حدث ما كان متوقعاً، واندلعت الحرب ضد الحوثيين، مع منتصف ليل أمس الأول، حين تحركت قوات التحالف العربى الذى تقوده السعودية، لتقصف عدداً من المعسكرات ومواقع الحوثيين باليمن. إشعال الحرب أمر سهل، لكن تحديد مداها أو مدتها، أو اتخاذ قرار بإنهائها يُعد من أصعب الأمور. نحن أمام حرب معقدة البدايات، ومعقدة المسارات، إذا طالت، ومعقدة النتائج عندما يفرغ منها الغرض.
حرب التحالف العربى ضد الحوثيين فى اليمن تتداخل فيها العوامل «المصالحية» مع الأبعاد «الطائفية». ويخطئ من يظن أن الطائفية هى الجانب الوحيد الذى يشكل أساساً لفهم ما يحدث، ليس فى اليمن وحدها، ولكن فى مناطق عدة من العالم العربى، فالمصالح تبدو متخفية وراء الساتر الطائفى. الطرح المذهبى وإحياء المعركة الشهيرة بين السنة والشيعة ضرورى لإشعال الحماسة الشعبية، ودفع أنصار الطرفين إلى استرخاص دمائهما فى معركة تبدو «عقائدية» فى ظاهرها، لكن شبكات المصالح تقبع فى الخلف لدى صنّاع القرار. ولهذه المعركة مهندس أكبر يتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية التى ذكرت لك منذ عدة أيام فى مقال بعنوان «مخلوع اليمن» أنها تبدو وكأنها رسمت الفخ للجميع، وبدا الجميع وكأنهم ينساقون إليه راضين كل الرضا.
منذ اللحظات الأولى للضربات الجوية من جانب التحالف العربى على الحوثيين بدأت عملية اصطفاف سريع وراء دولتين، أولاهما السعودية وخلفها اصطفت دول الخليج ومصر وتركيا، ليمثل مجموعهم محوراً سنياً بامتياز، ويبدو أن بعضاً من دول هذا المحور نسيت خلافاتها السياسية القريبة فى سبيل عدم إرباك «الاصطفاف الطائفى»، وفى المقابل بدأت دول أخرى تصطف خلف إيران، كقبلة للشيعة فى منطقة الخليج والجزيرة العربية، وأتى على رأس هذه الدول العراق بطبيعة الحال. وقفزت عبارة «الحرب العربية الفارسية» على ألسنة بعض المحللين، كجزء من القراءة الطائفية للحرب، وهو بُعد لا يستطيع منصف أن يغفله، لكنه للموضوعية ليس البعد الوحيد.
فالطرف الأمريكى، الذى تولى هندسة المشهد، له مصالح عدة من إسقاط المنطقة فى هذا الفخ، بعض هذه الأهداف سياسى يرتبط بإعادة ترتيب الأوراق فيها، وبعضها اقتصادى يرتبط بـ«بزنس بيع الأسلحة». وكل طرف من الأطراف التى دخلت فى دائرة هذه الحرب يبدو مدفوعاً بأهداف معينة، تتراوح بين «إثبات الحضور» داخل المشهد، أو إرضاء وتسديد فواتير لبعض الأطراف المركزية فى الحرب، أو بغرض الحصول على مغانم معينة، أو التغطية على بعض المشكلات الداخلية. عموماً ذلك شأن الحروب، دائماً ما يدخلها كل طرف وفى رأسه العديد من الأفكار حول المكاسب التى يمكن حصدها من الخطوة التى خطاها، بشرط الحسابات الجيدة والدقيقة.
وبما أن القيادة المصرية قررت منذ اللحظة الأولى المشاركة الجوية والبحرية فى الحرب على الحوثيين، فعليها أن تحسب وتتحسب جيداً لأية خطوات مستقبلية، لو طالت الحرب، وبدأت تدخل فى مسارات جديدة. كل خطوة تحتاج إلى فهم واستيعاب كامل للنتائج التى يمكن أن تترتب عليها، والثمن الذى سوف ندفعه مقابلها. أنا أفهم أن وجود مصر كظهير للمملكة العربية السعودية ضرورة تفرضها عوامل عديدة، والقيام بما هو واجب.. واجب، أما أكثر من ذلك فعلينا أن نمتثل لقوله تعالى «لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا».
نقلا عن الوطن