يقول القرآن الكريم " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" ومع ذلك يأتي عام الرمادة ويوقف عمر بن الخطاب العظيم الحد السابق..سيقول البعض: نعم..أوقف الحد لأن شروطه لم تتوفر والظروف دعته لذلك..ونحن نقول نعم..صحيح..لكن ليس في النص أي شروط ولا أي ظروف وكان الاجتهاد عمريا خالصا ومع ذلك لم يختلف معه صحابي واحد!
ويقول التنزيل الحكيم: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم" والمؤلفة قلوبهم قبائل على حدود دولة الإسلام لم يؤمنوا وكان لهم نصيب من الزكاة لتأليف قلوبهم إلى دين الله..ويأتي عمر ويقسم الصدقات بكافة أنصبتها ولكنه يوقف نصيب المؤلفة قلوبهم! ويسألونه كيف ذلك؟ فيقول بما يعني: "أنزلت والإسلام ضعيف ولسنا في حاجة إلى ذلك اليوم"! ولم يخالفه أحد رغم أن النص القرآني لا يقول ذلك بل النص واضح جدا أيضا.. فماذا فعل أمير المؤمنين؟ في الحالتين فهم روح النص وحكمة الآيات وليس ظاهر النص وكلماته وحروفه رغم أنها آيات قرآنية وليست نصوصا بشرية!
عمر بن الخطاب المؤسس الأول لمدرسة العقل في فهم آيات الله العزيز الحكيم ومعه كبار الصحابة وأولهم على بن أبي طالب الذي استنبط حد شارب الخمر بالقياس ولا نري القياس إلا إعمالا للعقل والفهم والإدراك والاستيعاب !
لماذا فعل عمر ذلك وعلي أي سند ؟ لأنه ومن قربه من رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ولفهمه الحقيقي لآيات القرآن أدرك أن الإنسان وسعادته ـ وهو خليفة الله على الأرض ـ هو الهدف من أي تشريع وكل تشريع.. فالرحمن الرحيم يسعد بقرب عباده منه وليس خوفهم..الرحمن الرحيم يسعد بطمأنينة عباده وليس رعبهم ونلاحظ أنه لم يصفهم مرة واحدة بالعبيد..وإنما بالعباد !
هذه المدرسة في فهم نصوص القرآن والسنة سار على هديها الإمام أبي حنيفة النعمان ونسميه الإمام الأعظم وسار عليها محمد عبده ونسميه الأستاذ الإمام لكن كانت مدرسة النقل لأنها الأسهل كانت هي الأقوي.. وهو ما أدي إلى تعرض كل أبناء مدرسة العقل تقريبا للمحن واحدا بعد آخر..
فبعد أبي حنيفة ومحمد عبده وما تعرضا له فصل الشيخ على عبد الرازق من الأزهر وصودر كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم" وحديثا هوجم بشدة المستشار محمد سعيد العشماوي صاحب كتابي "الإسلام السياسي" و"الربا في الإسلام" وأثارا ضجة كبري وعاش تحت الحراسة.. وحوصر محمد شحرور ودفعوا عشرات الكتاب للرد عليه وطورد أحمد صبحي منصور وهاجر إلى خارج البلاد وتعرض الأستاذ جمال البنا إلى حملة تشويه عاتية ورحل تاركا خلف كل سنة من عمره مؤلفا مهما..لم ينجو من مدرسة العقل واحد ـ اللهم إلا الشيخان شلتوت ومخلوف لظروف العصر المستنير الذي عاشا فيه ـ بل طالت حتى الغزالي ـ نعم الغزالي ـ
وتعرض لهجوم شرس بسبب كتابه الأشهر "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" وتعرض لبذاءات لا مثيل لها !
..والثمن يدفعه هؤلاء في سبيل رؤية حقيقية ـ مستنيرة بالضرورة ـ عن الإسلام العظيم تجعله حقا وفعلا صالحا لكل زمان ومكان تجتهد فيه عقولهم في النصوص ولا تنشئ نصوصا جديدة تستلهم روح الإسلام الرائع وهدي نبيه الكريم وليس تهدمه وتتصيد نصوصا متأخرة من تراثه!
والنتيجة: مدرسة العقل قديمة قدم الإسلام لم تبدأ أبدا مع إسلام بحيري كما يزعم ولا تخصه وحده وهي أيضا لن تنته بوقف برنامجه ولا حتى بهجرته من مصر نهائيا بل لو تواضع في هذه النقطة لكان خيرا له..والنتيجة أيضا: المعركة مستمرة بين المدرستين كل منهما يريد خدمة الإسلام وبطريقته إلا أن فريقا منهما يدفع الثمن غاليا ودائما !
نقلا عن فيتو