الأقباط متحدون - محاولة لفهم أوباما!
أخر تحديث ٠٥:٠٤ | الاثنين ٢ مارس ٢٠١٥ | ٢٣أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٨٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

محاولة لفهم أوباما!

بقلم منير بشاى
 
باراك حسين اوباما: من يكون، وكيف يفكّر، اى اله يعبد، وإلى أى فلسفة اجتماعية ينتمى؟ ما هى الامور التى تحكم شخصيته وتتحكم فى قراراته؟
 
هو اول رئيس اسود لبلد كان لعهد ليس ببعيد يباع فيه الانسان الاسود ويشترى.  وحتى بعد تحرير العبيد ظلت آثار تلك الفترة قائمة.  فكان الانسان الاسود، وحتى الى بضع عقود، لا يستطيع ان يشرب من نفس الصنبور مثل الانسان الابيض، ولا ياكل فى نفس المطعم، بل وحتى لا يتعبد فى نفس الكنيسة.  وطبعا كان لا يسكن فى نفس المنطقة التى يسكن فيها الانسان الابيض.
 
هذا كله تغير الآن.  ولكنه ظل فى المخزون النفسى لكثير من السود ومنهم باراك اوباما وتسبب فى مشاعر الغضب تجاه مجتمعه.  فكيف استطاع باراك - الذى اعترف باشتراكه فى احراق العلم الامريكى، والذى لم يكن يقف لتحية النشيد القومى الامريكى او عندما يرفع علم البلاد - كيف استطاع ان يصل الى عرش أمريكا؟  وكيف قبل الشعب الامريكى ان ينسى له كراهيته لبلده ويعطيه فرصة ثانية؟
 
وكيف رشح باراك نفسه لمنصب رئيس الجمهورية ونجح فى بلد غالبيته من المسيحيين بينما كان ابوه مسلم من كينيا واسمه الوسيط "حسين" ؟
وكيف استطاع الصبى الذى نشأ فى اسرة مفككة متواضعة الموارد والذى ربته جدته ان يدخل المعركة الانتخابية التى تكلف مئات الملايين، وينافس ويتفوق ويصل الى رئاسة اقوى دولة فى العالم؟
 
بعض الاجابات على هذه الاسئلة اصبحت الآن واضحة والبعض الآخر ما يزال غامضا.
 
مما نعرفه عن باراك انه ولد لأبوين على درجة عالية من الذكاء والتعليم.  كانت امه فتاة بيضاء والتقت بزميل لها فى الدراسة شاب افريقى اسود من كينيا جاء الى امريكا فى بعثة دراسية.  كانت خلفية امه مسيحية واما ابوه فكانت خلفيته اسلامية.  وكان كلاهما يميلان الى الالحاد.
 
وكانت ثمرة هذا الزواج مولد باراك (بركة) فى سنة 1961 الذى لم تكن له الفرصة ان يعرف والده فقد تركه وعاد الى كينيا بينما كان باراك يبلغ من العمر سنتين.  بعد ذلك زار الأب ابنه مرة واحدة ثم مات فى كينيا سنة 1982 فى حادث سيارة. 
 
بعد طلاقها من زوجها الافريقى تزوجت امه من طالب اندونيسى مسلم.  وعندما كان باراك يبلغ من العمر 6 سنوات انتقل مع امه وزوجها الى اندونيسيا وهناك التحق بمدرسة كاثوليكية وبعدها التحق بمدرسة حكومية.  وفى اندونيسيا حصل باراك على معلوماته التى تتعلق بالمسيحية، وبمساعدة زوج امه المسلم والمجتمع من حوله عرف شيئا عن الاسلام.  كما انه من خلال احتكاكه بالديانات الهندية كوّن بعض المعلومات عنها واصبح متعاطفا مع كل هذه الديانات.
 
رجع باراك مع امه الى الولايات المتحدة فى 1972 وتركته امه لعناية جدته، ثم ماتت امه بسرطان المبايض سنة 1992.  اما جدته فعاشت حتى يومين قبل ان يؤدى القسم ليصبح رئيسا للبلاد.
 
لابد ان باراك تأثر فى فترة السبعينات بما كان يجرى فى امريكا من الانقسام المجتمعى بسبب حرب فيتنام وظهور حركة الهيبيز من شباب تمردوا على المجتمع فاطلقوا شعرهم ولبسوا الملابس الرثة وسكنوا الشوارع والميادين وتظاهروا ضد الحرب مطالبين بالسلام. 
 
ومثل الكثيرين من الشباب فى تلك الفترة انسحب باراك من المجتمع وجرب تعاطى المخدرات ولكنه استطاع ان يدير دفة حياته وساعده ذكاؤه الذى ورثه عن ابويه على ان ينبغ فى التعليم ويدرس القانون فى جامعة هارفارد العريقة، ثم يصبح استاذا للقانون الدستورى فى جامعة شيكاجو. 
 
بعد فترة اراد باراك ان يدخل الحياة العامة وابتدأ بوظيفة منظم اجتماعى ثم نائبا فى المحليات.  ويبدوا انه فهم بذكائه انه لن يستطيع ان ينجح فى المجتمع الامريكى ان لم يكن مسيحيا.  فانضم الى كنيسة كانت تتبنى الافكار الليبرالية التى اصبحت جزءا من عقيدته.  كانت تلك الكنيسة اول كنيسة فى امريكا تعترف بالزواج المثلى.  وكانت عقيدة باراك الدينية تتشكل على اساس قناعات اهم دعائمها رفض التفسير الحرفى للكتاب المقدس متمسكا فقط بموعظة السيد المسيح على الجبل ورافضا شرائع العهد القديم العنيفة وتعاليم الرسل التى تتضمن - فى رأيه - الحدود الضيقة لعقيدة الخلاص، معتقدا ان الخلاص يمكن ان يصل اليه الانسان عن اكثر من طريق.  ويبدو ان باراك ابتكر لنفسه مسيحية جديدة خاصة به.
 
وكان من اكبر المؤثرات على باراك عظات القس الاسود جيرميا رايت الذى انضم باراك لكنيسته ثم تركها فى فترة ترشحه للرئاسة بعد ان تم تداول تسجيلات لرايت كان ينتقد فيها امريكا ويقول انها تستحق ما حدث لها فى 11 سبتمبر لأنها دولة ظالمة.  كان رايت يتبنى فكر "اللاهوت

التحريرى" وهى حركة مزجت الايمان المسيحى مع المطالبة بحقوق الانسان الاسود.  وهذا الفكر عبّر عنه مارتن لوثر كنج زعيم السود عندما قال " اى عقيدة تدعى انها تهمها نفوس الناس بينما تغفل الفقر المدقع الذى يعيشون فيه والاحوال الاقتصادية التى تخنقهم....هى عقيدة ميتة تنتظر الدفن".
 
انتقل الشاب الطموح باراك بسرعة الى اعلى السلم فانتخب عضوا فى الكونجرس الأمريكى فى 2005 وقبل ان ينهى فترته فى الكونجرس كان قد وصل الى منصب رئيس الجمهورية فى 2008. وكان هذا بفضل كثيرين من ذوى النفوذ داخل الحزب الديمقراطى مثل عائلة كنيدى الذين لمسوا ذكاءه ومقدرته غير العادية على الخطابة فراهنوا على ان يكون هو مرشحهم للرئاسة.
 
عندما قرر اوباما الترشح للرئاسة تدفقت عليه الاموال من كل جانب للمساعدة فى حملته الانتخابية حتى انه قرر رفض الدعم الحكومى للمرشحين والذى يشترط الكشف عن اسماء المتبرعين وحجم تبرعاتهم.  ويبدو ان هناك من المتبرعين من كان اوباما لا يريد كشفهم خاصة انه لم يكن محتاجا

للدعم الحكومى.  واعلن معمر القذافى انه كان من المساعدين لأوباما بهدف استخدامه لمحاربة امريكا من الداخل.  ويعتقد الكثيرون ان الحكومة السعودية او مواطنيها كان لهم دورا فى تعضيده ماليا وان اوباما عندما انحنى وقبل يد ملك السعودية كان بذلك يقدم تقديره وشكره على هذا الدور.
 
كان الرئيس باراك اوباما يمشى بحرص على الخط الرفيع الذى يفصل بين عقيدته المسيحية التى اعلنها وبين تعاطفه الاسلامى الذى لم يستطع ان يخفيه.
 
واعتقد الرئيس اوباما انه يستطيع عن طريق خلفيته الاسلامية ونفوذ اخيه غير الشقيق ماليك الذى ينتمى الى التنظيم الدولى لجماعة الاخوان المسلمين ان يقنع مسلمى العالم ان يتصالحوا مع امريكا وبهذا ينجح فيما فشل فيه كل رؤساء امريكا السابقين فى تحقيق السلام لبلده وللعالم كله.

