أحيانا تنشق الأرض فجأة لتبتلع السيارات، والناس، والمنازل. ربما كانت هناك وسيلة لتوقع حدوث مثل هذه الانهيارات الأرضية، لكن لماذا يوجد من يعارض فكرة توقعها؟ الصحفي دانيال كوسينز يلقي الضوء على هذا الموضوع.
في حوالي الساعة 11 مساء يوم 28 فبراير/شباط عام 2013، وفي إحدى الضواحي الشرقية لمدينة تامبا في ولاية فلوريدا الأمريكية، كان جيف بوش البالغ من العمر 37 عاماً يغط في نوم عميق عندما انشقت الأرض وابتلعته.
ولدى سماع أخيه الأصغر، جيرمي، صوت انهيار ضخم، أسرع إلى غرفة النوم ولكنه لم يجده. وقال جيرمي لشبكة سي إن إن: "كل شيء اختفى، أخي، وسرير أخي، ومنضدة الزينة في حجرته، وجهاز التليفزيون."
قفز جيرمي إلى الحفرة في محاولة يائسة للعثور على أخيه. لكن بسبب استمرار انهيار الأرض، وابتلاعها مزيداً من الحطام، وصلت الشرطة لسحب جيرمي إلى بر الأمان، بينما اختفت جثة أخيه جيف للأبد.
الانشقاق الذي ابتلع جيف بوش كان انهياراً أرضياً. هذه الأحداث المفاجئة تقع في كل مكان في العالم، فقبل أسبوع نجا شخصان في كوريا الجنوبية من ابتلاع إحدى هذه الحفر الأرضية لهما. لكن مناطق مثل فلوريدا أكثر عرضة من غيرها بسبب الطبيعة الجيولوجية للأرض هناك. المئات من هذه الانهيارات تظهر في هذه الولاية كل عام.
هل نتعامل مع هذه الحفر الضخمة على أنها من أعمال الطبيعة التي يصعب التنبؤ بها، أم أنه بالإمكان توقع حدوثها مسبقاً؟ في المستقبل، يمكن أن يلقى آخرون مصير جيف بوش.
الجيولوجيون يعملون جاهدين على تحديد المناطق المعرضة لمثل هذه الانشقاقات، بينما طور علماء ناسا نظاماً يحدد الوقت الذي يمكن أن تظهر فيه هذه الحفر. يمكنك الافتراض أن هذه الجهود تمثل الدعم العالمي للسكان المحليين، لكن بعضهم يقول إن لديه سبباً وجيهاً لمعارضة الجهود الرامية لتوقع ظهور تلك الحفر المدمرة.
عوامل مؤثرة
كلينت كرومهاوت، أحد خبراء الجيولوجيا العاملين في مؤسسة فلوريدا للمسح الجيولوجي في مدينة تالاهاسي، يقول إن الانهيارات الأرضية تعتبر من حقائق الحياة في فلوريدا، تماماً كالشمس المشرقة والشواطيء والأعاصير.
انهيار أرضي أحدث حفرة أسفل منزل في فلوريدا بلغ عرضها 40 قدما.
وتتكون حفر الانهيارات الأرضية عندما تقوم المياه الجوفية بإذابة الصخور القابلة للذوبان على مدى مئات آلاف السنين، لتشكل شقوقاً في باطن الأرض. أحياناً، عندما لا يستطيع سقف أحد هذه الشقوق حمل الرواسب التي تعلوه، فإنه يتحرك أو ينهار فجأة.
فلوريدا بالذات عرضة لهذه الحوادث لأنها تقوم على لوح ضخم من الصخور الجيرية، التي تعمل المياه الجوفية على تآكل أساساتها بالتدريج.
حفر الانهيارات الأرضية ظاهرة طبيعية لكن النشاط الإنساني يمكن أن يفاقم المشكلة. فالضخ المبالغ فيه للمياه الجوفية على سبيل المثال يمكن أن يتسبب في إضعاف جدران الشقوق مما يؤدي الى إنهيارها.
