الأقباط متحدون - عيد الشعانين وعيد المظال
أخر تحديث ٢٢:٢١ | الجمعة ٣ ابريل ٢٠١٥ | ٢٥برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٢١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

عيد الشعانين وعيد المظال

لطيف شاكر
كان اليهود في الأيام السبعة المُخصصّة للاحتفال بعيد المظال، يأخذ الكهنة أغصاناً من الشجر في أيديهم في موكب مهيب، وهم يدورون حول مذبح المحرقة صارخين مراراً : " آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذ مز 25:118

وكلم الرب موسي قائلا: وتأخذون لانفسكم في اليوم الاول ثمر اشجار بهجة وسعف النخل واغصان اشجار غبياء وصفصاف الوادي وتفرحون امام الرب الهكم سبعة ايام لا40:2

وكان الموكب يتكرر في اليوم السابع من العيد، وكان هُتاف الشعب المتكرر، وقد أُطلق على مجموعة الصلوات التي كانت تُتلى في موكب عيد المظال اسم " هوشِعَنات "، واليوم السابع كان يُدعى " يوم هوشِعَننا "        " 

وعادة التلويح بالأغصان وفروع النخيل، فترجع إلى تفسير خاص للآية التي ورد ذِكرها في سفر المزامير: " لِيَجْذَلِ (ليفرح) الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ، لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ الْوَعْـرِ " (مز12:96) ، فالمطر الذي يتوسّل الشعب من أجل نزوله من عند الله، سوف يُبارك شعب إسرائيل ومعه كل الخليقة

يقول القديس متي اصحاح 21 :5-9.
 قُولُوا لاِبْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً رَاكِباً عَلَي أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلاَ كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ

وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. وَﭐلْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. وَﭐلْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ: «أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي

ويتنبأ زكريا عن هذا الحدث في 9:9 قائلا
" اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأتِي إِلَيْكِ، هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ  
وقد دُعي  هذا اليوم بعيد السعف ، لأنَّ مستقبلي المسيح في ذلك اليوم كانوا يحملون سعوف النخل في أيديهم " فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ وَكَانُوا يَصْرُخُونَ أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ " (يو12:12،13).

وترجع الجذور الأولى لكلمة (أوصنا) في العهد القديم إلى سفر المزامير هي مقتبسة من المزمور " آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ (أوصنا)! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ (أوصنا)! " (25:118)، أمَّا معنى بقية التحية، مُبَارَكْ الآتي باسم الرّب هي أيضاً اقتباس من المزمور (26:118) " مُبَارَكْ الرّب الَذي يَأتي إلَى أورشَلِيمْ "، فكان أصل الكلمة يحمل صيغة من صيغ طلب الخلاص

ودخول السيد المسيح إلى القدس راكبًا على حمار تحقيقًا لنبؤة زكريا بن برخيا: "لا تخافي يا ابنة صهيون، فإن ملكك قادمٌ إليك راكبًا على جحشِ ابن أتان".[يو 12:14] وكان استعمال الحمير مقتصرًا في المجتمع اليهودي على طبقة الملوك وطبقة الكهنة، ما يشير إلى يسوع هو المسيح، إذ إن المسيح في العقيدة اليهودية هو نبي وكاهن وملك. وقد استقبله سكان المدينة والوافدين إليها للاحتفال بعيد الفصح بسعف النخل،[يو 12:13] لتظلله من أشعة الشمس، كما أن سعف النخل علامة الانتصار.

وأعطت الكنيسة الجامعة الرسولية مكانة عظيمة لعيد دخول السيد المسيح أورشليم، إذ وضعته في المرتبة الأولى بين سائر الأعياد، وصارتْ تحتفل به منذ القدم أعظم احتفال، وتظهر أهمية هذا العيد في ختامه للصوم الأربعينيّ المقدس الذي يسبقه، وأيضاً أُسبوع الآلام الذي يلحقه
ومن الممكن أن يكون " أحد االشعانين "، قد شكّل في مصر خلال (القرنين الثاني والثالث)، عيداً لنهاية الصوم الأربعينيّ.. دون علاقة مباشرة بأُسبوع الآلام

وقد حفظ لنا مخطوط قديم بأورشليم، طقس قراءات أحد الشعانين من (القرن الرابع إلى القرن الخامس)، ومن خلال هذا المخطوط يظهر لنا أنَّ أحد الشعانين كان متعلقاً بأُسبوع الآلام ومتصلاً به كمقدمة أو كمدخل له

وسمي هذا اليوم بعيد الزيتونة
وقد ذُكرت هذه التسمية في قوانين ابن العسّال إذ قال: " ليُعيّدْ عيد الزيتونة، هذا العيد هو أحد الشعانين، الذي دخل فيه المسيح أورشليم راكباً على جحش كملك، لأنَّ الجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق " وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ " (مت21:8)

وقد وصفه المقريزي بهذا الاسم إذ قال:"فالأعياد الكبار عندهم هى‏:‏ عيد البشارة وعيد الزيتونة وعيد الفصح..

وأكد أنَّ عيد الزيتونة هو عيد الشعانين  إذ قال‏: ويُعرف عندهم‏‏ (المسيحيين) بعيد الشعانين ويكون في سابع أحد من صومهم (الصوم الكبير)، وسُنّتهم في عيد الشعانين أن يُخرجوا سعف النخل من الكنيسة،

ويرون أنَّه يوم ركوب المسيح العنو وهو الحمار في القدس، ودخوله إلى صهيون وهو راكب والناس بين يديه يُسبّحون، وهو يأمر بالمعروف، ويحث على عمل الخير، وينهي عن المُنكر ويباعد عنه"

وسمي ايضا بعيد الأغصان
هكذا يُسمّيه اللاتين‏  أمّا الأغصان فيقصد بها أغصان الزيتون، فقد استقر في التقليد المسيحيّ منذ البداية، أنَّ الأطفال الذين احتفلوا بدخول المسيح أورشليم، كانوا يحملون سعف النخل وأغصان الزيتون، برغم أنَّ الأناجيل لم تذكر أغصان الزيتون بالتحديد، بل اكتفت بعبارة أغصان الشجر: " وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ " (مت8:21)، وهذا ليس بغريب لأنَّ أشجار الزيتون كانت تنمو بكثرة في الأماكن المقدسة، خاصة في جبل الزيتون (مت1:21).

وعند استقبال الشعب المسيح اختلط سعف النخل بأغصان الزيتون، وكأنَّ روح النصرة قد امتزجت بروح السلام.

ولعلّ أغصان الشجر هنا تُشير إلى نبوّات العهد القديم، التي تقتطعها لكي تفرش لنا طريق دخول المسيّا المخلّص إلى قلوبنا، فما كان ممكناً للعالم أن يتقبّل ربّنا يسوع بكونه المسيّا المخلّص، لو لم تُفرشْ هذه النبوّات أمامه في أذهاننا وقلوبنا لتُعلن عن شخصه

عادة فرش الثياب
وفرشوا ثيابهم على الأرض وأخذوا يهتفون، حسب رواية العهد الجديد: "هوشعنا! مبارك الآتي باسم الرب. هوشعنا في الأعالي!".[مر 11:9] وتعني هوشعنا حرفيًا خلصنا، ويشير باحثو الكتاب المقدس إلى معنى مركب من استخدام "هوشعنا"، فهي في مفهوم اليهود تشير إلى الخلاص من الاحتلال الروماني، ووفق المعاني الروحية والعقائد المسيحية تشير إلى الخلاص من الخطيئة، تحقيقًا لرسالة المسيح القائمة في سر الفداء

كانت عادة قديمة عندما يعود الملوك وقادة الجيوش من الحروب إلى بلادهم ظافرين: تضج المدينة بأصوات الفرح والتهليل، ويخرج الناس ليستقبلوهم بكل سرور، ويفرشون الأبسطة تحت أقدامهم، ويعدّون لهم المركبات المُزينة بالزهور وكل ما هو جميل.. وهذا ما قد حدث مع ملك الملوك.

لقد استقبلوا المسيح بكل حُب، حاملين في أيديهم سعف النخل، مُلقين تحت قدميه ثيابهم، وقد صرخوا بصوت رج المدينة، حتى الأطفال الأبرياء الذين لم يتلوّثوا بوحل الإثم والرياء كانوا يُرنّمون قائلين : " أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ " (مت15:21).

وفي العهد القديم نجد أنَّ تقليد فرش الثياب قد انتشر بين اليهود، وكان يُشير إلى المحبة والطاعة والولاء، فالكتاب المقدس يذكر أنَّ الجموع فرشوا ثيابهم وأغصان الشجر وسعف النخل، أمام " ياهو " عندما نصّب نفسه ملكاً (2ملوك13:9).

وقد فعلوا ذلك أيضاً عندما دخل أورشليم، قائد ثورة المكابيين " سمعان المكابيّ "، بعد انتصاره على أنتيخوس أبيفانوس، الذي نجّس الهيكل، وذبح الخنازير على المذبح، وجعل أروقته مواخير للدعارة سنة (175ق. م)

وهذا ما حدث مع السيد المسيح عندما دخل أورشليم، فأنشدوا المزامير، وفرشوا الثياب، وحملوا سعف النخل، لأنَّ المسيح هو الملك السماوي الذي قد جاء لكي يُطهر الهيكل من نجاساته، وقد كان تطهير الهيكل تتمّة لنبوة ملاخي النبيّ القائلة: " وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ ِ" (ملا1:3)، وهكذا يُذكّرنا عيد الشعانين بدخول المسيح الانتصاريّ إلى أورشليم فهو إله ومعلم ومخلص، وكاهن وملك، يملك على قلوب المؤمنين بالحُب، فما أجمل أن نتبعه ونسير في خُطاه حسب وصاياه، ونهتف مع جموع المؤمنين: أُ"وصَنَّا في الأَعَالي مُبَارَكْ الآتي باسم الرّب " (مت8:21).

ويوضّح إشعياء النبيّ أنَّ تقديم الثوب إلى شخص آخر، يُشير إلى ترشيحه للرئاسة فيقول: " إِذَا أَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِأَخِيهِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قَائِلاً: لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيساً وَهَذَا الْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ " (إش6:3)، وبهذا يكون فرش الثياب في الطريق، إشارة إلى قبولهم أن يكون السيد المسيح رئيساً عليهم.
ومن الملاحظ أنَّ فرش الثياب يسبقه خلعها، وهذا يُشير إلى حياة الخطية، التي عرَّتنا وفضحتنا.. إلى أن جاء المسيح وكسانا بثوب بره، وهكذا ألقى اليهود بالثوب القديم لكي يتمتّعوا بالسيِّد المسيح نفسه، كثوب البرّ الذي يلتحفون به ويختفون فيه.

وتُشير خلع الثياب إلى الاستهانة بكل شيء من أجل المسيح: " إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضاً خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ " (في8:3)، وخلع الإنسان العتيق، لنلبس الجديد الفاخر المُزين بالفضيلة، فالمسيح هو اللؤلؤة الفريدة التي تستحق أن نبيع كل شيء لنقتنيها (مت46:13) وخلع المظاهر الخارجية، لتكون الحياة مع الله من الأعماق " مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ " (مز1:129)، " مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ " (2كو5:10).

كما تُشير إلى حياة الفقر الاختياريّ التي يرغبها الله، وقد عاشها المسيح على الأرض، إذ لم يكن له مكان يسند إليه رأسه، وعلى نهجه قد سار المؤمنون، الذين كانوا يبيعون بيوتهم وحقولهم وممتلكاتهم... ويأتون بأثمانها ويضعونها عند أرجل الرسل، فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج (أع 33:5، 34)

وعلى الصليب نرى التجرد كاملاً، فقد تعرى اللابس النور كرداء من لباسه بفرح عظيم، لكي يلبس أولئك الذين خرجوا من الفردوس عرايا، لأنَّه عرف أنها تصلح لآدم المفضوح المُعرى من ثيابه، وكل الذين عرّتهم الخطية من لباس النعمة الإلهية، فرب المجد لمّا رأى الإنسان تعرى من ثياب التواضع نزل من السماء متجسداً، وتعرى من ثياب مجده ليكسوه بتواضعه، ولمّا رآه عرياناً من ثمار المحبة غطاه برداء الحُب الإلهيّ.

وكل عام والجميع في ملء الروح


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter