منذ الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبى توت عنخ آمون والعالم يجتاحه هوس بكنوز الفرعون الشاب وبقصة حياته؛ ولذلك لم يكن غريباً ذلك الانزعاج الذى اجتاح العالم كله بعد سماع أخبار الترميم الخاطئ لقناع الملك باستخدام مادة الإيبوكسى. وفى كل ولاية أحاضر فيها الآن بأمريكا فإن السؤال الأول من الحاضرين هو عن القناع وسلامة القناع؛ وقد صرحت فى جميع وسائل الإعلام بأن وزارة الآثار المصرية سوف تعلن قريباً عن خطة ترميم القناع، وعند انتهاء أعمال الترميم سيعود قناع الملك لكى يزهو ويلمع من جديد. وكان غريباً أن يتم حجز جميع أماكن محاضرتى بمتحف التاريخ الطبيعى بمدينة سان دييجو خلال ساعات من الإعلان عنها، حتى اضطر المنظمون إلى تنظيم محاضرة أخرى فى اليوم التالى تم حجزها هى الأخرى بالكامل، وذلك على الرغم من ارتفاع ثمن التذكرة.
وحدث بعد أن انتهيت من إلقاء محاضرتى وتوقيع كتابى عن توت عنخ آمون أن وجدت فتاة شابة تطلب منى أخذ صورة معها، وكانت المفاجأة أنها قد وشمت جسدها بقناع الملك توت عنخ آمون؛ وأخبرتنى أن الملك توت عنخ آمون هو فارس أحلامها، وأنها تؤمن بأنها عاشت فى العالم القديم، وأنها هى الملكة عنخ إس آمون زوجة الملك توت عنخ آمون!! إنه الهوس بالفراعنة وبالملك توت، الذى لم تستغله مصر حتى الآن لكى تحدث طفرة اقتصادية كبيرة.. تخيلوا أننا استطعنا أن نحقق ١٤٠ مليون دولار من إرسال معرض للملك توت يضم ٥٥ قطعة فقط من آثار الفرعون الذهبى لا تضم قطعاً فريدة مثل كرسى العرش أو القناع الذهبى مثلاً.
وما زلت أذكر ما حدث فى عام ١٩٧٧ عندما سافر قناع الملك توت عنخ آمون إلى ست مدن أمريكية، وفى إحدى المدن سقطت سيدة شابة أمام الفاترينة التى يعرض بها القناع وعندما أفاقت وسألوها عما حدث قالت: كنت أنظر إلى القناع الساحر وفجأة وجدت الممثل الشهير كارى جرانت يقف بجوار القناع ولم أصدق عينى أننى أنظر إلى توت عنخ آمون وكارى جرانت فى وقت واحد!! وفى مدينة شيكاغو وأثناء افتتاح معرض توت عنخ آمون وقف نائب جون رو، رئيس شركة إكسلون الراعية للمعرض، يعتذر عن عدم حضور جون رو بنفسه نظراً لأنه فى اجتماع مهم مع جورج بوش رئيس الولايات المتحدة فى ذلك الوقت.
وأضاف النائب أن جون رو من حبه للفراعنة يحتفظ بتابوت فرعونى فى مكتبه! بعدها قلت للحاضرين إن على السيد جون رو إهداء التابوت إلى المتحف، فالآثار لا تعرض بالمكاتب وإنما بالمتاحف، والفراعنة لم يصنعوا توابيتهم الجميلة لتُزيّن مكاتب السيد جون رو! ونقلت الصحف ووسائل الإعلام ما حدث ولم يعد هناك حديث بالمدينة سوى مشكلة تابوت جون رو. وعندما سألته وسائل الإعلام رفض رد التابوت، ولكن وبعد أن أمرت بإزالة اسمه واسم شركته من الدعاية للمعرض بوصفه أحد الرعاة، قام على الفور برد التابوت إلى متحف شيكاغو. وكتبت شيكاغو تيربيون على صدر صفحتها الأولى قصة بعنوان مشاجرة بين فرعونين مصرى وأمريكى، والفوز كان من نصيب الفرعون الأصلى لأن توت كان يؤيده! وعندما زار الرئيس أوباما الأهرامات ذكّرنى بهذه الحادثة، وقال لى: كنت وقتها سيناتور إلينوى، وكنت أتقصى أخبار هذه المشكلة بينك وبين جون رو، أحد أقوى الرجال بالعالم كله وليس بأمريكا فقط! وقد جعلت هذه المعركة أكثر من مليون أمريكى يزور المعرض. وقد ذكر لى السفير خالد راضى، قنصل مصر العام، بعد محاضرتى بمدينة هيوستن أن السفارة المصرية لم تستطع الحصول على أى بطاقات دعوة لمحاضرتى، حيث بيعت بالكامل بعد طرحها، وقد فاجأتنا مديرة متحف العلوم الطبيعية بهيوستن ونحن نتناول الغداء بأن أشهر طباخ بالمدينة يؤمن بأنه كان طباخ الملك توت عنخ آمون، وقد حقق الملايين من هذه الدعاية المرتبطة باسم الملك توت. ويبقى السؤال: متى تستغل مصر مرة أخرى هذا الهوس والجنون المرتبط بكل ما هو فرعونى؟ لدينا الأهرامات وأبوالهول وتوت عنخ آمون، ونطمع فقط فى تذكرة دخول سائح لا تتعدى ستة دولارات!!
نقلا عن المصرى اليوم