الأقباط متحدون - الصمت على ظلم النفوس .. وخطاب مفتوح للبابا تواضروس
أخر تحديث ٠٩:٠٠ | الخميس ١٩ فبراير ٢٠١٥ | ١٢ أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٧٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الصمت على ظلم النفوس .. وخطاب مفتوح للبابا تواضروس

البابا تواضروس
البابا تواضروس

سمير حبشـــــــــــــــــــى

     قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى
أبى يا مختار الله ، عندما تميد من تحت أقدام الإنسان الأرض ، ويشعر بأن شمس الحق قاربت على الخسوف ، وأن العدل يُغتال فى وضح النهار ، وأن جناحى الشر والغدر  يحاولان ستر  أنوار الحقيقة عن أعين الإنسان ، وتصبح الحياة مخيفة باهتة ، لا يُسمع فيها غير فحيح الأفاعى ، يبحث الإنسان دائما عن الإنقاذ ، ويصرخ فى طلب الاستغاثة ، ويبحث عن الصدر الحنون الذى يرتمى بين أحضانه ، ليجد الأمان والطمأنينة ، وبالتأكيد لن يجد الإنسان ضالته غير دفء أحضان الأب .. ولسعادتنا وفضل الله علينا ، أنه جعلنا أبناء كنيسة مبنية على الأبوة .. هذه الأبوة التى تبدأ بإبوتنا لله القدوس ، ثم تنحدر إلى من يمثلونه على الأرض ، وتتدرج بعمق مفهومها من قداسة البطريرك  إلى أصغر كاهن ، ولذلك نلقِب البطريرك بالبابا لكونه الأب الأكبر ، والكاهن بأبونا ، وعلى هذا فالبابا لابد من أن يحمل روح الأبوة في داخله من الله ، لأنه حينما يُعلن مختار الله عن أبوة الله للأبناء ، فلابد من أن تنبع من داخله كقوة ممنوحة له من الله ، تحمل في داخلها قوة أبوة الله ، لكي لا يكون كلامه لفظي ، بل فعل إلهي يشع منه ، لأن الأبوة ليست كلام ولا ألفاظ ولا عظات ولا رُتب ولا كراسي ولا مُسميات ، بل قوة تشع من الداخل ، قوة تم استلامها من رب المجد يسوع المسيح شخصياً ، كهبة وعطية من الروح القدس ، تجعل قلبه ينفطر حزنا لآلم أبنائه ويكون هو الحانى المضمد لجراحاتهم .

إلى مختار الله وثالث عشر الآباء الرسل قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى أطال الله لنا فى حياتك . لقد تقابلنا ، وكان لى الشرف أن أجلس مع قداستكم لمدة ثمانى ساعات متواصلة ، وفى حضور نيافة الأنبا باخوميوس .. كان قداستكم فى هذه الأيام أسقفا عاما ، أى أنه كان لى الاختيار فى أن اختاركم أبا لى أو أختار أبا روحيا آخر .. وكان قداستكم له كل الحق فى أن يحتضننى كابن له أو يرفض بنوتى .. ولكن بعد اختيار الله لك للكرسى المرقسى ، أصبح لا مفر لك من بنوتى ، ولا مهرب لى من أبوتكم ، وليس لكلينا غير المثول لاختيار الله المحبة .. و علاقة الإبن لأبيه يجب أن تكون خالية من الغش والرياء والمداهنة ، الصدق الكامل المغلف بدانتيل الحب والاحترام ، وإن شابه بعض " العشم " الذى قاعدته دالة البنوة.

والأب الروحي الحقيقي الذي من الله ، هو الذي يفتدي أولاده بحياته باذلاً نفسه من أجلهم حتى الموت ، والأبوة الحقيقية بهذه الصورة نراها قوية ساطعة في أبوة الله لنا ، إذ بذل ذاته في ابنه حتى الموت موت الصليب ، وافتدانا من الموت لنحيا له .. وقد اختارك الله يا أبى لتحمل على أكتافك نير هذه الأبوة ، وهذه المسئولية المقدسة .. وتتسلم عصا الرعاية لتتمثل بالراعى الصالح ، الذى يترك التسعة والتسعين ، ويبحث عن الخروف الضال ، وليس الضال روحيا فقط ، بل يبذل روحه ويجعلها رخيصة فى سبيل أن يعيد العدل فى حياة أحد أبنائه ، لأنه ما أقسى أن يشعر الإبن  بالظلم ، ولا يجد يد الأب الحانية تربت على كتفه ، لتزرع الطمأنينة فى قلبه ، وما أقساها من لحظه التعرض للظلم ، وما أصعب ان تُظلَم وانت لست بظالم

أبى يا مختار الله :  كم من أبنائك باتوا وفى أعينهم الدموع تستدر الدموع .. تنظر حولها لتجد الهواء يُعجن بأنفاس الموت .. ولا يحاول أحد تضميد جراحات الجسد ، ولا يشعر أحد بجراحات القلب .. وتمر الأيام وتتوالى تصريحات قداستكم ، التى دائما ما تسر قلب الحاكم ، وتزيد من جراح قلوب أبنائك ، والمفروض  أن لا يغفو قلب الأب ، إلا بعد أن تغفو جميع القلوب .

