الأقباط متحدون - الخوف من النجاح والرغبة في الفشل
أخر تحديث ٠١:٠٧ | الأحد ١ مارس ٢٠١٥ | ٢٢أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٨٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الخوف من النجاح والرغبة في الفشل

علي سالم
علي سالم

ومن مزايا الفشل أنه يحميك من عبء الصراع مع الآخرين كما أنه يجنبك الإحساس بألم الهزيمة عندما تخسر معركتك معهم. لهذا تتاح فرصة النجاح لكثيرين غير أنهم يجهضونها ليشعروا بالراحة في حضن الفشل. هي راحة لا يعرفها إلا الفاشلون وربما لو عرفها الناجحون لما رغبوا في النجاح أو عملوا بجد على تحقيقه. ولضمان الفشل عليك أن تفكر في أي شيء بمواصفات فقيرة تعسة. احترس من كل ما هو جيد أو ممتاز.

ففي بلدي، أقدم بلد في التاريخ، ساد الانغلاق لسنوات طويلة، وفجأة حدث الانفتاح، سمح للناس بالاستيراد والتصدير، كما سمح لهم بالسفر إلى الخارج دون تأشيرة خروج، ثم تحولت بورسعيد إلى مدينة حرة. وبدأت رحلات اليوم الواحد للناس من مدن الوادي وقراه إلى بورسعيد ليشتروا ما كانوا محرومين منه أثناء فترة الانغلاق، ومنها الملابس، ظهرت مهنة جديدة تسمى تجارة «البالة»؛ ملابس قديمة تبرع بها أصحابها للجمعيات الخيرية في بلادهم فاستوردناها نحن وملأنا بها شوارع وحواري بورسعيد. لقد أتيحت لنا فرصة استيراد أعظم الأشياء فاستوردنا أسوأها. وكأننا في فترة الانغلاق كنا محرومين من ملابس الأوروبيين القديمة.

وتطورت مهنة بيع قطع إكسسوار السيارات، عشرات التجار استأجروا مئات الشبان وسافروا بهم إلى عواصم الغرب ثم هبطوا بهم كالجراد على مقابر السيارات في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، وأخذوا ينتزعون من جثث السيارات الميتة كل قطع الغيار التي يمكن حملها معهم إلى بورسعيد. هكذا ظهرت إلى الوجود تجارة جديدة اكتسبت اسما جديدا هو قطع غيار «استيراد».

مرة أخرى، تتاح أمام الناس فرصة استيراد ما هو جديد وطازج، فيفضلون القديم الذي سبق للآخرين استخدامه واستهلاكه طبقا لمواصفاتهم. قد تظن أن الفقر هو السبب في ذلك، الواقع أن السبب الوحيد هو الحرص على التفكير بمواصفات تعسة. وعلى فكرة، إنجاز أي شيء بمواصفات تعسة يكلف الخزانة المصرية مبالغ أكبر بكثير مما تتكلفه المشاريع التي تبنى بمواصفات ممتازة.

هذا المرض «الرغبة في الفشل» هو المسؤول عن موقف الشبان الإعلاميين ومعهم «المفكرون الاستراتيجيون» من ثقافة الغرب ومن ازدواج أفكارهم عنه. كما أن هذا المرض سيكون الدافع الأساسي عندهم لتخريب علاقة مصر بحلفائها وأصدقائها في المنطقة خوفا من تحقيق غد أفضل على مستوى المنطقة العربية، لأن الوصول إلى الأفضل يتطلب منافسة الآخرين، كما ينطوي أيضا على رغبة عميقة في النجاح. لذلك ستجد عددا كبيرا منهم يترحم على تلك الأيام الجميلة التي كنا نشتم فيها رؤساء الدول مستخدمين كل مفردات الحواري القديمة.

من الناحية الفكرية والثقافية، كان موقف مصر والمصريين من ثقافة الغرب في القرن التاسع عشر أكثر تقدما من موقفها هذه الأيام. كانت الناس راغبة في النجاح وتخشى الفشل وتعمل طبقا لما وصل إليه الغرب من مواصفات عالية معتبرة. ارجع لأي عمارة سكنية في القاهرة الخديوية، ارجع للقناطر التي أقيمت على النيل.. لم تكن الناس في ذلك الوقت تعشق المواصفات التعسة.

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع