كم من الروائيين العظام سرقتهم الصحافة بماكينتها التى لا تشبع، على رأس هؤلاء الرائع فتحى غانم، كان كسولاً بطبعه، متأملاً بالسليقة، فيلسوفاً فى بدلة روائى، كان يرسم تفاصيل الرواية ويحافظ على إيقاعها وكأنه يلعب الشطرنج، تلك اللعبة التى عشقها حتى الثمالة، إنتاجه قليل، لا يتناسب عدد رواياته مع قامته وموهبته وتفاصيل وخبرات حياته الحافلة بالأحداث، يرجع ذلك إلى العمل الصحفى الذى استغرقه وكان معظمه فى مؤسسة روز اليوسف، التى كانت حينذاك كتيبة مواهب تحمل شعلة التنوير والثورة فى زمن كانت الصحافة فيه هى ترجمان أحلام تلك الأمة، بل وأحياناً صائغة تلك الأحلام، فعل القائمون على ترتيب مؤتمر الرواية العربية خيراً أن أطلقوا عليه اسم فتحى غانم وأهدوه إلى روحه، فهو بالفعل لم يأخذ حظه، ومعظم الجيل الجديد لا يعرف من هو فتحى غانم، لم يقرأ معظمهم «الرجل الذى فقد ظله» أو «زينب والعرش» أو «الجبل» أو «حكاية تو» أو «الأفيال»، أتمنى من التليفزيون المصرى بهذه المناسبة أن يعيد عرض مسلسل «زينب والعرش»، وهو واحد من أجمل وأروع المسلسلات التى أنتجها قطاع الإنتاج ضمن كلاسيكياته التى لا تنسى وقت أن كانت مهمته التصنيع الدرامى الثقيل فى زمن المرحوم ممدوح الليثى، شارك فتحى غانم صديقه المبدع وتوأمه الصحفى والروحى صلاح حافظ كتابة سيناريو المسلسل، وأخرجه المخرج الكبير يحيى العلمى، ووضع موسيقاه التصويرية الفنان عمار الشريعى، المسلسل أجمل ما قدم عن كواليس الصحافة المصرية برغم ما كتب عنها من مصطفى أمين وموسى صبرى وغيرهما من روايات، إلا أن زينب والعرش تظل هى أصدق مرآة عكست هذه الغابة المتشابكة بأحراش مؤامراتها ودسائسها، لا بد أن يرى الجيل الجديد أقوى مباراة تمثيلية بين عمالقة الدراما التليفزيونية، مشاهد تدرس فى معاهد الفن وأكاديميات التمثيل، العملاق محمود مرسى أمام الفنان الجميل كمال الشناوى فى حوارات بديعة، يصل فيها العزف الدرامى إلى ذروة الكريشندو، تشاهدها كأنك تستمع إلى سيمفونية درامية مكتملة المعانى والأنغام، الفنان حسن يوسف وسهير رمزى وعبدالمنعم إبراهيم ومحمود المليجى، وكوكبة من كبار النجوم يعزفون وهم فى قمة لياقتهم الفنية، أجمل ملاحم الدراما التليفزيونية. أطلب من الأستاذ عصام الأمير والمخرج مجدى لاشين إعادة عرض «زينب والعرش» لكى يعرف الجيل الجديد من هو فتحى غانم.
نقلا عن د.خالد منتصر