د. عبدالخالق حسين
لنتحدث بصراحة، ونسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية ودون لف أو دوران. إن من سوء حظ المكون السني أن تسلط فلول البعث الفاشي على قيادته. والبعثيون لا يشرفون أحداً يرتبط بهم، إذ كان المطلوب بالمكون السني التبرؤ من هذه الفئة الفاشية الضالة التي أهلكت الحرث والنسل ودمرت العراق، فكما قال الجواهري: (أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا) .
ورغم أن غالبية "داعش" هم من البعث، إلا إنه يضم في صفوفه أناس تحركهم الأيديولوجية الإسلامية الوهابية، وعلى عجلة من أمرهم في لقاء حور العين والولدان المخلدين، هدفهم بث الرعب في صفوف خصومهم، وكل من لا يبايعهم ولا يوافقهم على جرائمهم، وبالأخص إذا كان من أهل السنة العرب، فبارتكابهم الإرهاب ضد العرب السنة يحققون هدفين بحجر واحد. الأول، معاقبة أهل السنة الذين لا يسيرون في ركابهم، والثاني، لإشعال الفتنة الطائفية بإلقاء تهمة قتل السنة على الشيعة.
ولداعش تاريخ حافل بمثل هذه الجرائم، ففي العام الماضي، وبعد جريمة تفجير مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى، والتي راح ضحيتها نحو 30 شهيداً وإصابة 20 من المصلين السنة، انطلقت المشاعر العدوانية بلا أي قيد أو حياء من ممثلي المكون السني في العملية السياسية، بتوجيه الاتهام إلى الشيعة والمليشيات الشيعية، بل وتم تحديد واحدة منها وهي مليشيات التيار الصدري. راجع رابط مقالنا في الهامش (1). وعلى أثر هذه الجريمة "اعلنت كتلتا (ديالى هويتنا) برئاسة سليم الجبوري، و(ائتلاف القائمة العربية) برئاسة صالح المطلك، انسحابهما من مفاوضات تشكيل الحكومة...."
وبعد أيام من تلك الجريمة، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها وقال في بيان على موقعه في "تويتر"، إن "تفجير الجامع وقتل المرتدين جاء بسبب رفضهم مبايعة الخليفة ابي بكر البغدادي". واضاف مهدداً: "اننا سنكرر هذا العمل في أي مكان وضد أي جهة ترفض مبايعة الخليفة". (نفس المصدر-1). والملاحظ أن الدواعش يعتبرون أهل السنة الذين لا يبايعونهم "مرتدين" وذلك لتبرير قتلهم.
ثم تكررت الجريمة في قتل أئمة مساجد أهل السنة في مدينة الزبير/ محافظة البصرة، لتلحقها نفس الصيحات الطائفية من القيادات السياسية السنية في الشحن الطائفي، والتهديد بالويل الثبور وعظائم الأمور ضد الشيعة وقياداتهم السياسية. وبعد أيام اعترفت (داعش) بمسؤوليتها عن الجريمة وأنها كانت عقاباً لهؤلاء الأئمة لأنهم أدانوا في خطبهم جرائم داعش، ورفضوا مبايعة خليفتهم الذي صار مسخرة العالم.
وأخيراً وليس آخراً، تكررت الجريمة قبل أيام بـ"اختطاف النائب زيد الجنابي ومقتل عمه قاسم كريم سويدان وافراد حمايتهُ". ومرة أخرى، انطلقت صيحات وهتافات الشحن الطائفي، ولكن الأدهى هذه المرة أنها حصلت بحضور السيد صالح المطلق، نائب رئيس الوزراء، ورئيس كتلة سياسية، إثناء مراسيم التشييع، على شكل شتائم بذيئة ودون أن نسمع صوتاً من عاقل ليخرس أهل الفتنة. (راجع الفيديو في الهامش-2)
والمفارقة أنه بعد اختطاف النائب زيد الجنابي وإطلاق سراحه، ومقتل عمه وحمايته، "قررت المحكمة الاتحادية العليا نقض مصادقة مجلس النواب على عضوية 3 مرشحين بينهم النائب زيد الجنابي"(3). ومن العراقيين أن يسألوا: لماذا وكيف تم إطلاق سراح زيد الجنابي واكتفى الجناة بمقتل عمه وحمايته؟
ومرة أخرى، وبعد كل هذا الشحن الطائفي بلا خجل أو حياء، أصدرت داعش بياناً اعترفت فيه مسؤوليتها عن الجريمة، "وقال التنظيم في بيان نشره موقعه الرسمي في (تويتر): "أن حادثة الاختطاف جاءت بناءاً على تصريحات النائب الاخيرة ضد تنظيم "داعش”، فضلا عن استقباله في منزله مواطنين من مختلف الطوائف من اجل الاستماع الى معاناتهم. واضاف، اننا سنكرر هذا العمل في أي مكان وضد أي جهة تخالف اوامرنا وتتجاوز على التنظيم بتصريحات اعلامية او غيرها.."(4)
فأية وحدة وطنية هذه التي نطالب بها؟ وهل هناك أمل في بث الحياة في هذه الوحدة التعبانة؟
لذلك، نهيب بعقلاء أهل السنة أن يحاولوا تطهير صفوهم من السفهاء الذين ديدنهم تمزيق الشعب ووحدته الوطنية، فجميع المحاولات السابقة في الاعتماد على الإرهاب ومنظماته من فلول البعث والقاعدة وداعش، لم تجلب لهم سوى القتل والدمار والتشريد، إذ كما قال الشاعر العربي:
لا يصلـح النـــاس فـــوضى لا ســراة لهـم..... ولا ســراة إذا جهــالهم ســادوا
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/