الأقباط متحدون - تلسفوراس
أخر تحديث ٠٥:٥٠ | الاثنين ٩ مارس ٢٠١٥ | ٣٠أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تلسفوراس

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم   د. سحر الموجى
على باب بيتها وجدتْ العرَّافة خطابا بخط اليد، التقطته ودخلتْ إلى الشرفة، حيث كان القمر بدرا وهواء مارس اللطيف يهز فروع الصفصاف. كان الخطاب من «ندى» ابنة إحدى صديقاتها.

قرأتْ العرافة: «أكتب إليك اليوم كى أخبرك أن الاكتئاب غار فى ستين داهية، وأننى ولدت من جديد». ابتسمت العرَّافة وتذكرت صوت ندى الخافت المكتوم ونظرة عينيها المكسورة. كانت فتاة جادة، تخرجت فى كلية الهندسة واشتغلت، لكنها لم تتزوج على الرغم من بلوغها الثامنة والثلاثين،

وهو ما كان بمثابة الكارثة الكونية للأم التقليدية التى زوجت الابنين وتفرغت للولولة على حظ البنت السيئ، ولم يخل الأمر من لوم مستتر لندى أنها السبب وراء تأخر الزواج. ولأن ندى لم تخرج أبدا من قفص الإجابات الجاهزة، فقد ركبها كابوس الاكتئاب وقضت سنوات فى صحبة الأطباء والأدوية.

تُرى ما الذى حدث؟ نظرتْ العرافة إلى القمر ونهلتْ نفسا عميقا من هواء المساء، ثم عادتْ إلى الرسالة: «فى إحدى ليالى الأرق، خرجتُ إلى الشرفة. نظرتُ بعينين مجهدتين إلى السماء فى نفس اللحظة التى مرق فيها شهاب.

وكأن الشهاب قد ألقى بكشاف نور على جزء من عقلى فتذكرت حكاية سمعتها منك منذ سنوات. كنت قد حكيتِ أمامى أن عالم النفس «يونج» كان يبنى ملحقا لبيته على بحيرة «زيوريخ».

وجاء العمال عن طريق الخطأ بحجر ضخم لا يتناسب إطلاقا مع تصميم البيت الذى أراده «يونج» بسيطا وبدائيا. كان من البديهى أن يعيد يونج الحجر من حيث جاء، لكنه لم يفعل ذلك.

لقد أمر العمال أن يتركوه، وبدأ ينحت عليه صورا وكلمات. كان من بينها صورة رجل صغير بحجم طفل يرتدى خوذة ويحمل مصباحا. إنه «تلسفوراس»- أحد الآلهة الهامشيين لدى اليونان- واسمه يعنى «من يجلب التحقق»

- لذا فهو يشتغل مساعدا لإله الطب «إسكليبيوس». وكتب يونج على الحجر هذه الكلمات: «إن الوقت الممتد عبر العصور هو طفل يلعب لعبة المصادفات. الطفل ملك.

وتلسفوراس يركض فى الأماكن المظلمة مثل النجم الذى يضوى فى الأعماق، يقود إلى أبواب الشمس وأرض الأحلام». تذكرتُ الحكاية، وساعتها فهمت ما لم أفهمه فى المرة الأولى. لقد كان يونج مستعدا لاستقبال مفاجآت وأشياء خارج خطته المرسومة،

وهو ما جعله يحول خطأ العمال إلى لوحة فنية حفر فوقها كلمات قليلة تلخص- حسب قوله- ما كتبه فى ثمانية عشر مجلدا. إن الزمن طفل يلعب معنا ويقذف إلينا بكرة المصادفات وعلينا أن ننتبه كى نتلقفها. فى تلك اللحظة أضاء نور داخلى وأنا أفكر أننى كنت أجرى طوال حياتى نحو هدف واحد،

أمى وعائلتى ومجتمعى هم الذين حددوه. سألتُ نفسى للمرة الأولى إن كان الزواج هو هدفى أيضا. لا شك سأكون سعيدة لو تزوجت رجلا يناسبنى، لكن هل هذا هو كل شىء؟

كأن السؤال قد أحدث شرخا فى حائط عقلى ومن الشرخ دخل نور. بعدها بأيام وقع بين يدى إعلان عن ورشة لتعلم فن التصوير السينمائى. ما الذى جعلنى أرى الإعلان؟ كيف أدركت فجأة أن لدىّ هذا الشغف الذى كان متخفيا دوما وراء حبى للسينما؟ كيف جاءتنى الشجاعة للبدء فى طريق جديد؟

لا أعرف. ربما هى حكاية يونج والحجر الذى جاء عن طريق الخطأ. لكن ما أعرفه أن الحياة من وقتها قد بدأت تلعب معى لعبة المصادفات، وأننى أدرب نفسى على التقاطها لأنها تمر خاطفة كالشهب. «أكتب إليك لأدعوك السبت القادم إلى عرض فيلم روائى قصير قمت بتصويره».
 
طوت العرافة الرسالة وابتسمت للقمر.
 
  نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter