بقلم:أنور الهواري | الثلاثاء ٣١ مارس ٢٠١٥ -
٢٢:
١٢ م +02:00 EET
أنور الهواري
الصدام الفكرى الذى شهدته القمةُ العربية بين رسالة بوتين والردود الفورية- العصبية العنيفة المتوترة- من وزير الخارجية السعودية عليها، هى مقدمةٌ لصراعٍ جديد، صراع تتصرف فيه روسيا كما لو كانت صورة مصغرة من الاتحاد السوفيتى السابق، وتتصرف فيه المملكة العربية كما لو كانت هى أمريكا الصغرى فى الإقليم، فى وقت لا تمانع فيه أمريكا الكبرى من أن يتقدم السعوديون للصدارة- ولو من باب التجربة- ماداموا يؤدون الغرض، ويعفون أمريكا من: التورط المُرهق، ومن التكاليف المنهكة، فإذا نجحت التجربة كسبت أمريكا، وإذا فشلت فإن نتائج الفشل تقع على السعوديين وحدهم.
قنابلُ خادم الحرمين- وهذا هو يومها السادس- تؤرخُ لسعودية جديدة، مع خادم حرمين جديد، مع جُرأة غير تقليدية، فى تطبيق أساليب الحرب الأمريكية: تقديس القوة حتى فى مواجهة خصم ضعيف، فكرة التحالف الواسع كغطاء شرعى يستر عورة العدوان، استعراض إمكانات السيطرة والتفوق الجوى، التصوير التليفزيونى المُبهر لعمليات القصف، الإخراج النفسى الذى يوحى بالإحكام والدقة والتمكن والسيطرة، غرفة البيانات والمؤتمرات الصحفية التى تتولى تصوير القتل والتدمير والحرق كما لو كان جراحة طبية ضرورية يمارسها أطباء ماهرون فى غرف عناية مركزية مجهزة. ومن ثم فإن الحرب السعودية فى اليمن يتم تصويرها، مثل كل الحروب الأمريكية، على أنها عملٌ من أعمال الخير، وعلى أنها تطوع مبرور لتأديب الخارجين على الشرعية محلية كانت أو دولية، والذين يهددون السلم والأمن إقليمياً كان أم دولياً.
تاريخياً، فإن سدنة «البيت الحرام» من آل سعود- قبل استخدام لقب خادم الحرمين وبعده- كانوا ومازالوا أقرب بالفكر وبالمصالح إلى سدنة «البيت الأبيض» فى واشنطن، منهم إلى سدنة «الكرملين» فى موسكو قبل سقوط الاتحاد السوفيتى وبعده، وقبل سقوط الشيوعية وبعدها.
وعلى هذا الأساس تعهد السعوديون- على مدى عقود طويلة- بالاصطفاف مع الأمريكان، فى مواجهة الأطماع الروسية فى الإقليم، وكانوا مركز التنسيق الذى جمع بين باكستان ضياء الحق، مع مصر السادات- مبارك، مع الأردن، مع تركيا، مع التنظيمات السياسية الدينية مثل الإخوان وغيرهم، هذا الحلف السعودى- الأمريكى، قاتل النفوذ الروسى- بوفاء نادر المثال- لصالح الأمريكان فى: اليمن الجنوبى 1968م- 1990م، فى أفغانستان 1979م- 1992م، وبعد أن ساد الظنُّ أن هذه الحروب الباردة أو بالوكالة قد انتهى زمانُها، تدخل الأمريكان والسعوديون والأتراك والإخوان- بكافة أشكال التدخل وبكل أنواع الذرائع- فى سوريا، ففُتحت الأبواب لتسلل نمط جديد من أنماط الحرب الباردة، حيث تشكل محور مضاد من الروس والإيرانيين والصينيين فضلاً عن قوى محلية مثل حزب الله، هذه الحرب الباردة الجديدة فى سوريا- وللسعوديين فيها دورٌ بالغ الخطورة- أطالت عمر النظام السورى، ووسعت نطاق الدمار، وعمقت جذور الأزمة، وزادت من تعقيد فرص التسوية.
هل اليمن تنتظرُها حربٌ باردةٌ جديدةٌ؟! هل يتكرر فى اليمن شىءٌ من خصائص الحرب السورية؟! هل يتدخل الروس- على مهل- للقصاص من السعوديين على ما فعلوه فى الروس سنوات ما كان يسمى «الجهاد الأفغانى»؟!
الوقتُ لم يزل مبكراً، والحربُ لم تتجاوز أسبوعها الأول، لكن يمكن تسجيل عدة ملاحظات- فقط- فيما يختص بالطرف الروسى:
أولاً: نحنُ المصريين تسامحنا وتجاوزنا عن القسوة البالغة التى وقف وراءها الأشقاء السعوديون فى التعامل مع قواتنا- التى ذهبت لمناصرة الثورة اليمنية كقوة تحرر وطنى 1962م- ولم نعد نذكرها إلا كدرس من دروس التاريخ، لكن لن يكون هذا هو موقف الروس على الإطلاق، وهذا ما أثبتته الخبرة الروسية فى سوريا 2011م- 2015م، فقد كان اعتقاد الأشقاء فى السعودية أن التدخل الروسى لن يكون له مجال لينجح، مثلما كان اعتقادهم أن المسألة لن تستغرق أسابيع حتى يكون النظام السورى قد سقط. ولكن الذى حدث هو العكس فى المرتين: التدخل السعودى- وليس الروسى- هو الذى فشل. والنظام السورى- وليس المعارضة السورية- هو الذى صمد، ولو على خراب البلد وأشلاء الشعب.
ثانياً: خادمُ الحرمين استبق وأرسل قنابله إلى اليمن قبل أن تنعقد القمة بثمانٍ وأربعين ساعة. بينما اختار بوتين أن يوجه رسائله إلى القمة العربية، فى سالة يؤرخ بها لاستئناف حضور روسى جديد فى الإقليم، قال بوتين للعرب فى قمتهم: نقف إلى جانب شعوب الدول العربية فى طموحاتهم، وفى تسوية جميع القضايا التى يسعون إليها بالطرق السلمية ودون تدخل خارجى. يتعرض الوضع الأمنى فى العديد من الدول العربية للخطر بسبب الأعمال الإرهابية. نولى اهتماماً بالتسوية العاجلة للأزمات فى سوريا وليبيا واليمن على أساس القانون الدولى. تسوية القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولة مستقلة وعاصمتُها القدس الشريف.
ثالثاً: لقد فهم وزير الخارجية السعودى- الدهقان المُحنّك- أن رسائل بوتين، هى دفاعات وصواريخ ومضادات أرضية مباشرة، تستهدف طائرات خادم الحرمين التى تمطر سماوات اليمن بأطنانٍ من القنابل، ولكنه تحاشى الوقوع المباشر فى فخ الملعب اليمنى، وبمهارة ذهب يلاعب الروس على الملعب السورى، فقال كل ما فى نفسه: روسيا موجودة- إلى حدود التورط- فى الشرق الأوسط حتى لو كانت تتظاهر بالحياد، روسيا متهمة- سعودياً- بالإفراط فى تسليح النظام السورى، النظام السورى يقتل شعبه بالسلاح الروسى، النظام الروسى فقد شرعيته.
آخرُ الكلام: أتمنى من خادم الحرمين أن يؤرخ لعهده بمشروع سلام، وليس بمشروع حرب. يؤلمنا أن نرى قنابل خادم الحرمين تتساقط مطراً فوق رأس عاصمة عربية مجيدة، حتى لو كانت تستهدف الحوثيين دون سواهم. مثلما كان يؤلمنا أن تتساقط قنابلُ الأمريكان وحلفاؤهم على رأس بغداد، حتى لو كانت تستهدف نظام صدام.
يؤلمُنا: أن نرى السعودية تتصرف كما لو كانت أمريكا الصغرى فى الإقليم.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع