أكثر من محلل توقف عند الطريقة التى يؤدى بها الإعلام فى تغطية الحرب على الحوثيين فى اليمن، وأجمع الكل على أن من يملك مفاتيح تمويل القنوات الفضائية هو الأقدر على التحكم فى الرسالة الإعلامية التى تنقل تفاعلات الحرب، فتُظهر هذا غالباً وهذا مغلوباً، بغضّ النظر عن الأوضاع الحقيقية على الأرض. قد يذهب البعض إلى أن ذلك هو شأن إعلام الحروب، فالإعلام فيها يلعب دور المنصة الدفاعية أو الهجومية، شأنه شأن أدوات الحرب الأخرى، وهو كلام صحيح ولا شك، لكن يفوت من يؤكد ذلك أن الإعلام يقوم بهكذا دور فى الحروب التى تستهدف استعادة أرض، أو الوقوف ضد عدو غاز للبلاد. فى هذه الحالة يكون من الطبيعى أن يلعب الإعلام دوره كسلاح إلى جوار الدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ، لكن عندما تأخذ الحرب شكل الدفاع عن نظام سياسى بعينه، أو فرضه على الأرض بقوة السلاح، فأظن أن الأمر يختلف.
وأغلب الحروب والتطاحنات القتالية التى تشهدها المنطقة العربية الآن تأخذ سمت الحروب الهادفة إلى فرض أنظمة سياسية معينة بالقوة. الحرب فى اليمن على سبيل المثال تسير إلى حد ما فى هذا المسار، فالحوثيون يريدون تدشين نظام سياسى يرضيهم بقوة السلاح، والتحالف العربى المحارب لهم يستهدف هو الآخر فرض الرئيس عبدربه هادى منصور بقوة السلاح. قد يقول قائل إن «هادى» يمتلك شرعية الانتخاب، ويمكن الرد على من يذهب هذا المذهب بسؤال: كيف نتقبل ذلك والرجل يترأس اليمن من الرياض؟! ثمة حنين يحكم العديد من الرؤوس يرغّبهم فى العودة إلى إعلام الستينات، وللإنصاف فقد كان أداء الإعلام خلال هذه الفترة هادفاً على العديد من المستويات، على مستوى الدراما والثقافة والدين وخلافه، لكنه كان يقع فى شرَك الدعاية، حين يتطرق الأمر إلى السياسة، وحين كان يتولى مهمة تغطية الحروب. وعذره فى ذلك أنه كان يخوض معركة حقيقية ضد عدو بيّن العداوة، وهو إسرائيل التى احتلت الأرض، وغزت الديار، وقتلت الأطفال، وشردت أهالى المدن العامرة.
الأمر اليوم مختلف، فنحن كما ذكرت بصدد حروب تستهدف فرض أنظمة سياسية بقوة السلاح، وبالتالى فالحديث عن «تجنيد» الإعلام فى المعارك ينطوى على قدر لا بأس به من المغالطة، ويبدو كمحاولة ساذجة لإلباس مواطنى 2015 أزياء الستينات. ولك أن تتخيل كيف يمكن أن ننظر اليوم إلى شاب أطال شعره وسوالفه، وارتدى بنطلون شارلستون، وقميصاً بأساور كبيرة، وحذاء زلط ماركة «دبابة». مؤكد أن شكله سيثير السخرية والضحك، وسيبدو نشازاً فى الواقع المعاصر الذى نحياه، كذلك تبدو بعض وسائل الإعلام التى تحاول أن تؤدى اليوم بمنطق «المنصة القتالية»، لتستدعى من الذاكرة «الإعلام الستينى» الذى أغرق العرب فى أوهام، استيقظوا منها على الحقيقة المرة. نحن نعيش الآن فى ظل بيئة إعلامية مختلفة، أهم ما يميزها هو العجز عن إخفاء المعلومات فى عصر أصبحت المعلومة فيه ملقاة على قارعة الطريق يعرفها العربى والأعجمى، عصر يرفع شعار «الكدب مالوش رجلين»، وقد أوجدت هذه البيئة الجديدة مستوى من الوعى غير مسبوق ولا مطروق لدى الرأى العام، أصبح يتمتع معه بقدرة على التمييز، والاستعصاء على الخداع أو «الاستعباط»!
نقلا عن الوطن