يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم {إنَّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص}.
مما لا شك فيه أن من أكبر عوامل النصر وحدة وتماسك أبناء المجتمع واجتماع رأيهم واتحاد كلمتهم وعدم الشذوذ بالرأى والفكر في وقت دقت فيه طبول المعركة وكشفت الحرب عن ساقها، وقام رجال جيشنا البواسل بتلقين الإرهاب الأسود في سيناء الدروس والعبر في أنَّ مصر ليست لقمة سائغة تمضغها أسنان الإرهابيين.
روى الحاكم وصححه عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ أَسْلَمُ النَّاسِ فِيهَا- أَوْ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا- الْجُنْدُ الْغَرْبِىّ فَلِذَلِكَ قَدِمْتُ مِصْرَ».
فقد وصف النبى، صلى الله عليه وسلم، جند مصر بأنهم أسلم الناس في الفتنة، أو خير الناس في الفتنة، وهذا الوصف يدل على أنهم لا يعتدون على الأبرياء ولا يقاتلون إلا المعتدين كما علمهم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
فالمصريون خير أجناد الأرض يحبون الحياة كما يحبون الموت، ويحبون الموت كما يحبون الحياة.
فهم يحبون الحياة في طاعة الله، عز وجل، وفى إعمار الأرض بالعلم والخير والعمل الصالح، ومن أجل ذلك فهم يحسنون الظن بالله تعالى ويقبلون على لقاء الله سبحانه وتعالى برضا ومحبة، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.
وهم يحبون الموت أيضا ويبذلون أرواحهم هينة رخيصة في سبيل الله وفى سبيل كرامة مصر وعزتها، فالمصرى بطبعه يكره العيش في مهانة؛ لأنه تعلم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنَّ حب الدنيا وكراهية الموت من الضعف والوهن أي في الدين والإيمان.
روى الإمام أحمد وأبوداود عن ثوبان أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
وكما أكد القرآن الكريم أن المؤمن قد يقدم على القتال والجهاد وهو كاره له، فإن شدائد الحرب لا تثنيه عن واجب الدفاع عن الوطن والنفس والعرض والدين، يقول الحق سبحانه وتعالى:{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس}.
فهذا حث لأصحاب النبى، صلى الله عليه وسلم، على الجهاد زيادة على ما أصابهم من القتل والجرح يوم أحد. يقول الله تعالى: {ولا تهنوا} أي لا تضعُفوا ولا تجبُنوا عن جهاد أعدائكم بما [أى بسبب ما] نالكم من القتل والجَرح، وكان قد قتل يومئذ من المهاجرين خمسة منهم حمزة بن عبدالمطلب ومصعب بن عمير وقتل من الأنصار سبعون رجلا.
وما يصيب المجاهدين من بلاء وما ينزل بالعامة وقت الجهاد وأيام الحرب من شدة فقد أجاب الله تعالى عنه في عدة مواضع من القرآن الكريم، منها الآية السابقة، ومن ذلك قول الله تعالى في آية أخرى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. قال ابن كثير: {وهو كرهٌ لكم} أي شديد عليكم ومشقة، وهو كذلك فإنه إما أن يُقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجاهدة الأعداء. ثم قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} أي لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء، أو الفوز بالجنان والرضوان إذا ما لقى المجاهد ربه شهيدًا في سبيله.
على شعب مصر أن يثق في أن جيشنا العظيم لا تحركه العواطف والانفعالات النفسية ولا تسيطر عليه غرائز الانتقام، فهو برباطة جأشه وثباته المعروف عنه أبعد الناس عن ذلك، لكن مقتضيات الأمن القومى والوطنى اقتضت الحرب على الإرهاب واجتثاثه من أرض الكنانة حسماً للفتنة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}.
وإننا لنحمد الله سبحانه وتعالى أن روح الوحدة والائتلاف والفريق الواحد والجماعة الواحدة هي التي تسيطر على مشاعر المصريين الذين يكرهون الإرهاب بطبعهم، والذين يتوقون إلى القضاء عليه في مهده ومكانه قبل أن يصل إلى مناطق أخرى فتعم الفوضى كما عمت في دول أخرى.
نحن لا ندرى هل تطول حربنا على الإرهاب أم ستقصر لكننا نعى جيدا أهمية تلاحم شعب مصر واصطفافه مع جيشه وشرطته التي تحافظ على أمنه وسلمه الداخلى خلف قيادته الراشدة، وندرك كذلك أن النصر سيصنعه الشعب المصرى العظيم بأيدى أبنائه البواسل.
إن الشعب المصرى العظيم قادر بإذن الله على مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهه في حربه على الإرهاب، وإن التاريخ علمنا دروسا كثيرة في مقدرة مصر على النهوض ولم شمل الأمة في أحلك الظروف، كما حدث في أيام التتار وفى أيام محنة الصليبيين؛ فقد نهض العالم الإسلامى من كبوته بسبب صمود مصر وجيشها في وجه جنود التتار والصليبيين.
أيها المصريون: تذكروا قول الله تبارك وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.
وقوله تعالى {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
وقوله تعالى: {وإن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
وقوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
وتذكروا قول النبى صلى الله عليه وسلم {الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ولا يقرب الثلاثة}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: {إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}.
كل هذه الآيات والأحاديث السابقة لتؤكد على معنى أهمية وضرورة الاتحاد والاتفاق ولم الشمل، والوقوف صفًّا واحدًا في وجه الأعداء، وتحذر من الفرقة وخطرها على وحدة الأمة الإسلامية.
حمى الله مصر وشعبها وجيشها وشرطتها ووقاهم شر الفتن والاختلاف ما ظهر منه وما بطن.
نقلا عن المصري اليوم