زهير دعيم
أخبئكِ في ثناياي يا شريعة المحبّة ؛ يا من بهرتِ العالم بجمالك ودفء أنفاسك، وعلّمتِ البشرية درسًا بهيًّا ، فوق المدارك ، وفوق العقول ، وفوق الدُّنيا ، درسًا سمائيًا ، يلغي لغة البشر ، ويعانق المحبّة .....المحبة النورانيّة التي لا تعرف الأنانيّة ، ولا تعرف الاستحواذ والتملُّك.
كنْتُ قبل أن أسطِّركِ على شغاف قلبي غضوبًا ، يسود الانتقام على قاموسي ، وتتمشّى البغضاء في عروقي ، كما كلّ البشر.
كنتُ أعشق المال وأهيم به ، واتبنّى الهموم ، وأداري وأجامل وأقول : كلّها معتقدات وأديان من فوق ، وكلّها موحي بها ، وكلّها تصبّ في النبع إيّاه ؛ نبع الإيمان !!! إلى أن قرأتك يا شريعة السّماء ، فوجدت نفسي عريانًا أمام وهج الحقّ ، وأنكشف أمامي مدى غوصي في وُحول ومتاهات الأرض ، ومدى تشرّدي في صحراء العمر وسراب الفيافي.
وشربْتُ ، فارتويت ....
وتغيّرت الأحوال ، وتبدّلت الأيام ، وسرى الفرح في البيوت والنفوس والأوصال.
وهدأت النفس واستكانت ، ونامت كما فطيم في حضن أمٍّ رؤوم ، هدأت النفس واستكانت ، بل واستنارت ، وأضحت الشمس شمسًا وبات الظلام ظلامًا ، وغاب إلى الأبد عنصر المجاملة والتزلُّف ، فلم يعد الا الحقّ هو الحقّ ، وما تبقَّى ظلّ غبارًا .
حقًّا أسقط المُعلَّق بين الأرض والسّماء قشور العيون وبقايا الأمس.
حقًّا طهّر المصلوب النفوس ، وقدَّس الضمائر وعزّى الأرواح.
نعم ، امّحت الغيمة الدّاكنة وانقشعت ، وهبّ نسيم ألأمل يحمل للخليقة كلِها بشرى الخلاص.....بشرى الانفكاك والانعتاق .
بشرى الملكوت
بشرى السعادة الأبديّة.
قد تتساءل يا صاحبي إن كنتُ ما زلت أعثر ؟!!
وأجيب : نعم ولكن عثراتي أقلّ بكثير ، أحاول أن أجعلها ناصعة عند أقدام المصلوب في غرفتي المغلقة الا على الربّ ، فهو يدخل والأبواب مغلّقة ..يدخل باستئذان.
ذوقوا الربّ ، ذوقوه ولن تندموا ، فحلقه حلاوة ، وانجيله شهد ، ووصاياه لَذّة .
ذوقوه ولن تندموا ...
ففيه الكفاية ، وفيه الشّفاء ، ومعه وبه الملكوت.