ليس جديداً أن يستشهد جنودنا فى سيناء جراء عمليات إرهابية يقوم بها «أنصار بيت المقدس»، وليس جديداً أن تستهدف نفس الكمائن فى كل عملية جديدة، وليس جديداً أن تقع أغلب العمليات الإرهابية الكبرى يومى الخميس والجمعة، وليس جديداً أن تحذر إسرائيل مواطنيها من السفر إلى سيناء قبل كل عملية، ومع كل تحذير يفهم الجميع أن ثمة شيئاً مقبلاً، كما حدث يوم الخميس الماضى، وليس جديداً أن تخرج البيانات المهددة والمتوعدة من جانب المتحدث العسكرى، واللعنات الإعلامية على الإرهاب الأسود، والتعاطف من جانب الرئاسة. كل ما حدث بعد الهجوم الإرهابى على عدد من الكمائن يوم الخميس الماضى متوقع، لكن ثمة بعض الممارسات الجديدة التى يصح أن نلتفت إليها، بعد الدعاء بالرحمة لشهدائنا.
الأمر الأول يتمثل فى اشتباك قواتنا مع المهاجمين، كما أعلن المتحدث العسكرى، وهو أمر لم نتعود عليه خلال العمليات السابقة التى شهدتها سيناء، حيث كان الإرهابيون يدخلون لتنفيذ العملية، وبعد أن يفرغوا منها يعودون إلى مكامنهم آمنين، ولكن إذا كان ثمة وجه إيجابى فى الكلام الذى ذكره المتحدث العسكرى، فإنه يشير من طرف آخر إلى أمر مزعج يتمثل فى أن الأمر فى سيناء بدأ يدخل رسمياً دائرة الاشتباكات العسكرية الصريحة، ولم يعد يقتصر على مجرد تفجير ودمتم، وقد نشرت بعض الصفحات المحسوبة على «أنصار بيت المقدس» صوراً لآليات ومعدات عسكرية غنمها المهاجمون فى هذه المعركة!.
الأمر الثانى يتعلق بحالة التضارب فى أرقام الشهداء والتى تراوحت ما بين (5 شهداء) فى بيان المتحدث العسكرى، إلى (22 شهيداً) كما نشرت بعض الصحف، بل لقد تضاربت الأرقام بين المتحدث العسكرى ووزارة الصحة، ولست أجد تفسيراً لهذا التضارب، سوى التراوح بين التهوين والتهويل فى وصف ما حدث، وهو سلوك غير مطمئن بالمرة، لأنه يعنى ببساطة أن هناك من يريد التعتيم على ما يحدث، ربما من زاوية عدم إحباط معنويات الشعب أو القوات المقاتلة، وهو تفكير له وجاهته، لكنه ينسى أن الزمان اختلف، وأن أى مستور فى الواقع الذى نعيشه سيجد من يتطوع بفضحه!.
الأمر الثالث يرتبط باللفظ الذى أصبحت جريدة «الأخبار» تميل إلى استخدامه فى وصف الإرهابيين، وهو وصف «الكفار»، فقد تصدر الصحيفة صبيحة يوم الجمعة عنوان يقول: «استشهاد 15 مقاتلاً وتصفية 35 من الكفار»، وهو لفظ عجيب بعض الشىء يعيدنا إلى عصر «أبوجهل» و«أبولهب». ولست أختلف على فكرة أن أى إنسان لديه دين لا يمكن أن يقدم على ما يقدم عليه الإرهابيون من سفك للدماء، لكن المشكلة أن هذا اللفظ يستدعى من الذاكرة اللفظ المضاد، المتمثل فى: «المؤمنين»، وباستخدام لفظ «الكفار» يمكن أن يفهم أن الجريدة تريد أن تصور الأمر، وكأنه صراع بين فسطاط «المؤمنين»، وفسطاط «الكفار»، وهى تعبيرات تنتمى إلى قاموس «بن لادن»، وتعكس أداءً لغوياً قد يكون من المفيد للجريدة أن تراجعه، حتى لا تقع فى مطب يحب الإرهابيون أن ينزلق هذا المجتمع إليه. فجزء من تمدد أى عدو يرتبط بقدرته على تصدير مفرداته إلى خصمه، ليبدو مثله وكأنه واقع من فيلم عربى من بتوع زمان!.
نقلا عن الوطن