الأقباط متحدون - التخبط بين مفهوم الأمة والوطن
أخر تحديث ١٩:٢٥ | الثلاثاء ٣ مارس ٢٠١٥ | ٢٤أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

التخبط بين مفهوم الأمة والوطن

بقلم / القس ايمن لويس
    نعيش حالة مجتمعية خاصة ، ان حجم التخبط بين افراد الناس كبير ، كما لاحظت ان عموم الناس ليس لديها تحديد لكثير من المفاهيم والمصطلحات ، كما تتنازع بين الرغبة والضد عند البعض فى نفس الوقت  ! . فقد سمعت عبارة منذ فترة اعتقد انها حققت نوع من الانتشار ارى انها خير من يعبر عن الحالة التى اتحدث عنها ، العبارة تقول "المسلمون يريدون تطبيق الشريعة فى بلادهم ، لكنهم يسعون مجتهدين للفوز بفرصة للسفر والهجرة فى بلاد الغرب الكافر او امريكا حيث كرسى الشيطان".

 ومن حالات التخبط هذه عدم تحديد الفرق بين مفهوم الأمة ومفهوم الوطن .. وعند طرح السؤال على البعض كانت الإجابة في مجملها انه لافرق !؟
 على الرغم اننى اجد ان الفرق كبير ، فمفهوم الامة يبنى اساسا على تصنيف اما عرقى او دينى وغالبا يكون الثانى ، مثل مصطلح الامة اليهودية او الامة الاسلامية .. الخ . اما الوطن فهو مصطلح سياسىي ليس له ارتباط بالدين ، ففى الوطن تذوب الفوارق الدينية ليكون الاساس والهدف هو التعايش الانسانى ، فالوطن هو الحدود الجغرافية التى يتعايش فيها مجموعة من البشر بعقد اجتماعى بغض النظر عن المعتقد الدينى هذا العقد الاجتماعى يحقق المساوة فى الحقوق والواجبات . اما الامة فلا يشترط فيها الحدود الجفرافية .. يعنى المسلمين فى افريقيا والمسلمين فى امريكا وفى كل ربوع الارض هم داخل اطار الامة . أن مفهوم الامة كان نتاج يهودى فى الاساس وكان مرتبط باعتقدهم فى ملكيتهم ليهوه !

ان مفهوم الامة هو مفهوم عنصرى يبنى على التمييز  وهو مضاد لمفهوم الوطن والمساوة ، فهو يؤمن بالملكية المتفردة لكل ما تضع الامة يدها عليه بما فيه الافراد وليس الاشياء فقط !! . اقول هذا لان الخطاب الدينى الاسلامى عامة والشيوخ خاصة يبنون حديثهم عن الامة ، ويتخبط الحديث فيما بينهم عن الاخر المهمش الذى يتواجد فى وسط هذه الامة ، من اقصى الشمال الى حافة اليمين ، فهو غريب فى الغالب مكروه وفى احسن الحالات لمن هو على حافة اليمين عندما يتكلم عنهم بالحسنى يملئة الفخر وربما ينتظر رد الجميل .

     من هذا نستخلص ، انه لا توجد علامات واضحة تحدد الفرق بين مفهوم الوطن ومفهوم الامة وبالتالى هناك تخبط بين الاتجاهين ، فمن يميل للغة الدينية تتأثر عواطفة وافكاره للانتماء لمفهوم الامة ، ويسخر السياسة ويستغلها فى تعميق هذا الاتجاه محدثا خلطا بين الدين والسياسة ، اما من يميل للفكر السياسى وله ميول سياسية يفضل الفصل بين الدين والسياسة ، ويحترم مفهوم الوطن ويرى ان مفهوم الامة من مخلفات الماضى التى تعوق مسيرة الحداثة وان خصوصية الحدود الجغرافية بما كان عليها من تاريخ يستحق الفخر والمحافظة عليه . ففى مفهوم الامة يكون العلماء هم رجال الدين اما فى مفهوم الوطن فالعلماء هم اهل العلم والتخصص فى كل الفروع ! .

   من هذا المطلق خرج ما شاهدناه وسمعناه .. فسمعنا مرشد الاخوان السابق مهدى عاكف يفتخر قائلا "ايه المشكلة ان تأخذ السودان حلايب وشلاتين وتستقطع غزة جزء من سيناء السنا جميعا امة واحدة " ، فهذه الاراضى المستقطعة لن تذهب الى غريب بل هى لاتزال داخل الامة ، كما يرى انه لا غضاضة ان يكون باكستانى مسلم رئيسا لبلاده فهو من المؤكد خير من ان تحدث المصيبة لقدر الله ويرأس بلاده مثلا رئيس مصرى غير مسلم ، ولان انتمائه الاول للامة وليس للوطن . فعندما تحدثه عن الوطن وان هذا يعتبر تفريط فى حقوق الوطن يكون رده "طز فى مصر" ! واكدت الاحداث ان ما نطق به ليس مجرد قول بل هو اتجاه رأيناه تحقق على ارض الواقع . كما شاهدنا هؤلاء الذين رفضوا الوقوف اثناء تحية علم مصر او ترديد النشيد الوطنى وبكل اسف لهم حزب يقال عنه سياسى اسمه النور !!

 كما ان المدارس ذات الصبغة الدينية الاسلامية ، لاتزال لا تردد كل صباح النشيد الوطنى وتحية العلم فى تحدى لقواعد الوطن وبتعاطف وتواطئ من اولائك المتأسلمين والذين يعملون موظفين فى مؤسسات الحكومة ، وهم من المقاومين لمفهوم الوطن أوالمتخبطين بين مفهوم الامة والوطن دون وعى بذلك ، او يعيشون صراع لم يحسم بين المصطلحين . كما وصل مستوى التدنى فى الحس الوطنى لدرجة ان هؤلاء الاسلاميين اصبح ليس لديهم اى غضاضة فى استعداء الوطن وتأليب المجتمع الدولى عليه وقبول تحقيق مكاسب سياسية لأصحاب المطامع الاستعمارية لمجرد تشفيهم فى الوطن او حصولهم على بعض الفتات من تحقيق مطامعهم مطالبين الامم المتحدة بالتدخل بل وصل الامر لدرجة المطالبة بالتدخل العسكرى ضد مصر بحجة اعتداء مصر على سيادة ليبيا !!! . انه اعلى درجات مستوى الخسة والحقارة .

 وهؤلاء الإسلاميين ليس فقط هم الاخوان ومشتقاتهم بل هم قطاع كبير من المسلمين الذى خرب عقولهم الخطاب الدينى المسموم فجعل هناك حالة من الخصام بين مفهوم الامة ومفهوم الوطن ، وان الامة فى تهديد خطير من ترويج مفهوم الوطن . فى المقابل نجد الثقافة الوطنية التى لا تتعارض مع الانتماء الدينى التى اجملها قداسة البابا شنودة البابا الراحل عندما قال "مصر ليس وطننا نعيش فيه بل وطننا يعيش فينا" لذا ففى قمة الازمات الطائفية لم يتجرأ المسيحيون بمصر على وطنهم ولم يسعوا لتغليب مطالبهم الشرعية على حساب اى مصلحة للوطن .

     ولكن احقاقا للحق يوجد فئة وهى قليلة من اصحاب الفكر والثقافة من المسلمين ، حاولوا ايجاد صياغة فكرية للمصالحة بين مفهوم الوطن والامة ، وهم من جعلوا مصادرهم فى التعليم الدينى ليس الازهر او الشيوخ بل الدراسة والبحث بين اروقة الفكر المكتوب .

    اقول هذا بسبب ما احدثة بحق الرئيس عبد الفتاح السيبسى  من نقلة نوعية ملحوظة فى اسلوب ادارتة للبلاد لتعميق مفهوم الوطن والمواطنة .. الا ان ما نرغبة حتى يكون التغيير على حق ، ولا يكون مجرد اتجاه فردى لشخصية لها بصمة خاصة وكاريزما ، بل هو وضع اساس لأرساء اتجاه جديد لتكون ممارسة المواطنة واقع فعلى وليس مجرد شعارات نتذكرها فى المناسبات ، وانها عبارة مكتوبة فى الدستور . هو العمل على كل مصادر تغذية الوعى الثقافى ومناهج التعليم لأعادة صياغة وبناء مفهوم الوطن وعدم تعارضه من الانتماء الدينى اوتهديد للهوية الدينية .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter