خالد منتصر | الاثنين ٢٣ مارس ٢٠١٥ -
١٨:
٠٣ م +02:00 EET
أبوبكر البغدادى المسلم
خالد منتصر
احتكار الجنة كان دائماً الباب الملكى للتكفير والإقصاء والقتل باسم الدين وتحت مظلة العقيدة، وكل من يتلبسه هذا الاقتناع بأنه المحتكر الأوحد وصاحب الحق الحصرى فى الجنة يُستفَز ويغضب جداً ممن يزعزع له هذا الاعتقاد أو يخلخل له هذه الطمأنينة، لذلك لم أندهش من الهجوم الذى شنه البعض على تصريح الرئيس السيسى الذى نقلته «الوطن»، أمس، بأن المسلمين لن يذهبوا إلى الجنة وحدهم! أى إنهم ليسوا محتكرى الجنة كما يعتقد البعض ممن يقتلون المختلف معهم فى الفكر أو العقيدة أو الدين أو المذهب اعتقاداً منهم
بأن هناك شيكاً على بياض بأنهار وعسل وحوريات الجنة وصكوكاً للغفران مكتوبة بأسمائهم فى الشهر العقارى! هؤلاء هم الواهمون المغيبون المقتنعون بأن محمود رمضان قاتل الأطفال الذى ألقاهم من فوق سطح العمارة سيزف إلى الجنة وسيتزوج حور العين لأنه مسلم أفضل من «سولك» اليهودى منقذ الأطفال من الشلل ومخترع المصل الذى أنقذ جميع الملل والنحل والعقائد البوذى والهندوسى والمسلم والملحد من مصير العجز ومستقبل الضياع والألم، رمضان أفضل فقط لأنه ولد مسلماً!! وسولك الذى ضحى بالملايين ورفض تسجيل اكتشافه وتبرع به للبشرية قائلاً «ضوء الشمس ليس له براءة اختراع» هو فى نظرهم ملعون لمجرد أنه يهودى!!
أبوبكر البغدادى المسلم الذى بايعته عصابة الإرهاب المصرية بكل أطيافها خليفة للمسلمين، قاطع الرقاب وآكل الأكباد هو ساكن الجنة، ولويس باستير الذى غير تاريخ الطب، وفليمنج مكتشف البنسلين، وكوخ الذى أنقذ العالم من الدرن، وجينر الذى خلصنا من الجدرى.. كل هؤلاء فى قاع النار ومعهم أيضاً جابر بن حيان وابن الهيثم وأبوبكر الرازى والخوارزمى وابن سينا، لأن منهم الشيعى ومنهم من اتهمه فقهاء الظلام بأنه ملحد ومنهم من أدخلوه جهنم لأنه يمارس الكيمياء أو يستخدم الجبر والرياضيات فى حساب أشياء غير مواقيت الصلاة وتقدير المواريث!!
بيل جيتس الذى يتبرع بمئات الملايين لإنقاذ الأفارقة الذين لا يعرفهم من الملاريا والإيدز لن يشم رائحة الجنة فى نفس الوقت الذى سيشمها ويتمرغ فى نعيمها الداعية الذى سرق ملايين التبرعات ولهف صناديق النذور ليقتنى أحدث سيارات الـ«فور باى فور» ويبنى القصور المنيفة لتقيم فيها حريمه الأربع حسب الشرع كل واحدة فى سويت خاص!!
أنجلينا جولى التى تتبنى الطفل الأسمر والأصفر والأبيض، الفقير منهم والمتشرد واليتيم، هى فى نظر محتكرى الجنة بائعة هوى مصيرها جهنم.. لكن السيدة سامية التى سقت ماء النار لضباط كرداسة تدشن المظاهرات للهتاف باسمها وتهب صفحات التواصل الاجتماعى لتبجيلها كمدافعة أصيلة عن الدين بصفتها ضيفة إجبارية وبالضرورة على رياض الجنة!
تقدمت أوروبا حين حسمت قضية صكوك الغفران حيث كانت تباع أمتار من الجنة لمن يدفع المال ويعترف أمام الكاهن، الصك لم يكن مجرد ورقة لكنه كان دلالة سلطة قمع على تحرر العقل ووصاية رجل دين على سلوك ووجدان وروح، ليس من حق أحد أن يحتكر الجنة وأن يمنح هذا ويمنع ذاك، ليس من سلطة كائن مهما كان أن يطرد فلاناً من الفردوس لأن فضيلته أو سماحته أو حضرته قرر هذا لأنه تخيل أن الله منحه التوكيل فأصبح يتفضل علينا بتدوين تصرفاتنا هل هى مطابقة لمدونة السلوك التى يحتفظ هو بها فى دولابه المغلق المخفى فى سرداب خلف البحار السبع التى لا تصل إليها يد إلا يده طبعاً!!
نحن لا نريد أن نقتنع أن الغيب لا يعلمه إلا الله وأننا لسنا وكلاء الرب على الأرض أو أوصياء استلبنا سلطته المقدسة، نحن نريد أن نقنع ونوهم أنفسنا بأن كل هذا العالم بمليارات مجراته ومليارات الصينيين فيه والهنود والإسكيمو ومليارات هكتاراته المنتشرة من الأطلنطى إلى الهادى ومن الهندى إلى المتجمد.. كل هذا الاتساع اللانهائى قد خلق فقط لحل مشاكل هذه البقعة من الأرض التى نسكنها والتى تبلغ مساحتها كام ألف كيلومتر مربع!! يعنى باختصار نحن مجرد ذرة فى الكون فهل معنى ذلك أن يرضخ لنا العالم لأن منطقتنا مهبط الرسالات، وهل هذا يمنحنا الحق فى احتكار الجنة؟!
نقلآ عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع