مهندس عزمي إبراهيم
شهداؤنا على أرض ليبيا.. هم شهداء مصر وفخر مصر.
شهداؤنا ليسوا فخراً للإيمان المسيحي فقط. وليسوا فخراً وذخراً للكنيسة الأورثوذكية المصرية فقط. شهداؤنا فخرٌ لكل من يتخذ الإنسانية إيماناً وعقيدة. وكل من يحتضن الإنسانية في أعماق قلبه وفي سلوكياته.. حياة وسبيلاً وغاية ووسيلة. شهداؤنا دليلٌ حيّ على أرض الواقع على صلابة المصري الفرعونيّ الجذور (مسلم ومسيحي ومِن أي دين ومَن بلا دين). وهم فخرٌ لمصر أمّهم وحاضنتهم وحاضنة أجدادهم من قبلهم. فهم مصريون أصلاً وقلباً وقالباً.
شهداؤنا كانوا عاملين منتجين شرفاء يكتسبون رزقهم بعرق جبينهم، بعكس من ذبحوهم، هؤلاء المرتزقة المأجورين بالأموال والغنائم التي اكتسبوها بل سلبوها سرقة ونهباً من المناطق التي استعمروها قسراً، ومن مستأجريهم ومموليهم: تركيا وقطر والسعودية الوهابية منبع التطرف والإرهاب ومصدِّرته للعالم.
شهداؤنا كانوا ودعاء طيبين مهذبين مسالمين لم يحملوا سلاحاً ولم يضمروا شراً لأحد، ولم يشكّلوا خطراً على أمن ولا وطن ولا بشر. بعكس من ذبحوهم، هؤلاء المجرمين الذين يعيثون في الأرض فساداً وفي البشر سفكاً وذبحاً وحرقاً وتفجيراً واستيلاب أرضٍ وهتك عرضٍ.
شهداؤنا.. نحزن لفراقهم، ونحزن للطريقة التي تعامَلَ الإرهلبيين الجبناء معهم. ونحزن أيضاً لما تعانيه عائلاتهم (أباء وأمهات ثكالى وزوجات أرامل وأبناء يتامى) حزناً على فقدان أحبابهم الذين قبلوا الأغتراب والحياة في مجتمع يموج بالفوضى والبغضاء والعنف والخوف والقسوة ليبحثوا عن فرص العمل الشريف ليعولوهم في مصر.
شهداؤنا.. نحزن لفراقهم ونأسى لما حدث لهم... ولكن عندما تدوس قدم الشرير الأحمق ورود مصر ستظل الورود تغمر العالم بعبق رحيقها الطيب. ربما يفخر الشرير بأنه انتصر حيث داس أوراقها الرقيقة تحت قدمه الغاشم، ولكنه... لم، ولا يمكنه أن يوقف عبق رائحتها وعبيرها الشيق وعطرها المقدس.
نعم، نحزن على فراق أحبابنا، لا على أن الموت نالهم. فنحن لا نخاف الموت، فالموت حق، سيناله كل إنسان إن عاجلا أو آجلا. الأنبياء ماتوا، والملوك ماتوا، وحتى الأطفال الرُّضَّع يموتون. وصدق قول الحكيم "من لم يمت بالسيف مات بغيرهِ". وفي الإيمان المسيحي، لمن لا يعرف، موت الجسد ليس موتاً، إنما هو انتقال لبدء حياة أفضل، عبورٌ من حياة الشقاء إلى حياء البقاء. وما يجب أن نفرح له أن شهداؤنا وصلوا قبلنا إلى رحاب الله خالقهم ليبدأوا حياة أفضل، مكللين بإكليل الشهادة الحقة، يشفعون لنا لدى إلهنا. وسيستقبلوننا يوماً في رحابه القدوس.
إنما الموت الحقيقي فهو موت الروح. وهؤلاء الإرهابيين ذوي الأقدام الغاشمة التي داست الورود النقية في مصر وفي ليبيا والعراق وسوريا هم موتي في حياتهم، لأنهم فقدوا أرواحهم عندما استمرأوا الشر ديدناً، واتخذوا الإرهاب عقيدة، واتبعوا المبادئ الفجة التي لا ترضي الله ولا تحتضن الإنسانية. ستظل روح المسيحي، حاملة عطر الإيمان والحب والرحمة والطيبة والسماحة والإنسانية، ستظل تغمر العالم بعبق رحيقها الطيب رغم أقدام العتاة وسكاكين الغاشمين وتكبيرهم المخادع لله ذاته.
هؤلاء العتاة، موتي الضمائر، فقدوا أرواحهم وضمائرهم وإن بدوا أحياءاً في أجسادهم. ظنوا أن ما فعلوه مع الأبرياء الودعاء المسالمين الغير مسلحين نصراً. إنه في نظرهم وفي نفوسهم المريضة نصر. ولكنه نصر عصابات ولصوص دموي إجرامي مُخزيّ غير مُشرف لهم ولا لدينهم.
من هم الأبطال حقاً ومن هم الجبناء؟؟ ومن هو المنتصر حقاً ومن هو المهزوم؟؟
شهداؤنا هم من انتصروا. وقفوا وقفة التمسك بالإيمان الحق أمام قاتليهم وتحت سكاكينهم. عظيم هو الإيمان الحق. الإيمان الذي لا يحيد ولا يضمر ولا ينكمش ولا يذبل ولا يرائي ولا يتملق ولا يداهن تحت ضغط العتاة اللا آدميين وتعذيبهم وسكاكينهم حتى الذبح وفقدان الحياة. عظيم هو الإيمان الحق الذي لا يسقط حتى ساعة فراق الجسد وصعود الروح. فالروح المؤمنة بالحق لا تموت تحت أيادي العتاة اللا أدميين. ولكنها تطير إلى خالقها طاهرة بريئة لا يدنسها شائبة من جبن أو خوف أو ضعف أو حتى تردد، متوجة باكليل الشهادة. هؤلاء هم الأبطال، من حموا إيمانهم بألسنتهم وبقلوبهم وأرواحهم حتى النهاية.
أما من احتاجوا لحمل السيوف والسكاكين والقنابل والمدافع والصواريخ والأسلحة الآلية ليثبتوا أو ليحموا إيمانهم اللا إنساني، أو ما يدعون أنه إيمان. فهم الجبناء وهم المنهزمون!! وما أضعف الإيمان الذي يحتاج لحماية من تابعيه بأسلحة نارية دموية مفجّرة مدمّرة للبشر والبشرية!!
شهداؤنا ليسوا فخراً للإيمان المسيحي فقط. وليسوا فخراً وذخراً للكنيسة الأورثوذكية المصرية فقط. شهداؤنا فخرٌ لكل من يحتضن الإنسانية إيماناً وعقيدة. شهداؤنا فخرٌ لمصر. من أجلهم، ومن أجل وحدة مصر ومجد واستقرار مصر، فلنتحد مصريين، مسلمين ومسيحيين ومن أي دين ومَن بلا دين.
ولننفض نوازع التطرف والبغضاء والانقسام والتمييز من فكرنا ومن قلوبنا ومن سلوكياتنا ومن مجتمعنا، ونؤمن أننا كلنا واحد في مصر. ونقف خلف قائدها البطل الأمين الرئيس عبد الفتاح السيسي. ونضع كل ثقتنا فيه وفي قراراته من أجل مصر.