الأقباط متحدون - عنف البشر ؟.
أخر تحديث ١٤:٢٨ | الثلاثاء ١٠ مارس ٢٠١٥ | ١برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٩٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عنف البشر ؟.

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

نقاط على حروف *
العنف هو فعل أناني, غريزي, لم يتهذب بفلسفة المنطق, ولا بعاطفة الانسانية , يتمثل بسلوك وممارسات قاسية من قبل بعض البشر ضد آخرين, وقد مورس العنف كسلوك بشري في التعامل مع المحيط , منذ وجود الانسان على الأرض, وهو نابع أساساً, من مورّثات البدائية , ووحشية الغابة والعراء, التي عاشها الانسان , قبل تطوره الثقافي والمعرفي.

أما العنف المنظم أو الجماعي, فقد كرسته عقيدة الصح المطلق في العِرق أو الدين أو الفكر, أو نزعة الأحقية في المُلك, التي سادت لقرون عديدة , ومُورست بسببها مختلف أشكال القسوة في التعامل مع الخصوم, وبسببها دارت معارك وحروب سالت فيها أنهار من الدماء , لتترك في النفوس , كما في كتب التاريخ والمراجع, مزيداً من الجروح والحقد والكراهية , وبالتالي مزيداً من النقمة والثأر والانتقام ، تبلورت في صورة عنف مضاد, لتستمر – من ثم - معادلة العنف والعنف المضاد أمداً طويلاً جداً فيما بين الجماعات المختلفة, وتجلب الويلات والكوارث على المجتمع البشري , في أكثر من زمان ومكان.

مع اتساع رقعة الحروب, وزيادة حجم الضحايا , في معارك الإلغاء بين الخير المطلق والشر المطلق, وعقيدة الفردية المطلقة والرؤية الأحادية , وتجريم الاشراك فيه ، تطورت أدوات العنف وأساليب ممارسته, ليأخذ في بعض الأمكنة والعصور, أشكالًا أكثر بشاعة , يجفل الانسان من مجرد ذكره , ليس في ساحات المعارك وحدها , بل وكذلك مورس العنف في طقوس احتفالية كانت تقام لمشاهدة طريقة العقاب, بحق الخارجين على أولي الامر, أو بحق أسرى الخصوم, وبأوامر من الحكام والملوك أنفسهم , حيث تفاوتت أساليب التنكيل , بين الطعن بالرمح , والنحر بالمقصلة , وبتر الأطراف بالسيف, والتمثيل بالأحياء , وفقئ العيون, والسلخ, والحرق, والافتراس من قبل حيوانات متوحشة , إلى الإعدام شنقا, والخازوق العثماني ...

مع التطور الفكري وسمو الثقافة الإنسانية, والتحرر النسبي للإنسان من عقيدة الصح المطلق وعبودية الحاكم الفرد, انتعشت فلسفة الحياة, و وُضِعَت مبادئ القانون الإنساني الدولي, وقوانين المجتمع في التكافل والتكامل والعيش المشترك وحماية حياة الأفراد, والجماعات الضعيفة, وكذلك حماية الطبيعة, وتعالت الأصوات المطالبة بالسلام والطمأنينة على سطح المعمورة .... لكن المؤسف أن آلاف القوانين هذه , وعشرات الدساتير الرسمية, التي وضعها الانسان, كخلاصة لتاريخه, الممتد لآلاف السنين, والحافل بالحروب والصراعات ونزيف الدم , وتجاربه غير المجدية والفاشلة في إقصاء الخصم وإلغائه عن طريق العنف, لم تكن كافية إلى يومنا هذا , لتهذيب بعض الثقافات العنفية ولا لردع بعض الجماعات الدينية, والعرقية المتطرفة , ولم تضع نهاية للعنف والسلوك القاسي, في تعامل السلطات المستبدة بحق معارضيها , من أفراد ومجموعات, ولا في تعامل المختلفين, في العقيدة والطائفة , أو في الفلسفة والفكر, بل تصاعد الخط البياني للعنف في العقود الأخيرة , ليبلغ ذروة يتحول فيها إلى إرهاب, بات يهدد اليوم قيم الإنسانية, وصروح الحضارات, والأمان والسلام العالميين . ومن المهم هنا, وتحت بند عنف السلطة وإرهاب الدولة, في القرن الواحد والعشرين, التذكير بجرائم النظام السوري, التي فاقت كل تصور ضد معارضيه في السجون, وضد شعبه في المدن والأرياف, وكذلك أحكام الإعدام الجماعية الظالمة, التي تنفذها زبانية نظام الملالي في ايران, بحق المعارضين والمناضلين, ولا سيما بحق الكرد هناك.

ومن المهم جداً, وتحت بند إرهاب التكفيريين والجهاديين, دق ناقوس الخطر للمجتمع الإنساني بغية الوقوف صفاً واحداً, ضد عنف وإرهاب المجموعات الجهادية وتوحشها, مثل " القاعدة " و " بوكو حرام " و" داعش " وأخواتها, والتعاون على محاربتها, باعتبارها تشكل الخطر الأساس على الإنسانية وعلى عروة الوئام المنشود بين الأديان والطوائف والأعراق المختلفة على سطح البسيطة . الرقعة الجغرافية المحدودة لهذه الجماعات, لا تعني الحد من انتشارها المتزايد في مختلف البلدان والبقاع, فهي ضليعة بالتكنولوجيا ووسائل الاتصال ، ومعرفة البيئة الثقافية التي تنتج هذه السلالات الموبوءة – ونقصد ثقافة الاسلام السياسي – لا تكفي لوقاية وتحصين الثقافات الأخرى من العدوى والاختراق, فجريمة حرق الطيار الأردني الأسير وذبح العمال الأقباط في ليبيا, والهجوم الإرهابي على مقر صحيفة شارلي إيبدو في فرنسا, وجرائم الإبادة الجماعية بحق الكرد الإيزيديين في شنكال, وجرائم القتل الجماعي للمسيحيين في نيجيريا, واختطاف الآشوريين في ريف تل تمر والكارثة التي وقعت على كوباني, وقبلها مفخخات بومباي, ولندن, وموسكو, وتفجيرات نيويورك الرهيبة .... تعني أن العالم المتحضر وإرادة الانسان في الحرية, على امتداد مساحة الأرض أمام تحدٍ حقيقي, مع عدوٍ غير تقليدي, محسوسٍ, أكثر من كونه ملموساً, يمكن أن يظهر مثل الشبح في أي مكان, لأن طريقة تعبيره الوحيدة عن نفسه هي القتل والحرق والذبح والتفجير.... مع عدوٍ هو نتاج رؤية أحادية , وثقافة متناقضة, وأحقاد تاريخية متراكمة لا تروق له التعددية ، ولا يعترف بالآخر المختلف, يمكن أن ينفجر في أي مكان وأي زمان ، لأنه وليد كبتٍ متراكم وعبودية مستدامة في حضرة عصر الحرية.

أما عملية الاستغلال السياسي للإسلام عموماً والاستثمار في بورصة المجموعات الجهادية المنبثقة عنه, من قبل بعض البؤر الشوفينية الرسمية منها وغير الرسمية ، حيث تتكشف بعض جوانب هذا الاستثمار من هنا وهناك, وقد يفصح التاريخ يوماً عن تورط دول ومنظمات وأمراء وأثرياء... فلن تجلب مكاسباً لأحد , وهو استثمار مقامر ينذر بكارثة حقيقية تهدد الأمن والسلام في ربوع منطقتنا التي هي قلب العالم , ولهذا سوف لن يسلم العالم من شرورها وآثارها, كما لن تسلم دول المنطقة , بمن فيهم مالكو الأسهم أنفسهم ، المموّلون والمزوّدون بالسلاح ، ومن يغض الطرف عن أنشطتها وكذلك – طبعاً - حواضنها والمصفّقون لقدومها.

* جريدة الوحـدة – العدد / 259 / - الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter