لا خلاف أن تأمين باب المندب يقع ضمن متطلبات الأمن القومى المصرى، لكننى أجد أن البعض يبالغ عند تناول هذا الأمر، وهو يبرر مسألة المشاركة المصرية فى «حرب اليمن». فقد شرح البعض أمر حماية الملاحة فى مضيق باب المندب، وكأنها شأن يخص مصر وحدها، لكونه بوابة إلى قناة السويس. وواقع الحال أن الأمر ليس كذلك، فالمضيق بالفعل بوابة إلى القناة، لكن حمايته تخص العالم بأسره الذى يفهم أن من صالحه تواصل الملاحة العالمية فى هذا الشريان، الخليج له مصالح تتعلق بنقل البترول، والدول المستهلكة لنفط الخليج لها أيضاً مصالح فى هذا السياق، وبالتالى فحماية الملاحة العالمية فى باب المندب، أمر تتشارك فيه العديد من الدول، من ضمنها بالضرورة مصر، لكن هناك فرقاً كبيراً بين أن تقيّم خطراً معيناً كخطر دولى، وأن تقيّمه على أنه خطر محلى!.
وفى حدود ما تشير إليه العديد من التقارير تملك الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية فى «جيبوتى» التى تطل على باب المندب من جهة الغرب. ويعود إنشاء هذه القاعدة إلى عام 2002، عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، ويحتشد داخل هذه القاعدة مئات العسكريين الأمريكيين، بالإضافة إلى قوات ألمانية وإيطالية. وقد نشأت هذه القاعدة بعد تعرض السفينة الأمريكية «كول» للضرب فى اليمن، الأمر الذى أشار إلى خطورة وجود تنظيم القاعدة فى هذا البلد، فسعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأمين نفسها، ودفعت لجيبوتى مقابل ذلك 30 مليون دولار كمعونات تضاف إلى الموازنة العامة للدولة. والأمر لا يختلف بالنسبة لدولة مثل فرنسا التى توجد لها قاعدة عسكرية فى جيبوتى. والهدف المعلن لهذه التحصينات العسكرية يرتبط بحماية المصالح الغربية فى باب المندب.
ولو أنك نظرت إلى الحوثيين أنفسهم فستجد أنهم بعثوا بالكثير من رسائل الطمأنة إلى مصر، خلال الفترة التى شهدت هيستيريا الحديث فى وسائل الإعلام عن خطورة تمدد الحوثيين فى اليمن على الملاحة فى باب المندب، وأن هذا الأمر يهدد قناة السويس بشكل مباشر. من بين هذه الرسائل على سبيل المثال ما ذكره محمد على الحوثى فى حوار له مع جريدة «المصرى اليوم» -فبراير الماضى- وقال فيه: «مصر هى استراتيجيتنا فى الدفاع عن قضايانا وقضايا أمتنا العربية، والمصريون هم من يقفون إلى جانب الضحايا والمستضعفين، وما يقال من أن هناك طموحاً للسيطرة على باب المندب (من قبل الحوثيين) لتهديد قناة السويس مجرد حديث مرسل فى الصحافة والإعلام، فنحن نعلم جيداً أن لكل شعب مقومات يحافظ بها على سيادته، والشعب المصرى هو شعب عظيم وقوى وتعلمنا على يد رجاله ومدرسيه الذين أتوا إلى اليمن، ونتطلع إلى أن يتفهم الشعب المصرى وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أننا لسنا أعداء لأى شخص».
فى كل الأحوال أشارت عدة مصادر مسئولة إلى أن مصر تحركت بحرياً، وأحكمت سيطرتها على باب المندب، وهى خطوة مطمئنة لحماية الملاحة فى القناة. وقى تقديرى أن أية خطوات تالية لا بد أن تعتمد على حسابات دقيقة، وتستند إلى أسلوب تفكير يتخلى عن فكرة صناعة الخطر من «اللا خطر» حتى لا يؤدى بنا إلى مشكلات «أخطر» بالمعنى الحقيقى وليس الوهمى!.
نقلا عن الوطن