الأقباط متحدون - الملكة هيلانة والصليب
أخر تحديث ٠٢:٥٤ | الثلاثاء ٣ مارس ٢٠١٥ | ٢٤أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الملكة هيلانة والصليب

بقلم: ليديا يؤانس
طفلة جميلة رقيقة ذات الخمسة أعوام،  مثل النسمة سحبت الغطاء من علي أمها،  إستيقظي عايزة أروح الكنيسة بسرعة علشان بابا يسوع منتظرني هناك،  حبيبتي الساعة مازالت الرابعة صباحاً والكنيسة تبدأ في الثامنة،  لا عايزة أروح دلوقتي علشان هوه قال لي أنا منتظرك!

مراراً  وتكراراً علي مدي حياة هذه المخلوقة الرقيقة الشفافة،   تستيقظ وتوقظ أمها وأبوها،  وعلي شفتيها الورديتين التي مثل حبة  الكرز،  عبارة واحدة بسرعة بسرعة أصل بابا يسوع منتظرني!

هيلانة ولدت من أبوين مسيحيين أتقياء نحو سنة 247 م   وتنيحت  عام 327 م  عن 80 عاماً.

العمر لا يقاس بالسنين ولكن يقاس بحجم الإنجاز، البعض تركوا بصمات يذكرها التاريخ،  البعض ترك بصمات كدرت العالم،   البعض تخلدت أسماؤهم بأحرف من نور،   نظراً لما قدموه للعالم سواء من إنجاز علمي أو إنساني أو ديني.

  القديسة هيلانة واحدة مما تخلدت أسماؤهم نظراً لما قدمته للمسيح والمسيحية.
مما لاشك فيه أن هيلانة تمتعت بتربية مسيحية حقيقية،  وكلما تقدمت في العمر كلما إزدادت حسناً وجمالاً وإيماناً.

وهي في سن الثالثة والعشرين جاء قسطنطيوس الأول ملك بيزنطه إلي مدينة الرها،  فسمع عن فتاة رائعة الجمال والخلق إسمها هيلانة فطلبها للزواج،  وأصبحت هيلانة ملكة نحو 270 م  وأنجبت منه قسطنطين وأحسنت تربيته.

بعد 23 عاماً من الزواج طلقها الملك قسطنطيوس لكي يتقرب من الإمبراطور الأكبر في الغرب أوغسطس مكسيميان بالتزوج من إبنته تيؤدورا في عام 293 م.

بالتأكيد حزنت هيلانة،   وبالرغم من ذلك كرست حياتها للرب ولأبنها،  فشب قسطنطين علي القيم والأخلاق الحميدة والإيمان المسيحي،  وفجأة إبتسمت لها الحياة واستعادت مجدها كملكة،  حينما كان طليقها الملك قسطنطيوس مشرفاً علي الموت ذهب إبنه قسطنطين لرؤيته وعندما رآه أبوه قام من فراش الموت وعانقه بحرارة وتنازل له عن الملك ثم أسلم الروح، وأصبح قسطنطين الحاكم الوحيد علي الأمبراطورية الرومانية.

بدأ حكمه برفع المظالم عن الناس،   ونشر العدل بالأمبراطوريه فأحبه الشعب ووصل صيته إلي سائر البلدان،   فأرسل إليه أكابر روما أن ينقذهم من ظلم مكسيميانوس،  جهز جيوشه وذهب للحرب،   إلا أن الحرب كانت شديدة وضروس وفي وسط النهار ظهرت له علامة الصليب واضحة جداً في السماء وأيضاً مكتوباً تحتها عبارة  "بهذا تغلب"  لفت نظره شدة وميض الصليب بالرغم من وجود نور الشمس،  أراه لوزرائه وكبار مملكته،  تحير مما رآه ولكن في نفس الليلة ظهر له ملاك الرب وقال له "أعمل مثال العلامة التي رأيتها وبها ستغلب أعداءك."

في الصباح أمر بتجهيز شارات وأعلام كبيرة مرسوم عليها الصليب،  أيضاً وضع علامة الصليب علي كل الأسلحة المستخدمة في الحرب،  وبالفعل إنتصر قسطنطين وآمن بالمسيح وصار أول أمبراطور روماني مسيحي،  وإن كان لم يتعمد إلا في السنة الأخيرة قبل مماته.

هرولت الملكة باكراً إلي ابنها،  أريد الذهاب إلي أورشليم،  إستغرب قسطنطين وسأل عن السبب،  رأيت في الليل من يقول لي: "إمضي إلي أورشليم وافحصي بتدقيق عن الصليب المجيد والأماكن المقدسة."

جهز قوة من الجيش والخدم والحشم والمركبات التي إصطحبت الملكة إلي أورشليم،  حينما وصلت تقابلت مع البطريرك مكاريوس فأرشدها إلي رجل طاعن في السن خبير بالتاريخ والأحداث والأماكن والأشخاص يدعي يهوذا من أشراف اليهود،   لما سألتة عن مكان الصليب أنكر ولكن تحت التهديد والوعيد أرشدها إلي الموضع الحقيقي للصلب أي الجلجثة وهو عبارة عن كوم من الزبالة بجانب معبد فينوس.

قص عليها يهوذا قصة كوم الزبالة،   أنه بعد صلب وموت المسيح بدأت تظهر عجائب ومعجزات كثيرة من قبره،   وعندما رأي رؤساء اليهود ذلك غضبوا ونادوا في جميع أورشليم واليهودية بأن كل من في داره تراب أو زبالة يلقيها فوق مقبرة يسوع وأستمر الحال علي ذلك أكثر من 200 سنة حتي صار كوماً هائلاً وأقام الرومان بجانبه معبداً للإلهة الرومانية فينوس لكي يمنعوا المسيحيين الأوائل من زيارة هذا المكان المقدس.

أمرت الملكة بإزالة تل الزبالة  فأنكشفت المغارة وعثروا فيها علي 3 صلبان،    صليب المسيح والأثنين المجرمين اللذان صلبا معه،  عثروا أيضاً علي اللوحة التي كانت فوق صليب المسيح والمكتوب عليها "يسوع الناصري ملك اليهود" كما عثروا علي المسامير وأدوات الصلب.

يبدو أن الصلبان الثلاثة كانوا متشابهين في الأحجام والأشكال، ولكي تعرف الملكة من فيهم هو صليب المسيح،  تصادف بترتيب إلهي مرور جنازة ميت،  فأستوقفتهم وبدأت تضع كل صليب فوق الميت،  وحينما قام الميت عرفت أن هذا هو صليب المسيح.

أخذت الملكة جزء من الصليب وغلفته بالذهب الخالص ولفته بالحرير ووضعته في خزانة من الفضة الذي تم وضعه فيما بعد في كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس في أورشليم التي بناها قسطنطين فوق المكان الذي وجد به الصلبان أي قبر يسوع في الجلجثة.

أمرت الملكة بإشعال النار من قمة تل الزبالة وحتي الآخر لكي تخطر ابنها بعثورها علي الصليب حيث أن النار كانت وسيلة من وسائل الإتصال في ذاك الوقت.     

عادت الملكة بالجزء الثاني من الصليب وبعض المسامير إلي قسطنطين،   فقبل الصليب ووضعه في غلاف من الذهب الخالص المرصع بالجواهر الكريمة ووضع في خوذته بعض من مسامير الصلب،   ثم أمر ببناء كنيسة القيامة سنة 325 م  فوق جبل الجلجثة الذي صلب عليه المسيح،    واستمر البناء 10 سنوات،   وعمل حفل التدشين لمدة يومين متتاليين في 13 ؛ 14 أيلول سنة 335 م.

أمر الأمبراطور بتوزيع الجزء الذي وصل من خشبة الصليب المقدس علي كافة كنائس العالم،  وأحتفظت كنيسة القسطنطينية بالجزء المتبقي منه،  وذكر القديس كيرلس بطريرك أورشليم أن الأساقفة كانوا يوزعون بعض الأجزاء الصغيرة علي الزائرين حتي أن الدنيا امتلأت من أجزاء الصليب ولم ينقص منه شئ بسبب القوة التي اكتسبها من جسد الرب يسوع.

الأمبراطور قسطنطين جعل من المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية،  وجعل يوم الأحد أجازة رسمية دينية في الأمبراطورية،  صادر المعابد الوثنية وحولها إلي كنائس،  في سنة 313 م ألغي العقوبات التي كانت مفروضة علي من يعتنق المسيحية،  وهو الذي دعا إلي عقد مجمع نيقية عام 325 م والذي يعتبر أول مجمع مسكوني في العالم وذلك للرد علي أريوس الذي قام بالهرطقة ضد لاهوت المسيح،    حضر هذا المجمع 318 أسقفاً من كل العالم المسيحي،   وكان من ضمن الحاضرين البابا أثناسيوس الرسولي الذي كان في ذلك الوقت مازال شماساً ويبلغ من العمر 25 عاماً وقام بالرد علي أريوس وقال مقولته المشهورة "العالم ضدي وأنا ضد العالم."

يحكي التاريخ أنه في سنة 614 م إجتاح كسري ملك الفرس أورشليم،   وأسر ألوف المسيحيين ومعهم البطريرك زكريا وهدموا كنيسة القيامة وأحرقوها،   ولكن الصليب المقدس نجا من النار فأخذوه معهم من ضمن الغنائم مع ما جمعوه من ذهب وأموال ونفائس وبقي عندهم 14 سنة.

عندما أصبح هرقل امبراطوراً  للروم حاول الصلح مع كسري ولكنه رفض،   فهاجم هرقل جيوش الفرس الثلاثة وهزمهم وفر كسري طالباً النجاة فقتله ابنه سيراوس (شيروه)،   ثم أسرع في التفاوض مع هرقل سنة 628 م   وكان أول شرط في الصلح رجوع الصليب،   وأطلاق سراح الأسري والبطريرك زكريا،  وجاء هرقل بخشبة الصليب إلي القسطنطينية التي خرجت كلها لإستقبالة بالإنتهاج والتراتيل والمصابيح والشموع.

في سنة 629 م  أراد هرقل أن يرد الصليب إلي كنيسة القيامة بأورشليم،   فحمل خشية الصليب بنفسه علي كتفه وهو لابس حلته الملكية ووشاحه الأمبراطوري وعلي رأسه تاجه الذهبي المرصع بالأحجار الكريمة،   وخرج شعب أورشليم وعلي رأسهم البطريرك زكريا لإستقباله بالمشاعل والتراتيل.

ولكن عندما اقترب من كنيسة القيامة أي موقع الجلجثة،   توقف هرقل بغتة بقوة خفية ولم يستطع التحرك خطوة واحدة،   فتقدم البطريرك وقال لهرقل،   ان السيد المسيح سار في هذا الطريق حاملاً صليبه مكللاً بالشوك لابساً ثوب الهوان والسخرية،    وانت لابس ملابسك الملكية الأرجوانيه وعلي رأسك تاجك المرصع بالجواهر،   يجب عليك أن تتمثل بالمسيح في تواضعه وفقره،   وفي الحال قام هرقل بإرتداء ثوباً حقيراً،  وسار حافي القدمين عاري الرأ س،    حاملاً الصليب علي كتفه إلي أن وصل الجلجثة ورفع فوقها الصليب كما كان من قبل.

تعيد الكنيسة القبطية مرتين في السنة بعيد الصليب،  في 17 توت بمناسبة ظهور الصليب،   10 برمهات بمناسبة بناء كنيسة القيامة،  ومن طرائف الإحتفال بعيد الصليب في بعض الدول،  وجود بعض العادات الشعبية حيث يتم إشعال النار علي قمم الجبال أو أسطح الكنائس والمنازل  ويرجع ذلك إلي ما قامت به القديسة هيلانة من إشعال النار لكي ترسل رسالة لأبنها الأمبراطور تعلن فيها عثورها علي الصليب.  

المسيح كان مُنتظراً القديسة هيلانة،   والقديسة هيلانة كانت مشغولة بالمسيح،   فأعطاها بركة البحث عن الصليب فوجدته،  ومنذ ذلك الوقت إرتبطت خشبة الصليب المقدس بإسم القديسة الملكة هيلانة لأن الرب يقول أكرم الذين يكرمونني.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter