علي سالم | الجمعة ٣ ابريل ٢٠١٥ -
٥٥:
٠٩ م +02:00 EET
علي سالم
علي سالم
صدر قرار للبنوك بعدم إعطاء عملائها دولارات من فئة المائة دولار، لكى لا يستخدموها فى عمليات التهريب. ليس معنى ذلك أن كل من يحصل على مائة دولار ورقة واحدة من البنك سيقوم بتهريبها خارج مصر، ولكن حضرتك تعرف طبعا أننا نعيش فى زمن ردىء، وأن ابن الحرام ما خلاش لابن الحلال حاجة.
بشكل عام أنا على يقين من أن الأصل فى الفقه وفى الاقتصاد أيضا، بل ربما فى كل أمور الحياة، أن الأصل هو الرخصة والإباحة، وأن المنع هو الاستثناء. وأن كلمة ممنوع تفتح الباب فى كل لحظة للمزيد من الممنوع. غير أنه من الواضح كما يؤكد بعض الخبراء أن هذا القرار يستند إلى معلومة علمية مؤكدة هى أن المهرب القادر على تهريب ألف ورقة دولارات من ذات المائة عاجز حتماً عن تهريب ألفى ورقة دولارات فئة خمسين دولاراً. وأعترف أننى عاجز عن تصديق ذلك، وأتصور ما سيحدثه هذا القرار عندما تذهب إلى البنك وتطلب سحب ألف دولار من حسابك بالعملة الصعبة، فيقول لك الموظف: للأسف حضرتك ما جيتش بدرى.. ما عنديش خمسينات ولا عشرينات ولا عشرات ولا خمسات.. عندى دولار واحد.. اتفضل حضرتك خد الألف دول واقعد عدّهم على مهلك.. هات له قهوة يا عبده.
هى نكتة بالطبع، والرد الوحيد عليها هو أن تقول له: يا خسارة.. أصل أنا كنت عاوز أهربهم.. ما تعرفش حد والنبى يهرب لى الألف ورقة دولار دول وياخد اللى ياخده؟
ما أعرفه عن الدولارات وأى عملة صعبة أخرى أن مصدرها المؤكد فى كل وقت وأى وقت هو صنع سلعة منافسة لمثيلتها فى أسواق العالم، ثم تصديرها. ما يعنى أن الشغل الذى يخلو من البكش والمظهرية هو المصدر الوحيد للعملة الصعبة، وليس الخوف من أن يقوم البعض بتهريبها. حكاية منع الحصول من البنوك على أوراق المائة دولار ستفتح بابا جديدا مؤكدا لسوق سوداء تعمل فقط فى هذه الورقة كما ستقوم بتنشيط حركة تزويرها. من المدهش أنه قد مرت أيام قليلة على عقد المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، ثم صدر هذا القرار الذى سيثير عند رجال المال والأعمال فى العالم كله أسئلة كثيرة لا أعتقد أن الإجابة عنها ستكون فى صالحنا.
التهريب مهنة عرفها الإنسان منذ بدء التاريخ، وحتى فى العصر الحديث هناك من ينجحون فى تهريب البشر إلى بلدان أوروبا وأمريكا. وفى مصر هناك المخدرات، وفى مقابل كل كيلوجرام من الحشيش على سبيل المثال تضبطه قوات الأمن يتسرب إلى الأسواق ألف كيلوجرام.
لست أطالب بترك الأمور سداحا مداحا، أنا فقط أحذر من سيادة مفهوم المنع على عقولنا، إلى الدرجة التى تخيف كل من يتعامل معنا فى كل المجالات الأخرى.
إذا كان هناك من يريد ورقة المائة دولار لتهريبها أو لأى هدف آخر، كأن يحضر عليها عفاريت مثلا، ألن يدفعه ذلك للبحث عنها عند آخرين؟ ألن تنشأ عن ذلك سوق سوداء جديدة؟
من المستحيل أن تخدم سيدين، لا تستطيع أن تخدم الاشتراكية والرأسمالية فى وقت واحد. هذه هى مشكلتنا الأساسية، أن تكون الدولة مسؤولة عن كل شىء وعن كل المشاريع طبقا لتعليمات الاشتراكية، ثم تقوم بتلوين كل ذلك بدهان رأسمالى يسيح مع أى ارتفاع فى درجة الحرارة، فتنكشف أحوالنا للعالم، وهى أننا اشتراكيون حتى النخاع وأننا سنظل اشتراكيين.. حتى لو اقتضى الأمر أن نمنع تداول ورقة المائة جنيه المصرية.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع