للعام التالى على التوالى أُدعى إلى «منتدى هلسنكى للسياسات»، ويشارك فى تنظيمه واحد من أهم مراكز الأبحاث البريطانيةForward thinking، مع المعهد الفنلندى للسياسات الخارجية المقرب من وزارة الخارجية الفنلندية.
وفنلندا بلد صغير يتجاوز عدد سكانه 5 ملايين نسمة بقليل، وعاصمته يسكنها ما يقرب من مليون نسمة، وهى بكل المقاييس عاصمة صغيرة فى بلد متقدم و«شمالى جداً»، ولديه هواجس كثيرة من جيرانه الكبار، خاصة روسيا التى كانت فنلندا جزءاً من إمبراطوريتها القيصرية فى يوم من الأيام.
وأقصى الشمال غير الشمال الذى وصفه الأديب السودانى الراحل فى روايته البديعة «موسم الهجرة إلى الشمال»، فأقصى الشمال هو البلاد الاسكندنافية الثلاث (الدنمارك والسويد والنرويج)، ومعها أيضاً بلاد أخرى فى أقصى الشمال مثل فنلندا واستونيا التى تذكرك بروايات القطب الشمالى التى قرأها كثير منا فى صباه، أو الأفلام السينمائية الشهيرة التى صورت الحياة على جليد القطب الشمالى، حيث الصقيع القارس، والضوء الخافت، والمعاطف «الفرو» التى يرتديها الناس ويذكرونك فى حركتهم برواد الفضاء.
أنت فى بلد لا ترى الشمس فى الشتاء، فالليل سيد الموقف، ولا يغيب عنه النهار فى الصيف لأنه يمتد 22 ساعة، وتندهش وتقول «سبحان الله»، إذا وصلت هناك صيفاً فى الحادية عشرة مساء ستجد السماء مضيئة كأنك فى وقت الغروب، وحين يأتى الشتاء لا ترى «نور ربنا» إلا ساعات محدودة، وترتفع معه معدلات الانتحار فى هذا البلد الصغير.
«منتدى هلسنكى للسياسات» يفتتحه وزير الخارجية الفنلندى، والحضور فى حدود 20 شخصاً من بلاد شرق أوسطية (ما عدا إسرائيل) وأوروبية، ومن مصر كان هناك كاتب هذه السطور، وفكرى نبيل، القيادى بحزب مصر القوية، ومن تونس جاء وفد واسع ضم رئيس الوزراء الأسبق من حزب النهضة، حمادى الجبالى، ووزير أشغال من حزب النهضة، ونائبة وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولى أمل عزوز، وتنتمى أيضاً إلى حزب النهضة، وحضر مشارك واحد من حزب نداء تونس وهو ما جعلنى ألفت نظر أحد أصدقائنا المنظمين إلى هذا التمثيل غير المتوازن، ما دفعه على «الطريقة المصرية» (رغم أنه بريطانى) أن يقسم «ثلاثة بالله العظيم» أنهم دعوا مستشار الرئيس (من نداء تونس)، وأخرج لى صورة بطاقة الطائرة من هاتفه النقال ولكنه اعتذر فى آخر لحظة.
وجاء من تركيا عثمان فاروق لوجلو (وليس أوجلو كما هى العادة)، سفيرها السابق فى واشنطن، والبرلمانى الحالى عن حزب الشعب الجمهورى (حزب المعارضة الرئيسى لأردوجان)، ومعه نائب آخر تركى ينتمى لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ومن إيران جاء نفس الرجل الذى حضر العام الماضى، وهو سيد محمد ساجبور، وهو أكاديمى وسفير سابق لامع وشديد الذكاء، بجانب عدد من الدبلوماسيين والنواب الأوروبيين.
وحضر من ليبيا 5 سياسيين، بجانب اثنين من رجال الأعمال الخليجيين، أحدهما كويتى والآخر بحرينى.
وعادة ما يستمر النقاش ليوم كامل، ثم ينظم الجانب الفنلندى فى اليوم التالى ندوة مفتوحة للمهتمين بالشرق الأوسط من الباحثين والدبلوماسيين، واختار 4 من المشاركين فى هذا المؤتمر للتحدث فيها، منهم كاتب هذه السطور.
النقاش كان بناء وإيجابياً، وإن لم يخلُ من سجال مع الوفد الليبى المنقسم بين مجموعة طرابلس الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الإسلامية، ومجموعة «بنغازى» التى يمثلها البرلمان الليبى المنتخب، فى حين ركز المشاركون الأتراك والإيرانيون على أدوار البلدين الخارجية ولم يتطرقوا للأوضاع الداخلية فيهما.
بقيت هناك قضيتان أثيرتا فى المؤتمر وتستحقان حديثاً خاصاً غداً.
نقلا عن المصر اليوم