القمص أثناسيوس چورچ.
فيما انحدر موكب المسيح الملك خارج سور أورشليم؛ وقف على المنحدر المُطل على المدينة (وبكى عليها) لأنها لم تفتح عينها وأذنها وقلبها... رفضت كلامه وتعليمه؛ ولم تستجب لأعماله وتعليمه بعنادها وغلاظتها. فبينما الموكب يقترب من المدينة؛ تجاوز يسوع كل مجد الملوكية؛ وبكى على أورشليم لأنها لم تعرف زمان افتقادها... عميت أبصارها وتعامت عن معرفته، رأى ماضيها بعزها وهيكلها وأيام سلامها؛ وفرح أجيالها المتعاقب؛ لذا رثاها يسوع!! رأى إثمها وفجورها؛ وكيف أُخفي عنها يوم سلامها؛ ووُجدت لاهية في كبريائها وملذاتها؛ بينما هو أتٍ لها بالمصالحة والخلاص الأبدي.
نظر إليها وبكى عليها؛ عندما رأى كهنتها يلبسون الإثم لا البر، يلبسون الظلم لا العدل، رآهم مرائين متآمرين مرتشين؛ يراعون أنفسهم ويقتلون الأنبياء ويرجمون المرسلين إليها. رآها مُعاقَبة بشرّها؛ بعد أن امتلأ دفتر أحوالها اليومية بالإثم؛ الأمر الذي جعل مخلصنا يبكي عليها؛ لا بكاءًا سِرّيًا بدموع محبوسة؛ لكن بكاءًا بنحيب مُر وصوت مسموع، وهو لا يزال يبكي إلى الآن على كل من لا يقبل دعوة خلاصه وفدائه الثمين؛ إذ أنه أتى وخلاصه بين يديه؛ مقدمًا بالمجان لك الذين يقبلونه، يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون... لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا. يفتقدنا بفدائه بأحشاء رحمة ليضمنا؛ ساكنًا ماكثًا فينا؛ فنتخذه لأنفسنا طريقًا لنعيش به الكنيسة في أصلها الإلهي السمائي بالمعنى الكامل.
إنه ينعيها ويرثيها باكيًا لأنها لم تعلم ما هو لسلامها؛ لأن الذي أتى إليها هو مخلص وفادي الجميع؛ الذي جاء ليأتي بأبناء كثيرين إلى المجد، لكنها قد أُخفي عنها وتسمّرت في غيّها وطفح إثمها حتى يوم الصليب؛ حتى يكمل مكيالها ولا يُترك فيها حجرًا على حجر؛ لأنها لم تعرف زمان افتقادها... وخطيتها لن تُمحىَ لأنها سفكت دم الحمل الذي بلا عيب، سفكت دم العريس السماوي الذي جاء ليفتقدها؛ بينما هي رفضت عمله!! فتخرّب هيكلها، وانشق حجابها من الوسط، وتزلزلت أرضها، وتشققت قبورها.
إن مسيحنا يبكي على كل أورشليم تعيش هكذا، وتصير مَدُوسة من الشر، مُحاصَرة بمترسة الشياطين. فكل من يتهاون بخلاصه ولا يخضع تحت يد الله القوية؛ إنما يصير مرذولاً ومرفوضًا؛ لأنه يستخفّ بدم العهد ويترك عنه الشريعة.. لكننا الآن أمامنا الفرصة حيث نعيش زمان الافتقاد؛ لكل من يريد أن يقبل ويتجاوب ويطيع؛ فتنفتح له الكنوز وتفيض عليه البركات بسعة؛ لأن بر الله قد قرب وخلاصه ليس ببعيد، وكل من يُقبل إليه لا يُخرجه خارجًا. يحبنا أولاً... يحبنا فضلاً... يحبنا حتى وإن كنا غير أمناء. إنه يتحول عن أورشليم ليلتقي بنا؛ وليعطينا أيام افتقاد جديدة؛ ويطرق على أبوابنا. وها هي ساعة لنستيقظ، نتذكر آلامه ونحمل صليبه ويصير هو لنا خلاصًا مقدسًا.