كشف الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، عن عملية اختراق وحدتين عسكريتين أمريكيتين، هما طراد وفرقاطة، للمياه الإقليمية المصرية عقب ثورة 25 يناير.
وأوضح «مميش»، في حواره مع «المصري اليوم»، «أنه أثناء الانفلات الأمني أبلغته قوات تابعة للجيش برصد وحدتين حربيتين أمريكيتين عليهما مجموعة من السفن وطائرات الهليكوبتر، فحاصرتهما القوات البحرية وأجبرتهما على الانسحاب». وقال: «كان مهماً جداً برغم الثورة والانفلات الداخلي أن يشعر الأمريكيون أن الجيش المصري في غاية التنبُّه والتأهُّب والقوة، ما يردعهم عن الإقدام على أي تصرف أو تدخُّل».
وحول رفض مصر الطلب الأمريكي بمشاركة قواتها في التصدي للقراصنة، أكد أن موقف القاهرة مبنى على التخوف من افتعال مشكلات عند مدخل قناة السويس فتطلب الولايات المتحدة المشاركة مع مصر في تأمين القناة تماماً كما شاركناها في حماية مضيق عدن. وتحدث «مميش» عن تنمية محور قناة السويس، مؤكدا رد أموال المصريين مع فوائدها بعد 5 سنوات، إذ سيُسدد نحو 100 مليار جنيه في حين ستُحقَّق القناة إيرادات في المدة نفسها تصل إلى 200 مليار جنيه.. وإلى نص الحوار.
■ نبدأ بعوائد المؤتمر الاقتصادى فيما يخص قناة السويس.
-عائد المؤتمر الاقتصادى الذي عقد بمدينة شرم الشيخ، مؤخرا أكثر من ممتاز على مصر بأكملها، سواء من حيث المردود السياسى أو الاقتصادى، أما فيما يخص قناة السويس، فقد أبدت دول كثيرة رغبتها في الاستثمار في مشروع القناة، لأنه الأكثر أمناً وتميزاً في العالم، حيث تم طرح 10 مشروعات لتنمية محور القناة في المؤتمر بقيمة 45 مليار دولار، منها 15 مليارا للمرحلة الأولى.
■ هل انتهت «دار الهندسة» من إعداد المخطط العام لتنمية محور القناة؟
- نعم، أنهت الدراسة النهائية للمخطط العام الفنى والقانونى في الوقت المحدد وفق العقد المبرم، وسيتم تقديمه قريباً إلى مجلس الوزراء.
■ مَن الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذا المخطط.. فأحياناً تكون الدراسة رائعة على الورق ويكمن الخطر والخلل في التنفيذ؟
- ستتولى هيئة قناة السويس الإشراف على الإعداد والتنسيق للمشروع والترويج له، لحين صدور قرار رئاسى بإنشاء هيئة خاصة لتنمية منطقة القناة يكون لها كامل الصلاحية والاختصاصات، منعاً لتضاربها مع وزارات وهيئات أخرى، ليصبح للمشروع جهة واحدة مسؤولة عنه، ما يسهل التعامل على المستثمرين.
■ دعنى أعود إلى اللحظة التي فاجأك فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى برغبته في جعل مدة الانتهاء من حفر القناة الجديدة سنة واحدة وليس ثلاث سنوات كما كان مُعدّاً سلفاً.
- عندما يصدر الأمر من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة يصبح واجب التنفيذ، ولا نملك إلا الإجابة بـ«نفذ» يا فندم بصيغة الماضى، وهى دليل على وجوب التنفيذ وسرعة الإنجاز.
■ بصراحة.. ألم تشعر بالتوتر نتيجة ضغط المدة وما يستتبعه من تغيير في الدراسة؟
- المؤسسة التي تربيت فيها علمتنا ألا يصيبنا التوتر من القرارات المفاجئة، فكل شىء قابل للتعديل والحل وإعادة الدراسة ليتواءم مع الواقع الجديد، وكل ما علينا فعله هو إعادة دراسة تدبير التمويل ومضاعفة معدات العمل لضغط مدة التنفيذ، لذا بعد الخطاب قررت تأجير معدات من خارج الهيئة؛ لأن معداتها لن تستطيع إنجاز المهمة في الوقت المحدد حتى لو عملت ليل نهار، وكنت أضع في حساباتى تدبير الأموال من ميزانية هيئة قناة السويس.
■ وهل كانت هناك أموال تكفى في موازنة الهيئة لحفر القناة الجديدة؟
- نعم.. بكل تأكيد.
■ إذن لماذا تم جمع 64 مليار جنيه من المصريين؟
- لقد أعددنا دراسة الجدوى الفنية والمالية والملاحية للمشروع، وكان مخططاً أن أحتجز جزءاً من أرباح القناة كل عام لتنفيذ المشروع على مدى ثلاث سنوات، وحتى بعد قرار الرئيس بجعلها عاماً واحداً، لم يكن لدىّ مشكلة في التمويل لأن إيراد القناة كبير، لكن المشكلة هي أن القناة تعطى الدولة نحو 90.8% من الإيراد وتحتفظ بالباقى من الدخل. وبالتالى فإن تنفيذ المشروع في عام، كان سيستوجب اقتطاع جزء من موارد الدولة لصالح المشروع، ما قد يؤثر على الموازنة العامة؛ لأن القناة هي مصدر الدخل الوحيد في ظل توقف قطاعات كثيرة. ومع ذلك، تمت دراسة كل شىء من النواحى الفنية والمالية، لكن الأمر الوحيد الذي لم نحسبه هو الجدوى المعنوية لمشاركة الشعب المصرى، وهى لا تُحسب بالورقة والقلم لأن عائدها يفوق الحسابات، وكانت هذه هي فكرة الرئيس الذي أراد أن يشارك المصريون في بناء بلدهم ويؤكد اللُحمة بين أطيافه والتوحد خلف مشروع قومى. وقد عقدنا اجتماعات مع وزيرى المالية والاستثمار ومحافظ البنك المركزى، لبحث أنسب طرق التمويل، وكيف يتم جمع الأموال وكذلك تأمينها.
■ هل كان لك رأى في تحديد قيمة العائد على الشهادات خاصة أنه كبير وستتحمله هيئة قناة السويس؟
- القرار اتُّخذ من قبل كلٍّ من وزيرى المالية والاستثمار ومحافظ البنك المركزى. ولم أشترك في هذا القرار، لكننى لم أعترض على قيمة الفائدة لأن الغرض كان ربط مصلحة المصريين بالمشروع، كما أننى أعلم جيداً أننى قادر على سداد هذه الفوائد.
■ ما حجم الفوائد التي ستدفعها سنوياً؟
- قيمة الفوائد التي ستُدفع سنوياً على شهادات الاستثمار تقدر بـ 7.2 مليار جنيه، وعلى مدار خمس سنوات تصل إلى 36 مليار جنيه، ما يقارب دخل عام واحد للقناة، التي حققت العام الماضى إيرادات تبلغ نحو 37 مليار جنيه، وهو أعلى معدل دخل في تاريخها، وسنحقق هذا العام زيادة تبلغ ملياراً ونصف المليار جنيه، ليبلغ العائد 38 ملياراً ونصف.
■ وما هو المخطط الزمنى لدفع قيمة الشهادات والفوائد وتصفية كل الديون؟
- خلال 5 سنوات سأكون قد دفعت أصل الشهادات والفوائد، فلو أضفنا قيمة شهادات الاستثمار (64 مليار جنيه) بالإضافة إلى 37 ملياراً قيمة الفوائد في 5 سنوات، سنجد أن إجمالى الديون يقارب 100 مليار جنيه، في حين أن عائد قناة السويس المتوقَّع خلال خمس سنوات سوف يصل إلى 200 مليار جنيه، وبذلك أغطى التكلفة بالفائدة، بل سيكون لدينا قناة جديدة إضافة إلى تعميق القناة القديمة لتستوعب الأجيال الجديدة من السفن العملاقة. باختصار.. هذا الاستثمار آمن ومدروس بعناية، فقد نجحنا في أن نزيد العائد هذا العام بنسبة 6.9%، وبالتالى دفع الفوائد من الزيادة التي حققناها، ما يعنى أننا لن نحتاج إلى المساس بالدخل الأساسى للقناة.
■ يقول البعض إننا لم نكن بحاجة إلى إنشاء قناة جديدة فالقديمة تعمل بكفاءة وتستوعب حركة التجارة.
- أنا أكثر شخص يمكن أن يتحدث عن قناة السويس، وما إذا كانت هناك مشكلات تستوجب إنشاء مجرى جديد أم لا، ولكِ أن تعلمى أنه بعد أيام قليلة من وصولى إلى منصبى تعطلت سفينة في القناة، وشاهدت بنفسى كيف أن حركة الملاحة والتجارة العالمية تتوقف بالكامل لمجرد أن مركباً تعطل، وتوقُّف أي سفينة معناه تكلفة على السفن وتأخر وصول البضاعة، فهل يُعقل أن نعمل بقناة ذات اتجاه واحد منذ أيام الخديو إسماعيل حتى الآن؟!. وعلى سبيل المثال، إذا رغب أسطول مكوَّن من 9 أو 10 سفن في المرور من القناة سنسمح لـ8 سفن فقط بالمرور، وسنطلب من التاسعة والعاشرة الانتظار حتى اليوم التالى، والانتظار يعنى بكل تأكيد خسائر في الأموال.
وبالتالى، فإن الأغلبية العظمى ممن يتحدثون عن حال القناة غير متخصصين، وليس لديهم من المعلومات ما يؤهلهم لتحديد ما إذا كنا نحتاج قناة جديدة أم لا. هذا أولاً. ثانياً: أنا من أكثر المؤمنين بأن القبول بالأمر الواقع دون تطوير أنفسنا نوع من الفشل.
■ لنَعُد إلى القناة القديمة.. أود أن أعرف سبب تعميقها من 45 قدماً إلى نحو 66 قدماً، خاصة أن هناك من يقول إن عدد السفن العملاقة التي تحتاج إلى هذا العمق قليل جداً؟.
- صناعة السفن في العالم تتطور بشكل كبير جداً، والأجيال الجديدة منها سفن عملاقة، وبالتالى إذا لم نعمِّق القناة فسنفقد فرصة مرور هذه السفن في القناة، ما يقلل من تصنيفنا العالمى وبالتالى العائد القومى. أنا لا أنظر إلى ما يحدث الآن والحركة الملاحية في هذه اللحظة، بل إلى عشر سنوات مقبلة على الأقل مع زيادة حركة التجارة العالمية وتطور صناعة السفن. ويجب أن نعمل على جذب كلّ ناقلات البترول الضخمة التي تحتاج إلى عمق كبير للمرور في قناة السويس، وألا ندع هذه الناقلات تتجه إلى ممرات أخرى.
وللعلم، فقد أعدَّ الدراسة الاقتصادية والفنية والهندسية لتعميق القناة مجموعة من الشباب المصريين، ووصلنا في دراسة الجدوى إلى أنه بحلول عام 2023 فإن متوسط عدد السفن التي ستمرُّ في القناة يومياً سيصل إلى 97 سفينة. نحن نفكر للأجيال القادمة ولا نريد أن نترك لهم إرثا ثقيلاً، وما سنفعله لهم اليوم ويتكلف دولاراً واحداً ستكون تكلفته غداً ثلاثة دولارات.
■ دعنا نتحدث عن مشروع تنمية محور قناة السويس والمشروعات التي طُرحت في المؤتمر الاقتصادى؟
- لم يكن ممكناً أن نفكر في تنمية منطقة قناة السويس بدون أن نحسِّن من عمل القناة عبر زيادة مرور السفن، وبالتالى زيادة دخلها من العملة الصعبة، وهذا سيحدث بعد عمل قناة السويس الجديدة وتعميق نظيرتها القديمة، لذلك نحن ملتزمون بالسير في الاتجاهين معا وبإنهاء مشروع قناة السويس الجديدة في أغسطس المقبل، أما مشروع تنمية القناة فهو يُعدُّ على أساس أنه ليس مشروعاً لتطوير منطقة القناة فحسب، إنما لتنمية مصر بالكامل، فقد قمنا بإعداد دراسة لمعرفة العائد على الوطن من هذا المشروع وأثره في الحياة الاجتماعية. ويُفترض أن ينتهى مشروع التنمية خلال فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات، نبدأ بعدها حصاد نتائج المشروعات وهى متعددة، ومنها مناطق لوجيستية لخدمة السفن من شحن وتفريغ وأخرى صناعية للبتروكيماويات والأسمدة وللطاقة، إضافة إلى مشروعات للبنية التحتية.
■ من جديد، يتساءل البعض عن آلية إرساء المشروع على دار الهندسة لوضع مخطط تنمية منطقة القناة؟
- تم تشكيل تحالف للحصول على مزيج من الخبرة المصرية والأجنبية، ووضعنا كراسة شروط منضبطة للغاية بمشاركة لجنة من الاتحاد الأوروبى. ونجح في شراء كراسة الشروط 14 تحالفاً من إجمالى 46 تحالفاً تقدموا لشراء الكراسة، وحدث تنافس بينها لكى يقدموا أفضل الأفكار للتنمية. وتم تشكيل لجنة برئاسة الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط، وتوجهنا للبنك الدولى الذي عرض علينا 10 شركات للمشاركة في تقييم عروض التحالفات المختلفة، واخترنا شركة «إيجاث» الفرنسية لأنه لم يكن هناك أي طرف فرنسى في أي تحالف من المتقدمين، وبالتالى نضمن الحياد الكامل، باختصار كل الخطوات والإجراءات في اختيار التحالف الفائز بإعداد الدراسات ومخطط التنمية تمت بنزاهة وشفافية مطلقة، فقد كنت أريد تقديم نموذج يُحتذى به في عمليات التقييم تعتمد على الأسس العالمية. وللعلم، فقد جاءنى اسم التحالف الفائز الذي اختارته لجنة التقييم في ظرف لاحظت أنه مفتوح فرفضت استلامه، وأمرت بإغلاقه وأرسلته إلى هيئة الأمن القومى لاعتماد اسم التحالف، ثم أعلنت التحالف الفائز بعد استيفاء كل الإجراءات وموافقة كل الأجهزة المعنية لتصبح إحدى أهم عمليات الإرساء في تاريخ مصر وأكثرها شفافية.
■ ما هو المبلغ الذي تقاضته دار الهندسة مقابل وضع المخطط العام؟
- مليون و600 ألف دولار، وهو بالمناسبة رقم صغير بالنسبة لمخطط ضخم كالذى نعمل عليه، كما أنه كان أفضل العروض التي قُدِّمت.
■ لماذا لم تقدِّم فكرة المشروع أثناء حكم جماعة الإخوان؟
- المشروع استغرق منى وقتاً طويلاً في الإعداد والدراسة، واكتمل لدى وصول السيسى إلى الحكم.
■ قاطعته.. الموضوع متعلق فعلاً بالدراسة أم أنك رأيت أن الوقت غير مناسب وأن القائمين على الحكم وقتها لن يهتموا بمشروع كهذا؟
- ابتسم قائلاً: كان يجب أن أختار الوقت المناسب، وكانت لدىّ قناعة بأن الإخوان لن يستمروا في الحكم.
■ قناعة أم معلومات؟
- الشواهد كانت تقول إن ذلك الحكم لن يُكمل مدته، فمنذ الإعلان الدستورى الذي حصّن به محمد مرسى نفسه علمت بخبرتى أن ذلك الحكم لن يستمر، فقد كنت أعايش المصريين بمختلف فئاتهم وأشعر بالغضب في الشارع، الشعب كان في حالة غليان، ورافضاً لكل ما يحدث.
الفريق مهاب مميش يتحدث للمصري اليوم
■ ما ردك على ما يروِّجه البعض عبر المواقع الإلكترونية بأن مشروع قناة السويس ليس بجديد وأن الفكرة طُرحت قبل ذلك؟
- الفكرة التي تقدَّمت بها خارج الإطار الذي كان معروضاً تماماً، وقد فكر أحد رؤساء هيئة قناة السويس السابقين بالفعل في مشروع مشابه، لكن ليس بالطريقة نفسها التي قدّمناها، كما أنها كانت مجرد فكرة وليست دراسة، وهناك فرق بين الفكرة والتخطيط والدراسة والفعل.
■ وما هي أوجه الاختلاف عن المشروع الذي تقدم به الدكتور عصام شرف لتنمية قناة السويس؟
- لقد اطلعت على دراسات «شرف» بالكامل، ويبقى ما قدمناه مختلفاً تماماً عنها، وقد طرأت تغيرات مهمة، منها حفر القناة الجديدة الذي يدخل ضمن إطار تنمية المحور ويرفع سقف التنمية في المنطقة.
■ ألم تستعن بأى من أجزائه؟
- لا تنس أنه قد حدث خلاف بين الدكتور عصام شرف وشركائه في العمل بشأن المشروع، ومنهم الدكتور طارق وفيق، وزير الإسكان آنذاك، لذا كان من الأفضل أن ننحى أنفسنا تماماً عن هذا الصراع ونضع مخططاً مختلفاً وجديداً.
■ بصراحة.. ما حقيقة إشرافك على عملية عسكرية ضد وحدات بحرية أمريكية اخترقت المياه الإقليمية مقتربة من شواطئ الإسكندرية؟
- في أعقاب ثورة 25 يناير، وأثناء الانفلات الأمنى أبلغتني الوحدات البحرية وحرس الحدود برصد وحدتين حربيتين كبيرتى الحجم، طراد وفرقاطة، عليهما مجموعة من السفن وطائرات الهليكوبتر، وكنت وقتها قائد القوات البحرية فأمرت بخروج القوات البحرية واعتراض الوحدتين وتهديدهما، ووضعنا خططاً عسكرية للتعامل معهما في حالة رفض الخروج من المياه الإقليمية، وبالفعل اعترضتهما القوات المصرية وحاصرتهما وطالبتهما بالانسحاب فوراً من المياه الإقليمية فاضطرا للانسحاب، وأبلغت المشير طنطاوي وقتها بما حدث وأيد القرار.
■ وما سبب اختراقهما للحدود والمياه الإقليمية؟
- بحسب منطقهما، عندما تحدث اضطرابات في أي مكان في العالم فإن سفنهما تكون قريبة من هذا المكان لسرعة نقل رعاياهما والتدخل لحماية مصالحهما من شركات وسفارات وغيرها، والله أعلم بالنوايا الحقيقية طبعاً. ومع ذلك أجد أن منافع هذا الموقف كانت كبيرة وقتها.
■ كيف؟
لأنه كان مهماً جداً برغم الثورة والانفلات الداخلي أن يشعر الأمريكيون أن الجيش المصري في غاية التنبُّه والتأهُّب وخرج على الفور واعترض طريقهم، وبالتالى يتأكدون من أن الجيش المصري قوى، وهو ما سيردعهم عن الإقدام على أي تصرف أو تدخُّل.
■ هل كان ذلك هو الموقف الوحيد لتدخلات البحرية الأمريكية؟
- هناك موقف سابق، عندما كانت إحدى السفن الإيرانية تحمل سلاحاً روسياً يذهب إلى سوريا، واكتشفها الأمريكيون فاعترضوها وفتشوها، وطلبوا منا هم والجانب الإسرائيلى ألا تمر السفينة في قناة السويس فرفضنا بقوة وحسم، ما أغضب الولايات المتحدة الأمريكية.
■ عفواً.. لكن هذه الأسلحة ربما يُقتل بها السوريون العزّل أو تقع في يد تنظيم «داعش» أو من على شاكلتهم!
- لا نستطيع اعتراض أو منع سفينة محمَّلة بالسلاح من المرور في القناة أيا كانت جنسيتها أو وجهتها، لأننا موقعون على اتفاقية القسطنطينية التي تنص على عدم منع أي سفينة من المرور، ونحن نحترم اتفاقياتنا.
ويتم المنع فقط إذا كانت السفينة تحمل مخدرات أو لتجارة الرقيق أو تابعة لدولة في حالة حرب معلنة مع مصر، أما تجارة السلاح، فهى مشروعة في العالم، ما دامت أوراق السفينة سليمة وقائمة حمولاتها مطابقة للتراخيص، وشهادة الإصدار من المنفذ مطابقة للمواصفات.
■ وحال أن السفينة تحمل مخلفات نووية!
- نحن لا نسمح بمرورها إلا بعد مراجعة قائمة الحمولات الخاصة بها وقيام قوات الجيش الثانى بمراجعة كل الشحنات للتأكد من مطابقتها، وهناك لجان من وكالة الطاقة الذرية لتفتيش تلك السفن، ناهيك من المخابرات العامة والحربية. ويوجد أجهزة لقياس حجم الإشعاع أيضاً، فكل سفينة مسموح لها بنسبة إشعاع معينة، وإذا كانت في الحدود الآمنة فإنه يُسمح بمرورها، أما إذا كانت خارج الحدود الآمنة، فمن حق القناة أن توقفها.
■ لكننا نعيب على السودان أنه يفتح مجاله الجوى للطائرات القطرية التي تنقل السلاح إلى الميليشيات المتطرفة في ليبيا.
- كما قلت، تجارة السلاح مشروعة في العالم كله، ولو تمَّ منع السفن الناقلة للسلاح، ما أتيح للدول أن تتسلح. وسر نجاح قناة السويس وتفوُّقها هو احترامها لاتفاقية القسطنطينية وللمواثيق الدولية. وللعلم، فإن ما ينطبق على المجال الملاحى لا ينطبق على نظيره الجوى.
■ هل هناك تهديدات أمنية لمضيق باب المندب وبالتالى قناة السويس؟
- لا، مطلقا، والمخاوف ليست في محلها، فالممرات الدولية لن تسمح الدول العظمى بالسيطرة عليها.
■ ألا يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم الحوثيين للضغط على مصر بتهديد باب المندب خاصة بعد التقارب «الأمريكى- الإيرانى» مؤخراً؟
- حتى إذا افترضنا هذا التصور، فهل ستسمح دول مثل الصين واليابان وكوريا وروسيا والهند للولايات المتحدة أو وكلائها في المنطقة، بإغلاق باب المندب؟ الصين وروسيا ستقفان لأمريكا وقتها بالمرصاد، فالمضايق والممرات تمثل عصب السيطرة على التجارة العالمية، وهناك قناعة بأن من يسيطر على البحر يسيطر على العالم. والبحار كبيرة، ويصعب السيطرة عليها، لذا يسعى البعض لبسط نفوذه عليها عبر المداخل والمخارج، أي المضايق والممرات المائية.
وهناك فرق بين الهيمنة والسيطرة والتواجد، فالأولى هي أن تقول الدول الكبرى إنه لن يُسمح بمرور السفن، وعندها تحدث حرب عالمية. أما السيطرة فتعنى تحديد السفن التي يمكن أن تمر، والأخرى التي لن يُسمح لها بذلك، وهذا ما حدث في مضيق باب المندب في حرب أكتوبر 1973. أما التواجد فهو مثل ما يحدث في خليج عدن الآن، إذ توجد بعض الوحدات البحرية الخاصة بمحاربة القرصنة، وبرغم أن القرصنة انتهت فإن هذه الوحدات ما زالت موجودة.
■ أفهم من ذلك أنك مطمئن إلى أن القوى العظمى هي التي لن تسمح للقوى الأخرى بإغلاق باب المندب؟
- نعم.
■ ولكن ماذا لو أن الولايات المتحدة قررت التواجد في باب المندب بدعوى حماية التجارة العالمية من قرصنة الحوثيين؟
- لكل حادث حديث.
■ بمناسبة القرصنة وخليج عدن.. هل رفضت مصر طلب أمريكا مشاركتها في محاربة القرصنة.. وما أسباب ذلك؟
- حدث ذلك عندما كنت قائداً للقوات البحرية، فقد طلبت أمريكا وبعض الدول الأوروبية أن نشترك معها في قوة محاربة القرصنة في خليج عدن، لكن مصر رفضت، لأننا لا نعمل خارج الدولة إلا تحت مظلة الأمم المتحدة، وقلنا لهم إذا صدر قرار من الأمم المتحدة بتشكيل قوة دولية سنشارك، وفى غير هذه الحالة فنحن نرفض المشاركة. وقد شكلت تلك الدول وقتها قوات بدعوى مواجهة القرصنة بدون موافقة الأمم المتحدة، ونظراً لغياب السلطة في الصومال، فإن القوات الأمريكية كانت تطارد السفن حتى داخل المياه الإقليمية للصومال، وهنا تكمن خطورة الاشتراك في تلك القوات دون مظلة الأمم المتحدة.
■ ما طبيعة التخوفات المصرية وقتها.. وهل كان الرفض بسبب مصر.. أم أنك رفضت احتراماً لسيادة دولة أخرى؟
- وقتها كان الرفض المصرى مبنياً على أساس التخوف من أن يتم افتعال أي مشكلات عند مدخل قناة السويس، فتطلب منا الولايات المتحدة أن تشترك معنا في تأمين القناة تماماً كما شاركناها في حماية مضيق عدن، وقتها لن نستطيع إخراجهم، وسيكون لهم موطئ قدم. لذا عندما عُرض الأمر علينا ذهبت إلى المشير طنطاوى، وأقنعته بخطورة الأمر، وقلت له إننا قادرون على أن نحارب القرصنة، ونقضى عليها من الخط 22 وحتى منطقة السلوم في الغرب، فنحن لسنا بحاجة إلى الاشتراك مع تلك القوات، وكانت لديَّ قراءات بأن هذا سيناريو موضوع لكى يتم خلق دوافع للتدخل في قناة السويس. وقد صدق حدسى، فها نحن الآن لا نسمع عن أي أعمال قرصنة، ومع ذلك ما زالت السفن والقوات الأمريكية متواجدة هناك حتى الآن، وهذا كان الهدف من البداية.
■ البعض اقترح تسمية القناة الجديدة باسم 30 يونيو لكنك رفضت.. فهل هذا نابع من عدم رغبتك في تسييس القناة؟
- أنا معك في أن مشروعاً قومياً بهذا الحجم يجب ألا يُسيَّس، ولا أن يكون سبب صراع بين 30 يونيو و25 يناير، فهو مشروع ملك مصر، لكن الحقيقة أن سبب رفضى هو أن قناة السويس الجديدة جزء لا يتجزأ من القناة القديمة، وبالتالى فهى محكومة باتفاقية القسطنطينية، ويصعب تغيير اسمها، فلكى أفعل ذلك يجب أن أغير في الاتفاقية، أو أنشئ أخرى جديدة.
■ هل لديك أي ملاحظات على اتفاقية القسطنطينية.. وهل تتضمن أي بنود مجحفة تنتقص من سلطات مصر؟
- بل هي من أفضل الاتفاقيات الموجودة، وبرغم أنها وُضعت عام 1888 فإنها منصفة جداً لمصر.
■ هل تُنهى قناة السويس الجديدة رغبة إسرائيل في إنشاء قناة منافسة؟
- قناة إسرائيل التي أعلنت عن رغبتها في حفرها تصل بين ميناءى إيلات وحيفا، أو أشدود في البحر الأبيض المتوسط، والمسافة بينهما 320 كيلومتراً، وللوصول إلى ميناء إيلات يجب المرور عبر ميناء العقبة، والمسافة تبلغ 180 كيلومتراً، وبالتالى فان إجمالى المطلوب حفره هو 500 كيلومتر، وهذه الأعمال تتطلب تكلفة ضخمة جداً.
■ علمت أن تكلفة المشروع الإسرائيلى تصل إلى 55 مليار دولار؟
- نعم التكلفة ضخمة جداً، وستقوم إسرائيل بإزالات كبيرة جداً لتنفيذها، كما أن الإسرائيليين فكروا في إقامة مناطق لوجستية وصناعية عند أول ثمانية كيلو مترات في إيلات ونقل البضائع بالسكة الحديد حتى البحر الأحمر، وهنا يتم استقبال السفن من ميناء حيفا وتوزع على باقى البحر المتوسط وشمال وشرق أوروبا، لكنهم وجدوا أن النقل عبر القطارات غير مجدٍ لأن السكة الحديد تستوعب حمولة أو اثنتين، في حين مرَّت علينا الأسبوع الماضى سفينة تحمل 20 ألف حمولة. إذن، كم سيحتاجون من عربات السكك الحديدية لكى ينقلوا ما على السفينة من حمولة؟ ناهيك عن الوقت، فالمرور في قناة السويس يستغرق 11 ساعة، في حين أن نقل حمولة عن طريق إسرائيل سيستغرق أياماً، ما بين زمن الإبحار وتفريغ الشحنة في الميناء ثم إعادة شحنها على القطار، إلى جانب زمن رحلة السكك الحديدية، لذا فهو مشروع غير مجدٍ اقتصاديا بالنسبة إليهم، وأعتقد أنهم لن يُقدموا عليه.
وعموماً لا يوجد تخوُّف، فلدينا وحدة لمتابعة جميع المشروعات في العالم ونتابع التطورات في قناة بنما ونيكاراجوا، لكن لا يجب أن نترك أنفسنا للترهل بدعوى أنه لا يوجد منافس لنا.
■ كان يُقال أيام الرئيس الأسبق مبارك إن جزءاً من دخل قناة السويس يذهب إلى رئاسة الجمهورية، فما حقيقة ذلك؟
- لقد تأكدت من خلال مراجعتى للدورة الحسابية لقناة السويس أنه ومنذ إنشائها لم تذهب أي أموال من دخل القناة إلى رئاسة الجمهورية كما كان يتردد، والشيكات التي تصدر للسفن المارة صادرة من البنك المركزى بالعملة الصعبة، والذى يحصلها هو البنك المركزى، ويحوِّل البنك ما قيمته 9.2% من نسبة الدخل بالعملة المحلية للهيئة للإنفاق على قناة السويس من صيانة ومرافق ومرتبات للعاملين. و«المركزى» يراجع كل صغيرة وكبيرة في أوجه الإنفاق والدورة المستندية ممتازة، وإذا كانت الرئاسة حصلت بالفعل على جزء من هذا الدخل، فستكون قد أخذته من البنك المركزى وليس الهيئة.
■ هل طلب الإخوان الحصول على جزء من أموال قناة السويس؟
- طلب منى الرئيس الأسبق مرسى الحصول على جزء من الأموال لتمويل محافظات القناة، وكان يريد أن يأخذ من نسبة الـ 9.2% التي تذهب إلى الهيئة، لكن أموراً تغيرت ولم يكرر طلبه. وعموماً نحن لدينا دور مجتمعى في المنطقة لا ينقطع عبر المساهمة في تطوير المستشفيات وتوفير الأجهزة الطبية، كما نُجرى عمليات جراحية كبرى للمحتاجين على نفقة الهيئة.
■ ألا يزال الدور المجتمعى قائماً برغم توجيه أغلب الإنفاق في اتجاه التطوير وحفر القناة؟
- الخير كتير والحمد لله.
■ ضمن المسؤولية الاجتماعية، هل ستكون هناك كوتة مخصصة لأبناء منطقة القناة للعمل في مشروعاتها؟
- المشروع الجديد سوف يوفر ملايين فرص العمل، وسيفتح الباب بعدالة لكل مواطنى محافظات الجمهورية، وبالتأكيد معيار الكفاءة سيكون المحدد الأول، لكن أهالى مدن القناة سيكون لهم بعض المميزات، فهؤلاء الناس تم تهجيرهم أثناء حرب 1967 حتى استعدنا الأرض عام 1973، وضحوا كثيراً، كما أن أهالى مدن القناة لقرب سكنهم من العمل ستقل تكلفة إعاشتهم، وبالتالى سيكون العائد الاقتصادى أكبر.
■ ما صحة ما يُقال عن أن قطر كانت تريد الحصول على محور قناة السويس في ظل حكم الإخوان؟
- لم يكن لأحد أن يفعل ذلك مادمنا موجودين، ولا يستطيع مخلوق أن يضع قدمه على حبة رمل من قناة السويس إلا على دمائنا وأجسادنا.. لقد تواترت أخبار كثيرة بهذا الشأن وقتها، ولكن لم يفتحه أحد رسمياً معى، وهم كانوا يعلمون موقفى. وكنت أتعمد إرسال رسائل للقيادة السياسية وقتها عبر الإعلام، موجِّهاً حديثى للمصريين بأن قناة السويس هي كرامة الشعب المصرى الذي حفر القناة بدمه، ونحن لن نفرِّط في القناة ما حيينا.
■ ألم تكن هناك محاولات من قطر مباشرة معك؟
- لم تحدث معى أي محاولات، وهم كانوا يعلمون أنه غير مسموح بالحديث معى في هذا الموضوع، ولا أن يمس أحد عزتنا وكرامتنا وأرضنا.
■ هل سيكون الاستثمار في محور القناة وفق حق التملك أم الانتفاع للأراضى؟
- ليس لدينا تمليك في محور قناة السويس، وستكون الأرض حق انتفاع. وقد أعددنا دراسة لكل القوانين المشابهة حتى تتم الاستفادة من كل التجارب، وأخذنا دروساً مهمة من موضوع التحكيم بالنسبة للمشروعات الاقتصادية في سيناء وخليج السويس التي تم اللجوء فيها إلى التحكيم من قبل. وهناك بعض التعديلات القانونية المهمة التي قام بها مكتب الدكتور هانى سرى الدين، فيما يخص قانون المناطق الخاصة وغيرها ليعطى الاستقلالية الكاملة لهيئة قناة السويس، وأظن أن القانون على وشك الصدور، فالتنمية التشريعية لها نفس مقام التنمية الاقتصادية، ولا يمكن للتنمية الاقتصادية أن تؤتى ثمارها إذا كانت التشريعات معوِّقة ومكبِّلة للاستثمار.
■ في أول يوم توليت فيه رئاسة قناة السويس تم تنظيم مظاهرات لمنعك من الدخول، فكيف تعاملت معها؟ وما هو سببها؟
- السبب أن مجموعة من العمال كان لديهم مطالب لم تجد من يسمعها، فاعتصموا وقرروا منعى من دخول الهيئة، واتصل بى مدير مكتبى وطالبنى بألا أحضر للمكتب هذا اليوم، لكننى رفضت وتوجهت إلى مكتبى فوجدت عدداً كبيراً من العمال وقد قطعوا الطريق إليه، ونظرت حولى فوجدت العاملين في الهيئة يقفون في الشرفات ينظرون كيف سيكون تصرفى، وجاءنى ضابط شرطة وطلب منى ألا أحاول الدخول نتيجة توتر الأوضاع حتى يقوموا بفض الاعتصام، فقلت للضابط: شكراً لك، ولكنى تعلمت من عملى بالقوات المسلحة أننا لا نرجع إلى الخلف بل نتقدم للأمام فقط.
كنت أمام خيارين: إما أن أتقدم وأحافظ على هيبة الدولة، أو أرجع للخلف مهدراً هيبتها، وبعدها لن أستطيع إدارة هذه الهيئة إطلاقاً. اتخذت قرارى وقلت للسائق: تقدَّم. وهنا قام أحد ضباط الجيش بإطلاق أعيرة نارية في الهواء ففر المعتصمون وفتحوا الطريق ودخلت مكتبى، وطلبت الجلوس مع العمال لمعرفة مشكلاتهم. وتم حلها والاستجابة للعمال، لكن من موقع قوة وليس عن طريق لى الذراع. وكان كل همى هو تأكيد هيبة الدولة. ومن يومها لم يحدث أي اعتصام.