طالعت، كغيرى من المصريين، حركة تعيين المُحافظين الجُدد («المصرى اليوم» 7/ 2/ 2015) فلم أعثر على اسم قبطى واحد، أو امرأة واحدة، علماً بأن 51% من سُكان مصر هم من النساء، وأن 15% من سُكان مصر هم من الأقباط.
فإذا جمعنا النسبتين فإنهما تصلان إلى 65%، أى ثلثى عدد المصريين. فكيف يتجاهل عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، والمهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، واللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، ثلثى سُكان مصر المحروسة. هل هو جهل أم هو غباء أم هو تعصب؟ وإذا كانت هذه هى نفس مُمارسات ما قبل ثورتى 25 يناير 2011، ويونيو 2013، فكيف تستمر هذه المُمارسات بعد ثورتين، خلال الفترة من 11 فبراير 2011 إلى 3 يوليو 2013، أم هل نحتاج إلى ثورة ثالثة لكى يحصل ثلثا المصريين على تمثيلهم العادل فى المواقع النيابية والتنفيذية؟
فيا سيسى، ويا محلب، ويا لبيب، كيف لا تنسون تمثيل المؤسسة العسكرية، التى عينتم منها ثلاثة مُحافظين، ولا تنسون المؤسسة الأمنية- الشُرطية، التى عينتم منها ثلاثة محافظين، وتتجاهلون أقباط مصر ونساءها؟
لقد دعونا من قبل («المصرى اليوم» 22/ 1 /2015) إلى انتخاب المحافظين، ورؤساء المُدن، وعُمد القُرى. وسُقنا فيما سُقنا من حيثيات لهذا الاقتراح أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن السياسة فى حقيقتها وجوهرها لابد أن تبدأ من المحليات. فالمواطن العادى لا يرى الحكومة إلا من خلال ما تقدمه له من خدمات يومية، بدءاً من الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وتوفير السلع فى الأسواق، إلى الأمن والنظام فى الداخل المصرى، وحماية ورعاية المصريين خارج الحدود.
ولكى لا يحتكر القيام بهذه المهام الأدعياء أو المُدعون باسم الشعب، اهتدت البشرية منذ أثينا القديمة إلى مبدأ أن يحكم الشعب نفسه. وهذا هو المعنى الحرفى لمصطلح الديمقراطية، التى تتكون فى أصلها الإغريقى من كلمتين، هما: ديمو (Demo) أى الناس، أو الشعب، وكراسى (cracy) أى الحُكم. فالديمقراطية هى إذن حُكم الشعب لنفسه، إما مُباشرة، كما كان يحدث فى المُدن اليونانية، حيث يجتمع كل الناس فى ميدان عام، ويتم عرض كل القضايا العامة عليهم، ويستمعون إلى وجهات النظر المختلفة حول أنسب الحلول لها، ثم يصوتون على كل منها، ويؤخذ برأى الأغلبية.. ولكن مع زيادة عدد السُكان، وتوزعهم على قُرى ومُدن عديدة، ولصعوبة أو استحالة جمعهم فى مكان واحد، اهتدت البشرية إلى نظام الممثلين أو المندوبين عن كل تجمع بشرى، وهؤلاء المندوبون هم الذين يُناقشون ويتخذون القرار نيابة عن بقية المواطنين فى مدينتهم أو محافظتهم، أو مجتمعهم كله، بمُدنه وقُراه، وهو ما يُعرف فى أدبيات العلوم الاجتماعية بالديمقراطية غير المُباشرة.
ومع ذلك، ظلت الروح الديمقراطية تحرص على التمثيل المتوازن لمن يتم اختيارهم للمواقع التنفيذية. من ذلك أن الرئيس المُنتخب فى بُلدان مثل أمريكا وكندا والبرازيل وروسيا يُراعى فى اختيار الوزراء أو حُكام الولايات أن يكونوا بقدر الإمكان ممثلين لفئات المواطنين المختلفة: نساء، عمال، مهنيين، والأقليات العِرقية.
