د.ماجد عزت إسرائيل
فى 9 مارس من كل عام يستعد الشعب المصرى لاستقبال شهر الربيع،حيث تتفتح الزهور وتنتشر رائحة العطور الجميلة،ويرتدى الشعب ملابسه المزركشة المتعدة الألوان،وفى ذات اللحظة تستعد كنيستنا القبطية للاحتفال بذكرى مرور 44 عاماً على نياحة القديس البابا "كيرلس السادس"البطريرك رقم (116) (1959-1971م)
وتمر السنين ولكن رائحته العطرة وسيرته وقيمه الروحية وحياة البساطة والحكمة ، تزداد حباً لدى الأقباط حتى أن الأطفال يعشقون سيرته، وكأنها أسطورة من أساطير الزمان ،رجل الصلاة كما لقبته الكنيسة وشعبها عبر حياته، ورجل المعجزات كما سجلها التاريخ،ورجل الحكمة والعقل كما وصفه رجال الفكر والسياسة،ويكفى أن إذاعات العالم عند نياحته قالت:مات الصديق الشخصى لعبد الناصر..... بحق رجل الربيع برائحته وسيرته العطرة...والآن علينا متابعة سطور فى حياة قداسة البابا "كيرلس السادس"!
ولـد عازر يوسف عطا، فى يوم الجمعة المــوافق 2 أغسطس 1902م، بقرية طوخ النصارى التابعة لمدينة دمنهور،محـــافظة البحيرة ، وكان والـده محب للسيد المسيح و للكنيسة، واشتهر كناسخ وجامع للثراث القبطى.
ومنذ طفولته عــــاش عازر يوسف عطا محباً للكهنوت ورجاله،وكانت أسرته من المترددين على أديــــــرة وادى النطرون، وخاصة ديــر البراموس وكانت مسقط رأسه وقفاً لدير البراموس لدرجـة أن بعض الآباء القـــديسين قـــال عنه إنه:" كان ينام على حجر الرهبان فكان من نصيبـهم" وكـــان لقرب المسـافة بين قرية طوخ وديرالبراموس بوادى النطرون فرصة لــزيارة بعض الرهبان للقرية والخدمة بها،ولذلك اعتاد الرهبـان زيارة منزل والـــده، لِـــما عُرِفَ عنه من حُب وتضلع في طــقوس الكنيسة
ومن هـــنا بدأ عازر يوسف عطا حياته الرهبنية، فإعتاد على قراءة الكتب الروحية والطقسية وكتب الآباء القديسين وتاريخ الكنيسة.
وبعد حصوله على شهادة "البكــالوريا" عام 1921م،عمــل لدى أحدى شركات الملاحة البحرية بمدينة الإسكندرية والتى تعـرف بإسم"كـوك شيبينج"،وكان نموذجـاً للامانة والمحبة والطاعـــة والاخلاص وظــــــل يعمل حتى سلك طريق الرهبنة عام 1927م
وترهبن بدير البراموس، وعرف باسم "مينا البراموسى".
ويعد قداسة البابا كيرلس السادس(1959-1971م) صاحب مدرسة منفردة فى الرهبنة القبـــطية، والرهبنة فى حياته كانت تعنى حياة الوحـدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح، ،كما أنها فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البـطاركـة والأساقفــــة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة، فـــلكي يكون الإنسان راهباً، ينبغي أن تكون له ميول للفلسفة والحكــمة، لان حيـــــاته كفاح وحرمـان وإنتــاج من أجل هـذه الرسالة الساميـة ،التي يـدرك خلالـها أن فضيـلته باطـلة إن كان ضياؤها لا يتعدى جـــدران الـنفس الـبشرية ولا ينـعكس على الـبشرية كلـها ليغمرها بمعرفة الله.
وقداسة البابا كيرلس السادس"البطريرك رقم (116) (1959-1971م)، يعد من أول البطـاركة الــذين تم اختيـارهم لمـــــبدأ "الـــتفويض" ولائحــــة" 2 نوفمبر 1957م"، والتفويض يعنى أن يفوض الشعب شخصاً واحداً متمثلاًً في (الأسقف أو المطران ) الخاص بالإيبارشية للتصويت على اختيار البطريرك.
وقــــداسة البطريرك "كيرلس الســادس" البابا (116) معروف في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولدى المـؤرخين والسياسيين برجل (الصلاة و القـداسات)، تم انتخابه من بين مرشحين لكرسي مارمرقس،وهم: القـــمص دميان المحرقى، والقمص أنجيلوس، والقــمص مينا البراموسي، وبعد قــداس القرعة الــهيكلية فى (19 إبــــــريل 1959م)، تم اختياره بطريركـاً باسم البابا "كيرلس السادس"، وتم تجليسه على كرسى مارمـــرقس فى (26 إبريل 1959م ) حتى رحيله عن عالمناً الفـانى فى( 9 مارس 1971م).
تميز عهد قداسته بانتعاش الإيمان ونمو القيم الروحية ولا شك أن ذلك راجع لان غبطته إنما وضع في قلبه أن يقدس ذاته من أجلهم - أي من أجل رعيته - على مثال معلمه الذي قال: "لأجلهم أقدس أنا ذاتي" فحياته المعيشية تميزت بالبساطة في ملبسه الخشن وشاله المعروف وحتى منديله،كما كان مأكله بسيط فلم يكن يأكل إلا مرتين، وفي أيام الصوم مرة واحدة،ويقضى كل وقته فى الخدمة والتأمل والصلاة، فكان مثال الراعي الصالح للتعليم لا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق والقدوة الصالحة.
إنه عينة حقيقية من كنيسة أجدادنا القديسين كنيسة الصلاة، وتقديس الذات أكثر منها كنيسة المنابر والوعظ الكثير فهو رجل الصلاة، نعم إنه رجل الصلاة الذي أدرك ما في الصلاة من قوة فعالة، فكانت سلاحه البتّار الذي بواسطتها استطاع أن يتغلب على أعضل المشكلات التي كانت تقابله، وكثيرا ما كان يزور الكنائس المختلفة فجر أي يوم حيث يفاجئهم ويرى العاملين منهم والخاملين في كـرم الرب فكان معـلما صامتا مقدمًا نفسه في كل شئ قدوة مقدما في التعليم نقاوة ووقارًا وإخلاصًا .
على أية حال، تزامنت فترة جلوس البابا كيرلس السادس البطريرك رقم ( 116) (1959-1971م)على كرسى مارمرقس ،مع جلوس الرئيس "جمـــال عبد الناصر"، ولعب البابا دور وطنى فى تنمية أواصر المحبة والسلام لخدمــة الوطن، وحافظ على شعبه وكنيسته،ووجد أن إى مشكلة لا تحل إلا فى جو من المحبة والتفاهم وأنه أكثر الطرق للوصول للنتائج،وقـد سبقت الأشارة إلى هذه الفترة بشىء من التفصيل وظل البابا فى عطائه حتى رحل عن عالمنا الفانى فى 9 مارس 1971م .