د.ماجد عزت إسرائيل
وللبابا شنودة مكانة عند العرب والمسلمين فلقبوه بـ"العرب" أو البابا شنودة الثالث البطريرك رقم (117)، هو بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وسائر بلاد المهجر،كان أول أسقف للتعليم المسيحى،ومن بين كتاب جريدة الجمهورية و الأهرام اليومية،درس فى كلية الآداب قسم التاريخ،ثم الكلية الإكليركية ، التى أصبح بعد ذلك مدرساً بها،ويمتلك موهبة نظم الشعر،وله العديد من القصائد الشعرية وكان من خدام الكنيسة الناشطين ، فكان خادمًا في مدارس الأحد، ثم خدم وطنه ضابطاً برتبة ملازم فى بالجيش
وفى أواخر منتصف القرن العشرين ذهب للرهبنة بدير السريان بمنطقة وادى النـطرون، بمحافظة البحيرة،وتمت رسامته راهبــــاُ،ثم أسقـــفاً للتعليم العام،ثم بطريريكاً ليصبح البابا رقـم (117) فى 14 نوفمبر 1971م، وكانت الرهبنة فى حياته تعنى حيـــاة الوحـدة والزهـــد والنسك والصلاة والتســبيح، وهي فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البطاركـة والأساقفـة الذين قـادوا الكنيسة بالحكمة، وتنيـح (توفى) فى يوم السبت الموافـق 17 مارس 2012م،بعد أن قـضى على الأرض نحو 14 يـوم و7 شهور و88 سنة.
ورغم أن البابا شنودة الثالث كان هو المسئول عن كل شيء، إلا أنه لم يكن يمتلك اتخاذ القرار منفرداًً، لان الكنيسة القبــطية تتميز – على مر العصور – بمسحة ديمقراطية لا تخلو منها عملية صنع القرار في هذه المؤسسة الدينية، فعلى الرغم من احتلال البابا قمـة الهرم القيادي في المؤسسة الكنيسة، وما له من قداسة دينية إلا أنه كان لا يستطيع الانفراد باتخاذ القرار، ويرجع ذلك إلى أن قداسته قدرمسؤليته كـ "رئيس الأساقـفة "،منفذاً وثيقـة تكريز الباباــ من قـــــراءات طقس رسامة البـــــطريرك ــ،والتى تقول على لسان بعض الأساقفة: " لكي يرعانا بكل الرأفـة والوداعـة "،ونشر الكرازة فى شتى بقاع المسكونة، فخدم شعبه بأمانه.
وفي أواخر القرن العشرين نال البابا شنودة الثالث مكانة كبيرة لدى المسلمين على مستوى مصر والعالم العربي لمواقفـــه الوطنية الـبارزة، نـــذكر منها على سبيل المثال رفضه التطبيع مع إسرائيل،وزيارة القـــدس إلا مع المسلمين، وإيمــانه التام بالحقوق المشروعة للفلسطنيين، فلقبوه بـ ( بابا العرب) و لايزال يعرف بهذا اللقب.
وقد ساهم البابا شنودة الثالث فى تـــقوية جــسور المحبة بين المملكة العربية السعودية ومصر،حيث ذكر الدكتور "مصطفى الفقى" فى حوار مع جريـــدة الأهــــرام المصرية بعنوان" خزائن واسرار البابا" قائلاً" جاء الأمير "سلمان آل سعود" وزير الدفاع السعودى (أمير الرياض فى ذلك الوقت)،واتصل بالرئاسة وقال لى: سأقيم معرض "الرياض اليوم" ولى طلب أن يكون قداسة البابا شنودة الثالث موجودا، فأدركت أهمية هذا الرجل الذى تمكن من حل "الحساسية التاريخية" للأقبـاط والعروبة" وقد زارت الأميرة" بسمـة آل سعود" البابا لدعوته للمشاركة فى الهيئة الدولية التى تنظمها لمساعدة الشعوب خاصة المرأة والطفل،وأعربت عن سعادتها بزيارته وواصفة إيـاه،بأنه بابا العرب، كما حرص سفير السعودية لدى مصر "أحمد قـطان"على التواصل الدائم مع البابا.