ومن هنا، كان ما سمعته شخصياً من نقد الإخوة الأقباط والنساء لعدم تعيين مُحافظ أو أكثر من صفوفهم، هذا فى الوقت الذى تمثل فيه الفئتان المذكورتان، كما أسلفنا، ثلثى عدد سُكان مصر المحروسة.
أكثر من ذلك، أن هاتين الفئتين تحديداً هما اللتان انتفضتا فى 30 يونيو، أكثر من أى فئات أخرى فى المجتمع. هذا فى الوقت الذى تسهم فيه الفئتان المذكورتان بنصيب وافر، يتجاوز الأغلبية، فى كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن الذى لا يعرفه معظم الناس أن إحدى هاتين الفئتين، وهى أقباط مصر، يُساهمون بحوالى 40% من إجمالى الناتج الاقتصادى القومى المصرى، أى بأكثر من ثلاثة أمثال نسبتهم فى إجمالى سُكان مصر، ناهيكم عن أنهم الأكثر تعليماً وتمثيلاً فى المهن المتميزة. من ذلك أنه بينما تصل نسبة ذوى التعليم الجامعى فى عموم السُكان إلى 11%، فإنها تصل إلى حوالى 40% بين الأقباط. وهو ما ينعكس إجمالاً على تمثيل الأقباط فيما يسمى كليات القمة- مثل الطب والهندسة والصيدلة وطب الأسنان- وبالتالى فى المهن التى تتطلب هذا النوع من التعليم.
وليت الأمر فى تجاهل التمثيل العادل للأقباط يقتصر على الوزراء والمحافظين، ولكنه يشمل أيضاً تجاهلاً مُماثلاً فى بعض المؤسسات، مثل قيادات القوات المسلحة بأفرعها الأربعة (الجيش، والطيران، والبحرية، والدفاع الجوى)، وكذلك جهازا المخابرات والأمن الوطنى. وكأن الرسالة الضمنية لأقباط مصر هى أنهم ليسوا محل ثقة كافية لشغل مواقع عُليا فى هذه المؤسسات التى جرى العُرف على تسميتها المؤسسات السيادية!. وبالمناسبة، لم يثبت فى أى من قضايا التخابر التى تمس الأمن القومى ضلوع أى من أقباط مصر فيها!
هذا فى الوقت الذى صادفت فيه أقباطاً مصريين من طُلابى السابقين، الذين هاجروا مع ذويهم إلى الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، خلال العقود الأربعة الماضية، وقد التحق بعضهم بالسلك الدبلوماسى فى تلك البُلدان، ووصلوا إلى درجة سفير فيها.
بل أكثر من ذلك أننى صادفت منذ ثلاث سنوات جنرالة مصرية، من أصل قبطى، فى الجيش الأمريكى، وحينما ذكرت هذه الواقعة لعدد من قدامى العسكريين المصريين كان يُسارع كل منهم بذكر اللواء فؤاد عزيز غالى، أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، والذى عيّنه الرئيس أنور السادات فيما بعد مُحافظاً لجنوب سيناء. ولذلك أصبحت أطرح السؤال كالآتى: باستثناء الحالة اليتيمة لفؤاد عزيز غالى قبل ثلاثين عاماً، هل سمعتم عن محافظ قبطى، أو مسؤول قبطى فى المخابرات أو الأمن الوطنى؟
لقد استن دستور 2014 سُنة حسنة، بالنص على تمثيل مُناسب للمرأة والأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة فى البرلمان، وتتنافس الأحزاب فى الوقت الحاضر، قُبيل إقفال باب الترشيح للبرلمان القادم، فى البحث عن مرشحين من هذه الفئات لتنضم إلى قوائم مرشحيها. فهل نحتاج إلى تعديل وإلى نص دستورى لتعيين الأقباط فيما يسمى الأجهزة أو المؤسسات السيادية؟!
وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع