بقلم منير بشاى
لا جدال انه من حقنا ان ننتقد امريكا والغرب عندما يكون هناك مآخذ على سياستهم. ولا خلاف ان هناك مآخذ يمكن ان نجدها فيهم، فالكمال لله وحده. ولكن من ناحية العدالة البحتة فان هذا لا يعطينا الحق فى ان ننكر عليهم الخير الذى يفعلوه، او ان ننسب لهم الشر الذى لم يفعلوه.
من القضايا التى اثيرت مؤخرا: هل داعش صناعة امريكية؟ وهو سؤال لو وجه لأى عدد من الناس تم اختيارهم عشوائيا فى اى مكان من مجتمعاتنا العربية لكان جواب غالبيتهم دون دراية بالموضوع ودون تردد: نعم أمريكا هى التى صنعت داعش. واذا سالتهم كيف وصلوا الى هذا الاستنتاج؟ قالوا لأن أمريكا هى الشيطان الأكبر الذى يكمن وراء كل الشرور التى تحدث فى العالم.
يحدث هذا نتيجة كثرة ما يبث فى إعلامنا العربى من أناس أصبحت مهنتهم سب أمريكا ليلا ونهارا. والذى يحدث عند وقوع مصيبة فى العالم انها فى الحال تنسب الى امريكا ثم بعد ذلك يتم البحث عن دليل لاثبات علاقتها بامريكا فان لم يجدوا يتم تلفيق الأدلة لاثبات هذه العلاقة.
منذ ان قامت الجماعة الارهابية "داعش" بهجومهم المسلح واستيلائهم على مناطق فى العراق، سرعان ما امتدت الى سوريا، والناس يتساءلون: من وراء هذه الجماعة؟ كيف استطاعت جماعة صغيرة ان تحرز هذا الانتصار الكبير ضد قوات أكثر عددا وعتادا؟ وكان الاستنتاج السهل الجاهز عند الكثيرين أنه لابد أن يكون الغرب عامة وامريكا خاصة من ورائها. وواضح ان الهدف الخبيث كان ازاحة اللوم عن البشاعات التى ترتكبها هذه الجماعة باسم الاسلام والقائها على الغرب.
وقد قدم بعض الكتاب ما يعتبرونه الدليل القاطع على ان أمريكا هى التى صنعت داعش وهو اطلاقهم اكذوبة ان هيلارى كلينتون اعترفت بذلك فى كتابها الجديد "خيارات صعبة". ويقولون ان هيلارى بررت صناعة أمريكا لداعش بانها محاولة لتقسيم الشرق الأوسط.
وامتد التزوير الى ان ينسب لقداسة البابا تواضروس انه قال لصحيفة الموندو الاسبانية فى 24 ديسمبر 2014 ان بعض الدول الغربية افتعلت تنظيم داعش لتقسيم الشرق الاوسط الى دويلات صغيرة وضعيفة والهدف النهائى متمثل فى حماية اسرائيل وتطبيق نموذج تقسيم السودان فى سوريا والعراق.
من الواضح ان هناك من وظيفته ان يكذب ويزور ويستخدم نظرية المؤامرة التى تجرى مثل الدم فى عروق بعض الناس فى الشرق الأوسط ليقنع البسطاء بما يريدون.
بالنسبة للادعاء الذى يقول ان هيلارى قد اعترفت بضلوع الولايات المتحدة فى صنع داعش فقد صدر بيانا من السفارة الأمريكية فى بيروت ينفى هذا الكلام ويقول انه فبركة لا اساس لها من الصحة. ويضيف البيان " ما قالته هيلارى هو ان فشل الولايات المتحدة فى مساعدة المعارضة السورية قد أدى الى قيام تنظيم داعش" وبالنص الانجليزى:
“Failure to help Syrian rebels led to the rise of IS.”
معنى هذا ان داعش - فى راى هيلارى- قد جاءت كنتيجة لفشل أمريكا فى تنفيذ ما كان يجب عليها ان تفعله وهو تاييد المعارضة السورية. ومعنى هذا ان داعش لم تأتى نتيجة تخطيط أمريكى ولكن نتيجة فشل أمريكا فى التخطيط. اى ان داعش لم تأتى نتيجة رغبة أمريكية ولكنها جاءت ضد الرغبة الأمريكية. وسواء اتفقنا مع سياسة امريكا فى سوريا او لم نتفق، فمن الواضح ان هيلارى لم تقل فى كتابها ان امريكا صنعت داعش.
أما بالنسبة لما نسب لقداسة البابا تواضروس ان داعش صناعة غربية لحماية اسرائيل فقد نفاه جملة وتفصيلا مؤكدا " لم اقل هذا الكلام على الاطلاق ولم اذكر اسم التنظيم الارهابى مطلقا ولم اقل انه لحماية اسرائيل" واكد أن "زيادة حالة التطرف الدينى فى العالم بشكل عام سببه الجهل والغلو الدينى وقلة التعليم والتطرف. وبسبب السياسات الرخوة فان كل هذه الامور انتجت بيئة حاضنة للارهاب والعنف".
فى المقابل لابد من الاشارة الى ظهور تيار عربى اسلامى يعترف بالحقيقة. فقد قال الاعلامى عمرو اديب فى برنامجه "القاهرة والناس" فى سبتمبر 2014 "ماذا تفعل مصر لمواجهة التطرف على أرضها؟، بنعمل ايه علشان نحمى شبابنا؟ فين وجودنا على الارض؟ فين تصحيحنا للافكار؟ احنا بيطلع لنا اجيال من المتطرفين هتاكل الأخضر واليابس، وداعش جاية جاية، داعش صناعة مصرية".
وقال الداعية الاسلامى د. خالد الجندى "مشكلة الاسلام عربية وليست عالمية".
وقال الباحث الاسلامى اسلام البحيرى ان "تنظيم داعش هو صنيعة اسلامية خالصة" واضاف ان "قول بعض النخب المصرية ان داعش والقاعدة صنيعة امريكية كلام فارغ" وقال فى احدى حلقاته "مع اسلام" ان "داعش صنيعة قتل وتدمير لكل ما يخالف المسلم" مضيفا "لا تصدقوا ان داعش التى تقتل الناس صنيعة أمريكية بل هى صنيعة اسلامية ونتيجة لشرائط بن تميمة (فى قطر)".
وما دمنا فى معرض الكلام عن كتاب هيلارى كلينتون فهناك من يستند الى كتابها كدليل على أكاذيب اخرى. وفى هذا تقول د. منار الشوربجى استاذ مساعد العلوم السياسية والمتخصصة فى النظام الأمريكى "هى الأقاويل التى نسبت مؤخرا فى مصر لهيلارى كلينتون بمناسبة صدور كتابها الأخير "خيارات صعبة" والحقيقة ان بعض هذه الأقاويل بلغت فى نزقها درجة اللامعقول ولكننى لم اكن لأجرؤ على مناقشة تلك الأقاويل الا بعد ان اقتنيت الكتاب وقرأته".
وتضيف د. منار "من بين الأقاويل الزاعقة التى نشرت على لسان هيلارى كان انها وعدت مرسى باعلان دولة الخلافة فى 5 يوليو 2013 وان امريكا كانت على اتفاق مع الاخوان على ضم حلايب وشلاتين للسودان وفتح الحدود مع ليبيا من جهة السلوم وفجأة تحطم كل شىء." وتقول د. منار "وانا لا اعرف كيف يمكن لأحد دون ان يقرأ الكتاب ودون ان يوجد بالكتاب نهائيا اى من هذا التزييف ان يصدق كلاما من هذا القبيل".
وتضيف د. منار "كتاب هيلارى يفند اسطورة دعم أمريكا للاخوان حيث تروى بوضوح ما يؤكد ان العلاقة مع مرسى كانت علاقة براجماتية مع رئيس منتخب.
فأمريكا صاحبة مصالح حيوية ومن ثم ستتعامل مع اى من كان فى الحكم فى مصر، رغم انها كانت متوجسة طوال الوقت من الاخوان. وقد قالت هيلارى نصا فى كتابها ان ((الاخوان المسلمين فشلوا فى ان يحكموا بشكل شفاف وجامع واصطدم مرسى مرارا بالقضاء وسعى لتهميش معارضيه السياسيين بدلا من ان يبنى اجماعا وطنيا واسعا، ولم يفعل الكثير لتحسين الوضع الاقتصادى وسمح باستمرار اضطهاد الاقليات بما فى ذلك الاقباط)) وتلك ليست لغة من يدعم الاخوان او يتعهد لهم باعلان دولة الخلافة الاسلامية"
وبعد- لعل اكاذيب الاعلام العربى قد اصبحت واضحة. والدليل الذى حاولوا تقديمه لاثبات دعواهم قد انقلب عليهم وكشفهم. والنتيجة التى لابد ان نصل اليها هى ان الاعلام العربى لا ضمير له وخاصة فى القضايا التى تمس العالم الغربى. وان اى قول يصدر عن اعلامنا العربى يجب ان نفحصه جيدا قبل ان نصدقه، فالكذب عندهم قد اصبح هو القاعدة، والصدق هو الشاذ.
Mounir.bishay@sbcglobal.net