 فقام بعمل اتصالات بجماعة الاخوان المسلمين وحصل على تأييدهم لأمريكا وحليفتها اسرائيل والاعتراف بمعاهدة كامب دافيد ونبذ العنف فى مقابل مساعدة امريكا لهم ماليا ومعنويا.
 
ولكن الاخوان عندما وصلوا الى حكم مصر لم يستطيعوا ان يخفوا نواياهم الحقيقية فلفظهم الشعب المصرى.  واعترضت الادارة الامريكية على دور الجيش فى ازاحة مرسى عن الحكم، معتبرة ذلك انقلابا عسكريا، ولكنها رضخت فى النهاية لارادة الشعب المصرى.  وردا على رسالة لوم موجهة له من جماعة الاخوان بخصوص موقفه السلبى من عزل مرسى، دافع اوباما عن موقفه وقال "لقد اثبت الرئيس مرسى انه كان عاجزا عن ان يلبى

تطلعات القطاع العريض من الشعب المصرى.  هذا بينما استجابت الحكومة الانتقالية التى خلفته لمطالب ملايين المصريين الذين اعتقدوا ان الثورة قد تغيّر مسارها".
 
منذ وصول اوباما للحكم حاول التقرب من العالم الاسلامى واعلن ان "امريكا لا ولن تكون فى حرب مع الاسلام".  وقال "ان الاسلام كان دائما جزءا من امريكا." وعن نفسه قال "ان اجمل صوت عندى هو صوت المؤذن وهو يدعو الناس للصلاة" وقال "اننى اتطلّع الى اقامة افطار لرمضان فى البيت الابيض واتمنى لكم شهرا مباركا"  قال هذا فى الوقت الذى كان قد اوقف افطار يوم الصلاة العالمى المسيحى الذى كان تقليدا متبعا فى البيت الابيض على مدى 8 سنوات.
 
وعندما قرر اخيرا اقامة الافطار فى 5 فبراير 2015 وقف ليوزع اللوم على الجميع ويبرر عنف داعش بان هناك ما يقابله فى المسيحية مدّعيا ان تاريخ المسيحية ايضا به ما يشينه وهو الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والعبودية.  والغريب ان اوباما الذى كان دائما يفرق بين الاسلام واعمال المسلمين المتطرفين، نجده يخلط بين مبادىء المسيحية وتصرفات بعض المسيحيين بالاسم التى لا تقرها المسيحية.
 
لا غرابة ان اوباما كان فى البداية مترددا فى الخوض فى الحرب ضد داعش مع انه كان يكرر دائما ان داعش منظمة ارهابية وانها لا تمثل الاسلام.  ولكنه بعد الضغوط اضطر ان يقوم بعمل عسكرى محدود ضد داعش عن طريق الضربات الجوية.
 
ولكن جزءا هاما من الاسباب التى لعبت دورا فى تردد اوباما فى استعمال الحل العسكرى انه ينتمى الى ذلك الجيل الذى كان يرفض الحرب وينادى بالسلام.  وفى وعوده الانتخابية قال انه سيعيد الجيوش الامريكية من افغانستان والعراق وينهى كل الحروب التى تشترك فيها امريكا فى العالم.  هذا الوعد لاقى قبولا فى المجتمع الامريكى الذى انهكته الحروب واستنزفت موارده.  وفعلا حاول الرئيس اوباما تنفيذ وعوده مما اهله للحصول على جائزة نوبل للسلام بعد تسعة شهور من بداية حكمه.
 
ومع ذلك فمن الواضح ان مثاليات اوباما لم تحقق السلام فى نهاية الأمر لأن العالم الذى نعيش فيه لا يفهم لغة التسامح ويفسرها على انها ضعف.  والمؤكد ان السلام لا يتحقق الا من موقع القوة وعندما يدرك المعتدى ان المعتدى عليه قادر على استعمال القوة وانه لن يتردد فى استعمالها اذا مست مصالحه.
 
هناك اركان كثيرة من شخصية اوباما تثير الجدل، ولكن تظل الهوية الدينية لاوباما مثار الجدل الاكبر.  الطرف الذى يشكك فى انتماء اوباما المسيحى يستند الى ان الرجل يفتقر الى اختبار مسيحى حقيقى وان لغته تخلو من التعبيرات المسيحية المألوفة.  هذا بينما أوباما يؤكد مسيحيته على أساس انه يذهب الى الكنيسة.  وردا على هذا يقول منتقديه ان مجرد وجود اوباما داخل كنيسة لن يحوله الى مسيحى تماما مثل ان تواجد الانسان داخل جراج لا يحوله الى سيارة.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter