بقلم د. طارق الغزالى حرب | الاثنين ٩ مارس ٢٠١٥ -
٥٤:
٠٨ ص +02:00 EET
جمال مبارك
بقلم د. طارق الغزالى حرب
ربما كانت الرغبة المجنونة لدى السيد جمال مبارك لوراثة عرش مصر خلفاً لوالده، اقتداءً بحالات مماثلة فى البلاد التى تحكمها ديكتاتوريات عفنة فى بلاد سماها المفكر الكبير سعد الدين إبراهيم «جمهوملكيات» هى أحد أهم الأسباب المباشرة للحراك السياسى الكبير الذى حدث بمصر فى النصف الثانى من العقد
الأول للألفية الثالثه.. تلك الفترة التى شهدت تحركات واضحة لتنفيذ مخطط التوريث، على الرغم من كل الادعاءات الفارغة بأن ذلك لم يكن صحيحاً، وكأننا شعب من الأغبياء والبُلهاء، وشملت هذه التحركات تصعيداً لبعض الشخصيات المحيطة بالسيد جمال، سواء فى المناصب الوزارية أو فى ذلك الكيان
الممسوخ المسمى الحزب الوطنى أو فى وسائل الإعلام العامة والخاصة.. وشهدت هذه الفترة العديد من المآسى والكوارث التى تعرض لها الشعب المصرى المغلوب على أمره، كان العامل الأهم فى حدوثها، ترهل الدولة والفساد والإهمال التى نخرت كالسوس فى تربة الوطن، وكان وراءه دوماً رجال لا يُحاسبون، لأنهم يحظون برضا الرئيس والأهم أنهم كانوا لا يمانعون مخطط التوريث ويدعون إليه بطرق ملتوية وغير ظاهرة، انتظاراً لما سوف يتحقق على الأرض، وربما كانت حوادث غرق العبارة الشهير وحريق قصر الثقافة وقطار الصعيد، ثم التزوير الفج الصريح لآخر انتخابات لمجلس الشعب تمت فى هذا العهد
الأسود، هى من أبرز علامات هذه المرحلة، التى برز فيها أيضاً تغول الأجهزة الأمنية وصعود دورها كحامية أولى للنظام وداعمة لمخطط التوريث، فاستفحلت جرائمها التى انتهت بحادثى كنيسة القديسين ومقتل الشاب خالد سعيد بالإسكندرية. المهم أنه عندما تحرك الشباب الثورى الواعى الوطنى فى ٢٥
يناير رفضاً لهذا المخطط ولجبروت الأجهزة الأمنية الفاسدة ومنادية بالحرية والكرامة والعدالة، انضم إليهم جماعات الإسلام السياسى التى قدرت أن هذا هو الوقت المناسب لتنفيذ مخططهم الرجعى المجرم، استغلالاً لحالة الرفض الشعبى لمخطط التوريث (على الرغم من أنهم فى السر والعلن لم يكونوا معترضين عليه نظير صفقات منتظرة) ثم كان الدور الكبير لرجال القوات المسلحة فى حماية الثورة بمثابة رسالة إلى جموع الشعب المصرى بأنهم جزء منهم
ويرفضون أيضاً توريث الحكم فى جمهورية ما بعد ثورة يوليو المجيدة.. للأسف الشديد فإن حالة التوحد والإجماع هذه لم تستمر طويلاً، لأنه سرعان ما انفض كل طرف إلى أجندته الخاصة، وكان مؤسفاً ومُحزناً فى نفس الوقت أن يكون أضعف هذه الأطراف هو قوى الثورة الحقيقية، وفى مقدمتها الشباب
الذى حلم بدولة مدنية ديمقراطية حديثة يسود فيها العدل والقانون، وتُحترم فيها كرامة الإنسان وآدميته، وكان ذلك راجعاً بالأساس إلى قلة الخبرات وسذاجة الغلو فى الأمانى والطموحات وعدم التنبه للمخاطر والصعوبات، وهو ما أدى فى النهاية إلى إبعاد مرشحى التيار المدنى الذين يمثلون الثورة عن سباق
الرئاسة فى حين بقى على الساحة الطرفان الآخران. بالتأكيد فإن رفض الشباب الثورى الواعى لمخطط التوريث لم يكن يوماً لحساب فاشية دينية أو لحساب استمرار نظام يوليو بدعاوٍ فاشية وطنية، ولكنه كان من أجل بناء نظام جديد. الغريب أن من كانوا حول جمال مبارك يعيدون تنظيم أنفسهم الآن ويستعدون
لاقتحام الحياة السياسية مرة أخرى فى صورة حزب جديد ونواب بالبرلمان.. وربما نسمع قريباً من مبارك ما قاله الرئيس اليمنى الفاسد الذى أسقطته الثورة على عبدالله صالح مؤخراً عن ابنه الذى كان يعده أيضاً لوراثة منصبه «وما المانع أن يترشح ابنى للرئاسة كأى مواطن؟».. فكل شىء جائز فى هذا الزمان!
كلمات لابد أن تُقال: تحية واجبة لكل من فكر وأجرى التغيير الوزارى الأخير، باستحداث وزارتين جديدتين للتعليم الفنى والسكان، لأنهما يمسان قضيتين فى غاية الأهمية بالنسبة لمستقبل الوطن. لقد سبق أن طالبت بهذا الأمر أكثر من مرة فى مقالات متعددة، والحمد لله أن تحقق ما دعوت إليه ولو بعد سنوات..
أتمنى أن يسفر هذا التعديل عن طفرة فى التعليم الفنى بكل أنواعه وفروعه، مع وضع حوافز وابتكار أفكار غير تقليدية لتشجيع الطلاب الصغار على الالتحاق به، وأن يتم عمل بروتوكولات للتعاون ونقل الخبرات مع الدول المتقدمة فى هذا المجال، خاصة فى شرق آسيا.. وأدعو وزيرة السكان قبل أن تخطو خطوة
واحدة أن تُخرج من الأدراج عشرات الدراسات القيمة حول القضية السكانية، خاصة تلك التى قامت بها لجنة الصحة والسكان بالمجلس القومى للمرأة سابقاً، فالاستراتيجيات جاهزة وينقص فقط ترجمتها إلى خطط عمل مُحددة المدة بالتعاون مع الوزارات الأخرى المعنية ومتابعة حازمة ودقيقة على الأرض، وليوفقها الله.
نقلا عن المصرى اليوم