإدارة البلاد. أظن أن على السيسي الآن أن يسارع بطرد أغلب من حوله، والبحث عن شخصيات جديرة بإدارة البلاد، حتى لا نجدنا مضطرين لأن نقول له: أنت فااااشل، ولا تصلح لرئاسة جمهورية مصر!!
نقلا عن إيلاف