إيران أصبحت في الفترة الأخيرة تستحوذ على جزء كبير من أهتمام المنطقة العربية نظرا لتزايد نفوذها، والغرب أيضا مهتم بإيران منذ وصول آيات الله للحكم بعد الثورة الإسلامية عام 1979، فإيران قوة إقليمية ولاعب مهم في منطقة الشرق الأوسط الجديد ،والغرب حذر تجاهها فهو لايعتبرها من الدول الحليفة أو الصديقة التي تدور في فلكه، وحين نقرأ دراسات غربية منشورة عن إيران يجب أن نضعها في سياقها دون مبالغة أو تهوين .
الدراسة التي نشرتها مجلة «فورين بوليسي» الامريكية في 2013 تحت عنوان «إيران تعيش ثورة جنسية غيرمسبوقة»، تحاول فيها المجلة الإجابة عن سؤال: هل تستطيع الثورة الجنسية أن تسقط النظام المحافظ في إيران؟ .
كانت الدراسة بقلم الدكتور افشين شاهي استاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة «اكستر» البريطانية، وعبر فيها عن عمق وخطورة الظاهرة الجنسية في ايران، موضحا أنها تثير الدهشة لدى النظام السياسي والمعايير الثقافية والايديولوجية المهيمنة على المجتمع الايراني ولكن ايضاً لدى الإيرانيين انفسهم، فقد تطرقت مواقع إعلامية إيرانية قليلة هذه الظاهرة، وقالت في خجل مستتر، إنه من الصعب جدا الحصول على معلومات مستقلة وموثقة حول عادات وسلوك الجنس في إيران. لكن الاحصاءات الحكومية توضح انحسار نسبة المواليد خلال العقد الاخير، ما يؤكد الاستخدام الواسع لوسائل منع الحمل في ايران. وقد بلغت نسبة النمو السكاني في ايران نحو 4 % عام 1988 فيما هبطت إلى 1.2% عام 2012. كما ارتفع معدل سن الزواج ويشكل العزاب نحو 40 % من عدد الذين بلغوا سن الزواج، وقد تضاعفت نسبة الطلاق 3 مرات خلال الاعوام العشرة الاخيرة.
وترتفع نسبة الطلاق واستمرار الحياة العزوبية في المدن الكبرى كطهران. فعلى سبيل المثال تساوي نسبة الطلاق في مدينة طهران تقريبا متوسط نسبة الطلاق في بريطانيا، أي نحو 40%ولم تتوقف هذه العملية، بل تؤكد إحصاءات العام الإيراني الحالي ان نسبة الطلاق تتصاعد، ونسبة الزواج تنخفض.
ويضيف افشين شاهي في دراسته ان التغيرات الملحوظة في موضوع الزواج تتزامن مع التحولات العميقة في العادات والسلوك ونظرة ابناء الطبقة الوسطى في إيران إلى العلاقات الجنسية والحب. فوفقا لإحصاءات وزارة الشباب في إيران اعترف معظم الذكور (في استطلاع رسمي عام 2008) انهم مارسوا الجنس مع نساء قبل الزواج.
كما تتمثل احدى تداعيات هذا التغيير في تصاعد عدد حالات الحمل غير المرغوب فيه والاجهاض، اذ بلغ الاجهاض في العام 2008 وفقا للاحصاءات الحكومية 13 في المئة من العلاقات بين الجنسين قبل الزواج الرسمي.
وبالتزامن مع هذه التطورات، تحولت الدعارة إلى قطاع خدمات واسع واصبحت العلاقات الجنسية مقابل المال سهلة قياسا بالزمن الماضي. فقبل 10 سنوات اعلنت صحيفة «انتخاب» في مقال تحليلي لها ان هناك 85 الف عاهرة تعمل في مدينة طهران فقط. ويعزو مقال اسبوعية «فورن بوليسي» اسباب تغير السلوك الجنسي للإيرانيين إلى الظروف الاقتصادية وتوسع المدن وتطور تكنولوجية الاتصالات وارتفاع معدل مستوى التعليم للنساء ودخولهن إلى سوق العمل وامكانياتهن لإعداد حياة مستقلة.
خصوصية ايران تكمن في ان الشباب الايرانيين باتوا بعد 36 عاما من سلطة النظام الديني وفرض تقاليد مشددة على أجيال بعد الثورة يعتبرون التغيير في حياتهم الخاصة ومنها العادات الجنسية نوعاً من التمرد والمقاومة للنظام الذي يحاول قادته السياسيون والدينيون،ان يظهروا أنهم نجحوا في اقامة يوتوبيا دينية لا يوجد فيها أي انحراف جنسي كما هو موجود في الغرب.
الدراسة السابقة تطرح فرضية إمكانية انتصار الجنس كظاهرة تمردية على نظام الحكم في إيران وهو ما اراه بعيدا عن الواقع، وما يحدث في إيران ليس بعيدا عما كان يحدث في دولة الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية...الخ ،اليوتوبيا لم تتحقق على مر التاريخ، فخطايا البشر تتكرر منذ آدم وحتى نهاية العالم، وما يحدث في إيران ليس بعيدا عما يحدث في مصر، وبقية الدول العربية الإسلامية التي تعيش حياة انفصامية مزدوجة، نصفها رسمي علني فوق الأرض يتوهم أن انتشار غطاء الرأس، وزيادة الدروس الدينية مؤشرا على العفة، والنصف الآخر تحت الأرض يخلط بين الحرية والجريمة، والعشوائية والقانون، يفاجئ الجميع بصدماته وارقامه بعدما تتحول إلى واقع مخيف، يرتبك الجميع في الرد على الاسئلة التي تجاهلناها طويلا، وتكاسلنا في الرد عليها، والجرائد كل يوم تنشر بعضا منها في صفحات الحوادث ولكننا نمر عليها مرور الكرام دون دراسة أو تحليل.
فهل آن الأوان لنواجه مشاكلنا بصراحة ونفتح كل الملفات السرية، أم نواصل الحياة بازدواجية دكتور جيكل ومستر هايد؟
السؤال للعقلاء فقط ..
نقلا عن المصرى اليوم