الأقباط متحدون - يابحر ياغدار !!
أخر تحديث ٠٨:٠٨ | الأحد ٢٢ فبراير ٢٠١٥ | ١٥أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٨١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

يابحر ياغدار !!

مدحت بشاي

medhatbe@gmail.com

في زمن حكم الطاغية الديكتاتور الجاهل معمر القذافي ، لم يفهم أو يدرك قيمة أن تطل ليبيا على البحر الأبيض المتوسط بشاطئ ليبي هو أطول من أي بلد أفريقي مطل علىه ، اذا يبلغ طوله 1،770 كيلومتر ( 1،100 ميل). حيث يوجد جزء من البحر الأبيض المتوسط شمال ليبيا يسمى البحر الليبي. .. لم يدرك القيمة السياحية والاقتصادية لتلك الشواطئ الجميلة في تكوينها الطبيعي الرباني الرائع وقربها جغرافياً من الشواطئ والموانئ الأوروبية ..

لقد عشت في تسعينات القرن الماضي على أرض مدينة "سرت" التي دنسها بأقدامهم أهل السفالة والإجرام "داعش".. نعم أقول" دنسها" لأن تلك المدينة يسكنها بشر طيب نقي ، بسطاء كرماء بالضيف رعاة وبدو تفاعلوا على استحياء مع معطيات العصر وإن احتفظوا بتقاليدهم المتحفظة ، حتى أن نفر قليل منهم من تعامل مع الشاطئ الذي يلف حول المدينة الصغيرة حتى أنها تبدو كشبه جزيرة ، لا للسباحة ولا حتى للخروج لشم نسيم البحر في عز الصيف ، إنما فقط لصيد " الحوت" .. هكذا يطلقون على الأسماك هناك ، وهم إلى حد كبير لايعشقون أكل الأسماك كأهل السواحل لدينا ولكن بحكم تلاقي ثقافات الناس هناك مع عرب وأجانب يعيشون معهم ..

كنت أخرج إلى البحر وزوجتي وكأننا من المجانين ، نختلس النظر إلى البحر ونحن بكامل ملابسنا الرسمية وعقولنا أيضاً كاظمين الغيظ في كمد على أرض خلاء إلا منا ، نُبص على المخلوق الغريب ده ، ونفتكر لما كنا نصاحبه ونطمن له وفجأه نلاقيه يثور في وشنا ، تلك المياه السحرية الزرقاء اللي فيها من صفات خالقها الكتير فهي المانحة المانعة .. الهادية الغاضبة ، المفعمة بالأسرار والحكم الكونية ، ولكننا في النهاية نقع في عشق سحرها ..ومع كل ده لم يكن الليبي يعنيه من أمر البحر أي شئ إلا عندما نقلت شاشات الدنيا كيف تلونت بدماء أخوتهم المصريين بسيوف وحوش الكراهية ، فعرفوا لأول مرة أن هناك رسالة لهم من البحر كان ينبغي أن تصلهم قبل أن تتعكر زرقتها بلون الدماء البشعة ، أن استفيقوا يا أهالينا من غفلتكم فالكون بات يرسل لكم الحمم والبراكين والعواصف الشريرة ، وما عاد الانتظار العاجز ممكناً قبوله..

نعم ، إنه الانتظار العاجز الذي يذكرنا بما جسده بطل فيلم " رسائل البحر" للمخرج السينمائي الرائع " داود عبد السيد" ففكرة العجز, والحيرة فى عالم مُعاد قاس لا يعرف الرحمة , التي واجهها (يحيى) الشاب الحساس الساذج الذى تخرج ليصبح طبيبا, ولكنه لم يستطع مزاولة مهنة الطب بسبب مشاكله فى التواصل (اللفظى, وأيضا الإنسانى) ، هي حال أهل "سرت" ، بل وحال شهداء تلك المجزرة البشعة عندما رمتهم موجات بحار بلادهم على شطأن العجز والحيرة والندامة ليلقوا حتفهم بسكاكين حيوانات زمن الانقطاع المعرفي والثقافي والفكري والحضاري ..

وكانت رسائل البحر الدموية  لتتار العصر أننا أتينا لنصلب المسيح من جديد .. أتينا لحرق رسائل السلام والتحضر والجمال والحق والخير .. نحرق من جديد كتب ابن رشد ونغرق في اليم متاحف الحضارة ..
أتى تتار العصر وخونته بضحاياه على شاطئ البحر المهجور من مواطنيه الأصليين ، ولكن البحر هذه المرة أرسل برسائل يمكن قراءة فحواها ، وليست تلك التي وصلت لبطل فيلم "رسائل البحر" فأقنعة الجبناء قد سقطت وكشفت عن قبح الوجوه وشراسة الملامح ..

الحدث في منتهى البشاعة والخسة ، وحيث التصورالمريض للقتلة  أنهم بذك يمهدون لبداية إنشاء دولة الخلافة أوحتى مناطق وجود ونفوذ "داعشية" (،عبر تمكنهم من تواصل جرائمهم بشكل متلاحق في مناطق متعددة) يمثل في الواقع صورة بشعة لتخلف أمة قررت أن تعلن عن بداية الانحدار الأكثر بشاعة لو تحقق لهم ــ لعنة الله عليهم ــ ذلك الحلم الكابوسي ..
لقد كانوا يتصورون أن تلك الضربات الحيوانية المتوحشة ستكون مؤثرة في إضعاف الحالة النفسية للمواطن المصري وهزيمة روح التحدي لديه من جانب ، ومن جانب أخر النجاح في إثارة الفتنة الطائفية بين الناس ، وكمان تشتيت جهود قوات الأمن والجيش في ملاحقتهم في العديد من المواقع ، وبالتالي زيادة الأعباء الملقاة على عاتقهم داخل وخارج الوطن "، وأيضا كانوا يثصورون أنهم سيحدثون وقيعة بين ليبيا ومصر وإثارة خلافات ونزاعات على الأرض ، والأهم أنهم كانوا يريدون اثبات أنهم موجودون في كل ارجاء العالم العربي..

ولكن جاء رد الفعل المصري أكثر من رائع وسريع ومؤثر على مستوى الوطن وعالميا ، ولأول مرة منذ أحداث يناير يستشعر أهالي الضحايا والشهداء في حادث إرهابي ما أن هناك دولة يومها مش بسنة كالعادة في تحقيق القصاص وإلى حد قال البعض رُب كارثة كان من الضرورة بمكان أن تحدث للأسف لإعادة اللحمة الوطنية ، وكمان رفع شعبية الرئيس في مرحلة نحتاج لمزيد من دافعيته وجهوده الرائعة في محاربة الإرهاب التي فوضناه لاجتثاث جذوره في الداخل والخارج من أجلها ، وكم كان قراره رائعاً بعد ساعات قليلة من مجزرة بحر" سرت" الداعشية أن تصل يد القصاص والرد على السريع الناجز الذي يليق بمكانة مصروهيبة العسكرية المصرية ، مما ساهم في تطييب المشاعروبلسمة الجروح التي أحدثتها سكاكين البشاعة والجهل والتخلف ..

ولكن يبقى الأمر الأهم ، ضرورة الذهاب بسرعة وبرؤية شاملة موضوعية لاستئصال بذور الفكر الداعشي في الداخل ، فهل يعقل ويمكن قبول أنه وفي نفس لحظة الضربة الجوية الرائعة على قوى داعش كان استقبال مؤسسة الرئاسة لرموز حزب مصر القوية واعتبارهم قوى سياسية ، وهم ينالون ببشاعة من جيشنا ورئيسنا ومن توجهات الدولة نحو دعم  أحزاب مدنية  (هتف أعضاء حزب مصر القوية وقياداته بشعارات بالية رخبصه ضد النظام والسخرية من إنجازات الجيش والشرطة والحكومة ) ، ياسادة إن أموال ومدارس وجمعيات ومستوصفات وإعلام وإصدارات وكتب وفكر" داعش " على الأرض المصرية لازال يعمل شراً ومواجهة تبعاته ، بل واستئصاله من الجذور هو التحدي الأهم والأصعب والمطلوب على وجه العجل ياهووووه!!

داعش أخذوا الضحايا لذبحهم على البحر مثلما فعل الخوارج بابن خباب بن الأرت الذى ذبحوه وألقوا بجثته على شاطئ البحر وبقروا بطن زوجته الحامل لأنه رفض أن يسب علياً بن أبى طالب !!!هل وصلت الرسالة يا أولى الأمر؟!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter