بقلم - يحيي الجمل
قال أحد كبار المسؤولين الإيرانيين «إن بغداد هى عاصمة الإمبراطورية الفارسية ولا خيار بين البلدين، العراق وإيران، إلا الاتحاد أو الحرب».
بهذا الوضوح الذى لا يحتاج إلى بيان يعبّر هذا المسؤول الفارسى عن الأهداف الإيرانية وعن محاولات إحياء الإمبراطورية الفارسية وعن التعبير عن تلك المنافسات القديمة بين الإمبراطورية الفارسية والأمة العربية.
والتحركات الفارسية فى العراق واليمن وبلاد الشام كلها يجب أن تكون محل اهتمام القمة العربية القادمة، وإن كان هذا محل حديث آخر فى مقال آخر.
إلا أنه مما يلفت النظر هنا ويستحق التنويه ما قاله المرجع الشيعى الكبير سماحة الإمام السيستانى فى الرد على هذا الذى أطلقه الفارسيون.
قال سماحته: «إننا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا»، وواضح أن سماحته، وهو عراقى الأصل ويعيش فى العراق بصفة دائمة، يقصد أنه يعتز بالهوية العراقية وبالوطن العراقى بصرف النظر عن الانتماء الدينى. هذا تصريح يستحق الإكبار والإشادة، خاصة فى هذه الأيام العجاف.
منذ أكثر من عشرين أو ثلاثين سنة عندما كان التردد على العراق آمنا، كنت أذهب هناك بين الحين والحين لأسباب علمية، وكان من مرافقى الإمام السيستانى شخص أذكر أن اسمه الأول «على» ولكنى لا أذكر لقبه الآن. وفى مرة من المرات أخذ لى السيد على موعدا مع سماحة السيد، ولمّا ذهبت إلى محل إقامته وجدت مكانا بسيطاً لا رياش ولا حشم وإنما هو مكان يليق برجل زاهد متصوف، واستقبلنى سماحته هاشا باشا، وأحسست براحة عميقة وأنا أجلس إليه، وتذكرت الآية الكريمة التى تقول فى خطاب سيد الخلق «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، للعالمين كافة وليس لفريق من هؤلاء «العالمين» دون فريق.
فى هذه الآونة التى تعلن فيها إيران بجلاء أنها ستزود الحوثيين فى اليمن بنفط يكفيهم لسنة على الأقل وتعمل على توسيع ميناء الحديدة على البحر الأحمر.
يقول ممثل المرجعية الشيعية فى كربلاء – أحمد الصافى أحد مساعدى الإمام السيستانى – إن العراقيين يعتزون بوطنهم وهويتهم واستقلالهم وسيادتهم ورحب بأى مساعدة تقدم من الأصدقاء – يقصد إيران بطبيعة الحال – ولكن ذلك لا يعنى بأى حال من الأحوال أننا يمكن أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا.
ومن الجميل بل ومن الرائع أن يقول الإمام السيستانى وتلاميذه من العراقيين إنهم يكتبون تاريخهم بدماء شهدائهم وجرحاهم، وإن دماء العراقيين من جميع طوائفهم قد امتزجت واختلطت.
كذلك فقد أشار سماحته وتلاميذه إلى أن «العراقيين يدافعون عن بلدهم، الذى تجذرت فيه مجموعة حضارات، وقد تحملوا الكثير على مدى التاريخ من أجل أن يبقى العراق عزيزا شامخا مستقلا وسيد نفسه».
ماذا يستطيع أن يقول مواطن عراقى يُحب العراق من أعماقه أروع من هذا الكلام، وأفضل سواء كان سنيا أو شيعيا أو مؤمنا بغير ذلك من الأديان.
هذا فعلاً كلام رائع يستحق التنويه والإشادة.
ما الذى يستطيع أن يقوله علماء السياسة وأساتذة القانون الدستورى عن المواطنة فى الدولة الحديثة أعمق من هذا الكلام الذى يقوله الإمام السيستانى المرجع الشيعى الكبير.
لست شيعيا بطبيعة الحال ولا أؤمن بتلك التفرقة التى لا معنى لها بين سنى وشيعى. إنه دين واحد، وإن كل الأديان جوهرها المحبة والتسامح واحترام الآخر والإيمان بحق الاختلاف.
وهذه المعانى كلها أكاد ألمسها فى حديث الإمام السيستانى وأحاديث تلاميذه التى أشرت إليها.
وأحب أن أشير أيضا إلى ما قاله السيد أحمد الصافى، ممثل المرجعية الشيعية فى خطبة الجمعة فى كربلاء، لاحظ أن خطبة الجمعة فى كربلاء وليس فى أى مكان آخر من العراق، وهناك يقول السيد أحمد الصافى: «إن العراق سيكون كما كان دائما سداً منيعاً إزاء أى محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه، وتقديرى أن هذه التصريحات بالغة القوة والوضوح كانت تقصد الرد على ما قاله السيد على يونسى، مستشار الرئيس حسن روحانى، والتى جاء فيها «إن بغداد عاصمة الإمبراطورية الإيرانية ولا خيار بين البلدين إلا الاتحاد أو الحرب».
هذا العبث الإيرانى يصطدم بموقف عراقى واضح وصلب يؤمن بالهوية العراقية العربية ويعتز بها، ولعل فى ذلك ما يدعو السادة فى إيران إلى أن يراجعوا أنفسهم قبل أن يطلقوا أقوالهم التى قالوها.
عاش العراق عربيا صامدا يمثل ركنا أساسيا من أركان العروبة التى ستظل أعلامها خفّاقة رغم كل محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لمزيد من تفتيت المنطقة والعبث بمقدراتها، ليت إيران من ناحية وتركيا من ناحية أخرى يدركان أن العروبة حقيقة، وأن العروبة لن تنهار استجابة لرغباتهم جميعا، وليتهم يدركون أهداف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى المنطقة.
والله يحفظ أمة العرب، ويحفظ العراق ركناً ركيناً من أركانها.
نقلآ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع