بقلم - ماجدة سيدهم
وكلما حل الربيع حل مارس أيضا ملفوفا بهدايا كثيرة ،ملء الشوارع والشاشات أغنيات وتكريمات ومأثور المقولات، يا ماما ..يا أمة ..ياماتي .. كلما عاد الربيع عاد أيضا مارس في موعده ولا يخلف قدرته على مغازلة الوجع من جديد ، في كل مارس أجوب الزحام ، أنتقل بين الأرصفة أرقب حركة المحلات وسباق التنزيلات " بمناسبة أعياد الأم "،بضعة قروش في جيبي وربما الكثير من البنكنوت لكن الابتياع مرورا بين تهافت المجاملات والهدايا يصنع غصة تشك حلق الافتقاد،ذاكرتي خالية من صوتها .. من ملمح وجهها ،من رائحة شعرها وضحكاتها وتعنيفها ، من حرارة صحن بطاطا تمده لي أو مزيج الحليب بقطع البسكويت أو تجفيف جسدي الصغير بعد حمام ساخن في كل أيام الصقيع الرابض بتقويمي ، نعم خالية ذاكرتي من حضن أمي وطعام أمي ورعاية ودواء أمي لكنها ممتلئة جدا جدا بكل تفاصيل أمي ، لم اتذوق كيف يكون حضن الأم، آخرون يفعلون لي هذا ..لكنهم ليسوا أمي ، أنا محظوظ لأن أحيانايمر بي آخرين، لكني عريان ، جائع ، ارتجف كل العام ، يجول بخاطري أن أكرر فعلتي كما قبلا وأسرق أما ، حين غلبتي المصادفة وتابعت أحدهم ممسكا بيد أمه فهرعت وقذفته بعيدا وتشبثت بيدها أنا ولما انتهرتني بصفعة طازجة حينها فقدت أمي مجددا ، في فصول المدرسة المعلمات يعرفن الهدايا اليتيمة ويقبلنها بتجاهل حينها أيضا فقدت أمي مجددا ، لازلت أجوب شوارع ودكاكين مارس، أتوسل الزحام كي يلتفت لي ، أن يفتش عني ،يفتش معي عن وجه أمي ، أن يندهش لوحشة داخلي بجحم أمي وفاقت جدا حجمي ، أرجوكم لا تتجاوزوني أنا هنا، أنا هنا ، في كل مرة وعلى ذات الرصيف وبذات الدفتر الذي لي أجلس كي أخترع مجددا وجه أمي .. كما يحلو لي وكما تحب أن أرسمها ، وجه أمي هذا الربيع أكثر اشراقا عن كل المرات السابقة فهي تضحك أكثر أكثر جدا ، يا أصدقاء الزحام أنظروا ..هذا هو وجه أمي ، ما رأيكم ..اخترعته لتوي الآن ،إنها تعرفني وتناديني باسمي ،أنظر يا أنت ، التفتي يا أنتِ ،هذه هي أمي ، تضحك لي ، لاتنتهروني ،التفتوا إلى ولا تحتقروا وجه أمي .. أرجوكم .. أرجوكم .. لا تجعلوني أفقدها مجددا ..ليسقط إذا 21 مارس من تقويمكم ولا تغتالوا من دفتري وجه أمي..
كل عام والفقد بخير ..