هناك أيضاً عوامل الطقس. فالجفاف يؤدي إلى خفض مستوى المياه بينما تتسبب الأمطار الغزيرة في زيادة الضغط على جدران وسقوف الشقوق في باطن الأرض مما يتسبب عادة في عدة انهيارات.
هذا ما وقع في فلوريدا في يوينو/حزيران عام 2012، عندما مرت العاصفة الاستوائية ديبي بعد شهور من الجفاف، مسببة المئات من الحفر الأرضية في طريقها. لقد كانت الأضرار الفادحة سببا كافيا لقسم الطواريء في الولاية ليطلب من مؤسسة فلوريدا للمسح الجيولوجي مساعدتهم للاستعداد لسيناريوهات مشابهة في المستقبل.
وهكذا تسلم كرومهاوت وزميله آلان بيكر في أغسطس/آب 2013 مليون دولار لرسم خريطة بالمناطق المعرضة لظهور الانهيارات الأرضية. وتقوم الخرائط على طريقة إحصائية تدعى "أوزان الأدلة".
وتعني بشكل أساسي الجمع بين الشواهد على وجود حفر للمجاري وقعت بالفعل مع معلومات جيولوجية أخرى، مثل عمق الحجر الجيري، أو تكون الرواسب التي تغمره، وذلك لحساب توقع نسبي لمدى عرضة مكان معين لحدوث انهيار أرضي.
خريطة مفيدة؟
يقول بيكر: "نقوم بجمع المعلومات ميدانياً عن مجموعة من الظواهر الجيولوجية، ومن ثم نقوم بتغذية البرنامج الخاص بنا بهذه المعلومات، وقد اختبرنا نجاعته باختباره على حفر أرضية موجودة بالفعل، وهو يعطينا نتائج علمية يمكننا الدفاع عنها."
حفرة عميقة بسبب الانهيارات الأرضية في مدينة جواتيمالا
وعندما تكتمل الخريطة في خريف عام 2016، ستظهر عليها عدة أنواع من الانهيارات الأرضية المتوقعة بألوان متعددة في نطاق يبلغ حوالي كيلومتر مربع. هذا ليس دقيقاً لدرجة تكفي لتخبرك بأن هناك احتمال لوجود حفرة أسفل منزلك، لكن من شأنها أن تقدم خيوطاً يمكن تتبعها لمراقبة الأرض.
يقول كرومهاوت: "الهدف الرئيسي هو مساعدة قسم إدارة الطواريء على التحضير للعاصفة الاستوائية القادمة والتي تتسبب في حدوث عدد كبير من حفر المجاري تلك."
وحتماً سيقبل سكان الولاية على استخدام الخريطة لمعرفة ما إذا كان هناك احتمال لجلوسهم فوق قطعة من الأرض يمكن أن تنهار في أي لحظة. وهنا يصبح الأمر معقداً.
من ناحية ما، من مصلحة مالك البيت أن يعرف عن المشكلة المتوقع حدوثها، خصوصاً أن هناك شركات يمكن أن تقدم المساعدة. على سبيل المثال، شركة جيو هازاردز في جينزفيل في فلوريدا يمكن أن تملأ الحفرة بمادة الجص، "كما يفعل طبيب الأسنان بالسن المسوسة"، حسب قول أنتوني راندازو، أستاذ الجيولوجيا الفخري في جامعة فلوريدا، وأحد المسئولين في الشركة.
لكن هذا العمل مكلف جداً، وتصل تكلفته أحياناً إلى عشرات الآلاف من الدولارات. حتى بعد تنفيذ العمل، تهبط قيمة المنزل بشكل كبير. في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، على سبيل المثال، قالت غيني ستيفنز من مقاطعة باسكو لصحيفة تامبا باي تايمز إنه رغم القيام بكل الإصلاحات الضرورية لمنزلها المتضرر من انهيار أرضي، هبطت قيمته من 350 ألف دولار إلى 125 ألف دولار.
في هيرناندو، ومقاطعة باسكو، و هيلزبرة، التي تعتبر مناطق تكثر فيها الانهيارات الأرضية، ارتفعت قيمة التأمين بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية.
وهناك أيضا ثمن معنوي لاكتشاف أن لديك مشكلة انهيار أرضي. يقول راندازو: "إذا كنت تعيش في أحد هذه المنازل، فإن ذلك سبب للتوتر والقلق، أنت تسمع صوت التشققات وترى مسامير تخرج من مكانها، وتعرف أن المنزل غير ثابت، فتبدأ في التساؤل عما إذا كان سينهار."
لا عجب إذن أن يبدي سكان فلوريدا قلقهم من خريطة الانهيارات الأرضية المحتملة. الأدهى من ذلك، كما يشير راندازو، "أنه إذا لم تكن الخريطة دقيقة، فمعنى ذلك أنك تثير قلق الناس بلا داع".
عين في السماء
يوجد حل أفضل ربما لمعرفة الأماكن التي ستحدث فيها الانهيارات الأرضية، وقد وجدت ناسا طريقة لمعرفة ذلك من الأعلى، عن طريق رادار يرصد الحركات الدقيقة التي تقع للأرض. ويستخدم علماء ناسا هذا الرادار منذ سنوات طويلة لرصد ساحل لويزيانا الذي يغرق في خليج المكسيك.
ظل طائرة مروحية يظهر في إحدى الحفر الضخمة في جواتيمالا
عندما تشكلت حفرة أرضية بصورة مفاجئة في بايو كورني في أغسطس/آب عام 2012، وابتلعت الأرض فوقها، وأرغمت الآلاف من السكان على الرحيل إلى الأبد، عادوا إلى تحليل المسح الراداري للمنطقة قبل الانهيار.
وقد لاحظوا أن الأرض تحركت بشكل أفقي قبل حدوث الانهيار بشهر كامل بما يعادل 25 سنتيمتراً باتجاه الوسط حيث انفتحت الحفرة الأرضية. ومراقبة الأرض لرصد تحرك مشابه يمكن أن تكون جزءاً من نظام التحذير المبكر لمساعدة السكان على إخلاء المكان قبل حدوث انهيار خطير في المستقبل.
يحذر رون بلوم، العالم الجيولوجي والكاتب المشارك في دراسة بايو كورني، قائلاً: "ليس جميع سطوح الحفر المنهارة تحمل علامات ومؤشرات على قرب حدوث الحفرة، قد يحدث الانهيار الأرضي بشكل مفاجيء، لكنه من المفيد طبعاً الاعتماد على معلومات الرادار المسحية كإحدى وسائل الرصد. يمكن أن تكون لديك معلومات من الرادار عن مناطق معرضة لحدوث الانهيارات، وإذا حدث وشاهدت السطح يتحرك، فبإمكانك الذهاب ومشاهدة ما يحدث."
لا يعرف هذا العالم ولا زميلته كاثلين جونز، التي شاركته تأليف الكتاب، عن أي خطة لتطبيق هذا النظام في الولايات المتحدة. لكن جونز لديها انطباع بأن السلطات المسؤولة بدأت تتعامل بجدية أكبر مع مسألة الحفر التي تحدثها الانهيارات الأرضية.
ليس ذلك بالضرورة بسبب تكرار حدوث هذه الانهيارات، ولكن لأن الامتداد العمراني بات مهدداً من الحفر التي تظهر وتؤثر على الناس وعلى ممتلكاتهم.
وبينما يشعر قاطنو المناطق المعرضة لوقوع انهيارات أرضية بالقلق من أن الخرائط المعدة للتنبؤ بوقوع تلك الانهيارات تهدد استثماراتهم، فإن الذين يفكرون في البناء في هذه المناطق سيكونون أكثر حماساً لمعرفة تلك الخرائط.
ويقول بلوم: "أتساءل، على سبيل المثال، لو كان متحف كورفيت الوطني قد أقيم في مدينة كنتاكي (حيث ابتلعت حفرة سببها انهيار أرضي ثمانية سيارات كورفيت نادرة في فبراير عام 2014)، فهل كانوا سيكتشفون أن هناك تجويفاً كبيراً أسفل هذا المكان. لا شك أن تلك المعلومات كانت ستصبح ذات فائدة."