ونعت المملكة العربية السعودية قداسة البابا شنودة بعد رحيله قائله "ينعى شعب بلاد الحرمين ببالغ الحزن والأسى سماحة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، الذي وافته المنية أمس السبت، سائلين الله له الرحمة والمغفرة،ويتقـــدم شعب بلاد الحرمين في هـــذا المصاب الجلل لكل الإخــوة المسيحيين عامة والمصريين خاصة بأحر التعازي وصادق المواساة،إنا لله وإنا إليه راجعون،الحق فوق القوة والأمة والوطن فوق الحكومة، كما هو معروف، سبحان الله وبحمده،لا حــــول ولا قوة إلا بالله"،وقــــدم سفيرها بالقاهرة التعازى لأعضاء المجمع المقدس والقائمقام البطريركى.
كما حرص الرئيس الفلسطينى "ياسر عرفات" على زيارة البابا شنودة الثالث،عندما كان يأتى إلى مدينة القاهرة، تقديراً لقداسته على إيمانه ومساندته للشعب الفلسطينى، وشارك وفد من السلطة الفلسطينية فى تقديم واجب العزاء بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة.
كما دعا الرئيس الليبى معمر القذافى قداسة البابا شنودة الثالث فى أوائل أكتوبر 2003م، لتسلم قلادة جائزة القذافي الدولية لحقوق الانسان، لهذا العام تقديرا لمواقفه الوطنية وإسهاماته الفكرية في ترسيخ التسامح الديني والحوار البناء بين الاديان،وأكد" نوري حميدي" المنسق العام للجنة الشعبية الدولية لجائزة القذافي أن تكريم المتنيح البابا شنودة هذا العام جاء تقديرا لمــواقفه من قضايا الحرية والسلام وتـقديرا لمكانة مصر وشعبها ورئيسها السابق "محمد حسني مبارك"،ووصف الرئيس الجزائري السابق"أحمــــد بن بيللا" ورئيس اللجنة الدولية لجائزة القــــذافي تكريم البابا شنودة، بأنه يعد تكريما للعلاقات التاريخية بين مصر وليبيا، ويعد تكريما لمصر بكل قـدراتها وطموحاتها ودورها في محيطها العربي والافريقي والاسلامي والمسيحي.
ودعا سمو الشيخ"محمد بن زايد آل نهيان" رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قداسة البابا شنودة الثالث، لأفتتاح كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس فى أبوظبى،فألقى خلالها محاضرة أشاد فيها بمناخ التسامح الديني وأجـواء المــودة والتعايش الإنساني والحضاري، التي تنعم بها دولة الإمارات، مما جــعلها مكاناً آمناً، ومُفضّلاً لكل محب للإنسانية والسلام، وبعد رحيله نعته دولة الإمارات المتحدة حكومة وشعباً على لسان سمو الشيخ"محمد بن راشد آل مكتوم قائلاً: ".. اننا نشاطركم الحزن العــــميق برحيل البابا شنودة، الذي كان مثالا لرجل الدين الذي يؤمن بالتسامح والتعايش بين الطوائف والاديان، ويحرص على وحدة الشعب المصر الشقيق".
وفى 17 مارس 2012م تنيح قداسة البابا "شنودة الثالث"" البطريرك (117)، وإذاعت شتى الفضائيات العربية والأجنبية خبر نياحته قائلة: "توفى بابا العرب"، واعـــــربت مؤسسة الرئاسة عن حزنها لوفاته، وحضر وفد من الرئاسة برئاسة "محمد حسين طنطاوى"،والفريق "سامى عنان" لتقديم العزاء للقائمقام البطريركى الأنبا "باخوميوس"، وأعضاء المجمع المقدس.