الصمت المريب حيال عذابات أقباط مصر  قد طال ، وطالت علامة الإستفهام حتى أصبحت تناطح برج القاهرة ، أين قداستكم من خطف الفتيات القاصرات والسيدات من بناتك الأقباط .. أين قداستكم من خطف الأقباط طلبا للدية .. أين قداستكم من التهجير القصرى وأبشع أنواع الظلم ، وأسرة عين شمس كمثل قائم للظلم الذى لا يتحمله إنسان ، والذى قام بفعله قيادات الشرطة المصرية .. أين قداستكم من أسرة  إمبابة ، التى طُردت من منزلها ، وتعرت نساؤها أمام الجميع ، وكاد الإعتداء الجنسى أن يحدث لأحد بناتها العروس ، التى كانت تنتظر زواجها بعد أسبوع .. أين قداستكم من أبنائك الذين يُتهمون زورا بإزدراء الإسلام ، ليكون مصيرهم السجن والتعذيب والإهانات اليومية ، وأنت تعرف براءتهم المؤكدة .. فى الوقت الذى يهان أقدس المعتقدات المسيحية كل يوم ولا يُتهم أحد .  لقد كرًم السيسى السيدة التى تبرعت بقرطها الذهبى وذهب إلى بيتها ، وكرًم الطفلة التى تبرعت لمشروع القناة وذهب إلى بيتها،  وقام بزيارة الفتاة صاحبة حادثة التحرش فى ميدان التحرير وقدم لها الورود ، وأغمض عينيه عن أسرة كاملة ، تعرت أجساد السيدات جميعهن أمام الجميع ، وحدث لهن ما هو أكثر من تحرش ، وأغمض عينية عن توسلات طفلة تناديه بعمى السيسى أريد أن أرى أمى المخطوفة .. وعلى فكرة أمها هى ابنتك .. ألم تتحرك عواطفك أمام هذا الكم الهائل من الظلم والجرائم التى تحدث لأبنائك كل ساعة وليس كل يوم .

أبى مختار الله إلى متى ستظل تستعمل سياسة ودن من طين وودن من عجين ، وسياسة الأبواب المغلقة ، والتى تُستخدم فى اجتماعات الأربعاء أو فى زيارتك للإسكندرية ، أو فى أى لقاء والتى ترفض فيها التواصل والرد على أسئلة الحاضرين ، وربما شكواهم باعتبارك البابا الراعى والمسئول عن الرعية ، ولكنك اصطحبت تلك الأبواب المغلقة معك حتى إلى هولندا، مما سبب غضب الشباب القبطى هناك ، حيث أُعلن رفضك دخول عامة الشعب لمؤتمر هولندا ،  حتى لا يلتقى الأقباط من كنائس أوروبا ، الذين يعانون من شكاوى مربكة لقداستك ، خاصة من أقباط باريس ومارسيليا واليونان وغيرها .

أبى مختار الله : متى يشعر أبناؤك أن لهم أب يزأر فى وجه الذئاب والنمور المفترسة .. كنت أتمنى أن أسمع دائما فى المانشتات الإخبارية عن قداستكم ، أن قداسة البابا قد أرسل فى طلب أهالى الشهداء ، أو الأهالى المهجرة قصريا وبلا مأوى ، بدلا من أن يقال لقد استقبل قداسة البابا أهالى كذا وكذا .. ودائما يتم هذا بعد أن يفترشوا الأرصفة بالأيام أمام الكاتدرائية .

يا أبى إنهم يصلبون المسيح مرة أخرى كل يوم فى صورة أبنائك ، فلا تنسى أن الرب نفسه سلمك روح الأبوة في شخصه الحي ، إذ بذل نفسه وأخلى ذاته واحتمل الآلام وأطاع حتى الموت موت الصليب ، لكي يفدينا من الموت ، أظهر نحونا روح أبوة الآب الحقيقية ، أعطانا المثل الصادق لنتعلم منه هذه الأبوة ، في هذا البذل وقوة الحب القادر أن يجعلنا آباء نحتمل الآلام حتى الموت ، من أجل الأبناء كما صنع هو تماماً من أجلنا.

أبى مختار الله سأنتظر دوماً وجودكم ..   سأنتظر دوماً حلماً يحمل ضياء إبوة الجالس على كرسى مار مرقس .. سأنتظر دوما لحظة صدق تحمل عبير كنيستى أم الشهداء .. ورغم تقصيركم  .. دوماً فى قلبى حبكم  ..
 
هذه المقالة كتبت قبل أحدث ليبيا بثلاثة أيام ..
أننى أؤمن بأن حتى بعد أحداث ليبيا يجب أن نعطى هذه الكلمات بعض الإعتبار لأنها تتكلم عن حقيقة نعيشها ...
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع